مرايا – شؤون محلية عاد العامل الأردني سعيد عبدالله (30 عاما) الى منزله يجر أذيال الخيبة، بعد أن قضى أكثر من 6 ساعات في الشارع الرئيس وسط مدينة إربد، ينتظر أصحاب ورش بناء لتشغيله بلا فائدة.
عبدالله الذي يحترف مهنة “القصارة” منذ سنوات، يصحو كعادته مبكرا ويذهب الى السوق الذي يتجمع فيه معظم العمال والحرفيين، إلا أنه ومنذ بداية العام مع سريان نظام الأبنية الجديد لم يتمكن من العثور على فرصة عمل إلا مرات معدودة، ليضطر إلى العودة في أغلب الأيام الى منزله بلا يومية.
ويعزو عبدالله عدم عثوره على عمل في الوقت الحالي لتوقف حركة البناء في مدينة إربد بسبب الشروط الصعبة التي يفرضها نظام الأبنية الجديد على المقاولين، الأمر الذي تسبب بتعطل المئات من العمال عن العمل لارتباط أي ورشة بناء مباشرة مع العمال والحرفيين، لافتا الى أنه في حال زادت ورش البناء فإن إمكانية حصوله على عمل تتضاعف.
ويشير الى أنه على مدار أسبوع لم يتمكن من العثور على أي فرصة عمل في ورش البناء، جراء حالة الركود التي يشهدها قطاع الإنشاءات في إربد، مشيرا الى أن أصحاب العمل والمتعهدين تركوا العمل بهذا القطاع لعدم جدواه.
وتتضمن أبرز بنود نظام الأبنية الجديد فرض غرامات كبيرة على التجاوزات والاعتداءات التي تتم أثناء البناء، علاوة على زيادة رسوم وكلف ترخيص البناء وفقا لحسابات مالية جديدة، إضافة لإلزام الشركات بوضع مصعد في الأبنية التي يوجد بها ثلاثة طوابق وإلزامية المخططات الهندسية قبل التنفيذ، إضافة لبنود أخرى.
عبدالله واحد من بين المئات، الذين يضطرون أغلب الأيام للعودة الى منازلهم بعد فشلهم في الحصول على فرصة عمل في ورش البناء، فيما آخرون باتوا لا يغادرون منازلهم نهائيا، لقناعتهم بعدم وجود عمل في الوقت الحالي، بالتزامن أيضا مع حلول شهر رمضان المبارك.
ويضيف محمد قدورة، وهو عامل “دهان”، أنه لم يتمكن من الحصول على ورشة منذ أكثر من 3 شهور؛ حيث يضطر يوميا الى الذهاب الى السوق والجلوس في الشارع العام، أملا في قدوم صاحب عمل من أجل الاتفاق معه على استلام ورشة، إلا أن السوق، وحسب تعبيره، “واقف”.
ويتابع قدورة، أنه يفكر بتغيير المهنة والبحث عن أي وظيفة أخرى، جراء عدم وجود طلب عليها في الوقت الحالي، إضافة الى أن العمل في هذه المهنة يتوقف نهائيا في فصل الشتاء وشهر رمضان والأعياد وغيرها، خاصة وأن العمل بمهنة الدهان كان يشهد إقبالا من قبل شركات الإسكان، إلا أن توقف حركة البناء في إربد أثر على جميع القطاعات.
ويقول عصام الهامي الذي يمتلك منجرة في إربد، إن الطلب على تفصيل الأبواب تراجع بنسبة 80 % عما كان عليه في السابق جراء توقف حركة البناء في إربد، مشيرا الى أنه كان يتعاقد مع شركات الإسكان من أجل عمل أبواب للشقق الإسكانية وكانت الأوضاع قبل سنوات جيدة مقارنة بالعام الحالي.
ويضيف أنه اضطر العام الحالي للاستغناء عن عدد من العمال الذين كانوا يعملون معه في المنجرة جراء حالة الركود التي تشهدها حركة البناء، مؤكدا أن العمل في هذا المجال بات غير مجدٍ في الوقت الحالي، ويفكر جديا بالبحث عن مجال آخر ليتمكن من تأمين دخل مناسب.
فريد التميمي صاحب محل مواد بناء، يؤكد أن الإقبال على شراء الأدوات الصحية والكهربائية تراجع بنسبة كبيرة جراء حالة الركود التي تشهدها الأسواق، وعدم تمكن المواطنين من بناء منازل لعدم وجود سيولة نقدية وثبات الدخل الشهري، الأمر الذي انعكس سلبا على مبيعات محال مواد البناء.
ويضيف أن المبيعات تراجعت بنسبة 80 % عما كانت عليه في السابق، ولم يعد هناك أي طلبيات كبيرة، ويقتصر البيع على قطع صغيرة تستعمل لغايات صيانة المنازل، مؤكدا أن العديد من محال مواد البناء أغلقت أبوابها جراء حالة الركود التي تشهدها الأسواق، وأن العمل بهذه المهنة أصبح غير مجدٍ، وخصوصا لأصحاب المحال المستأجرة الذين باتوا لا يقوون على دفع قيمة الإيجار والكهرباء.
ويشير محمد القواسمة، وهو عامل في أحد محال بيع الاسمنت والحديد، الى أن الطلب على الحديد والإسمنت تراجع بنسبة كبيرة، بعدما كان يشهد حركة نشطة في السنوات الماضية، مشيرا الى أن الإقبال على البناء تراجع بنسبة كبيرة جراء نظام الأبنية الجديد الذي ضاعف قيمة المخالفات.
ويتابع أنه وبالرغم من التراجع الكبير في أسعار مادة الاسمنت ووصول سعر الطن الى 50 دينارا، إلا أن ذلك لم يشفع الإقبال على عمليات البناء، وقام عدد من المواطنين فقط بصيانة منازلهم، مشيرا الى أن أسعار مواد البناء جيدة وانخفضت عما كانت عليه في السابق بنسبة تزيد على 50 %.
ويعمل قطاع الإنشاءات على توفير فرص العمل للعمالتين الأردنية والوافدة، خصوصا وأن القطاع يشغل أكثر من 50 مهنة منذ بداية المشروع لحين الانتهاء منه.
وتوقفت معظم المشاريع الإسكانية وبناء المنازل في إربد منذ إقرار نظام الأبنية الجديد لتضاعف قيمة المخالفات المالية وفرض ارتدادت كبيرة على البناء.
ويقول المواطن فراس بشايرة، إنه اضطر الى استئجار منزل في إربد بإيجار شهري يبلغ 200 دينار، على أن يقوم ببناء منزل أو شراء شقة بمبلغ 56 ألف دينار، لافتا الى أنه كان يعتزم أخذ قرض من أحد البنوك لبناء منزل في قطعة أرض يملكها بمساحة 320 مترا مربعا، إلا أن الشروط التي فرضها نظام الأبنية من ناحية الارتدادات والمخالفات وبناء كراجات حالت دون ذلك.
ويقول مساعد رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان، مدير مكتب فرع إربد، محمد عبد الكريم البطاينة، إن نظام الأبنية الجديد تسبب بتوقف العمل نهائيا بالمشاريع الإسكانية في إربد، ناهيك عن توقف العمل ببناء المنازل من قبل المواطنين.
وأشار البطاينة الى أن أكثر من 50 مهنة تضررت من توقف العمل ببناء الشقق الإسكانية والمنازل، والتي كانت تعتمد على ذلك القطاع بشكل مباشر، لافتا الى أن المئات من العمالة المحلية باتوا متعطلين عن العمل في الوقت الحالي لعدم وجود أبنية جديدة، مما خلق مشاكل وظواهر اجتماعية.
ولفت الى أن حجم الاستثمار في قطاع الإسكان في إربد تجاوز السنوات الماضية، أكثر من نصف مليار دينار لوجود المئات من شركات الإسكان التي كانت تعمل على بناء الشقق الإسكانية وكانت ترفد خزينة الدولة بأموال هائلة للضرائب التي كانت تفرضها على المعاملات والبيع والشراء وغيرها.
وأوضح البطاينة، أن عدد الشركات العاملة في إربد حاليا، والتي سددت التزاماتها للجمعية، لم يتجاوز 60 شركة من أصل 320 شركة كانت تعمل في السنوات الماضية، مؤكدا أن الشركات المسجلة أيضا متوقفة عن العمل بانتظار تعديلات على نظام الأبنية الجديد.
وأكد أن معظم قطع الأراضي المفروزة في السنوات الماضية أصبحت في ظل النظام الجديد غير صالحة للبناء عليها لفرض ارتدادات جديدة، الأمر الذي أضر بقطاع الإسكان في إربد ودفعه الى التوقف عن البناء حتى إشعار آخر.
وأوضح أن معظم المحال التجارية المرتبطة بقطاع الإنشاءات تعاني حالة من الركود لعدم وجود أي طلبيات كبيرة من شركات الإسكان، مؤكدا أن شركات الإسكان كانت تحرك عجلة الاقتصاد في محافظة إربد لافتقار المحافظة لأي مشاريع تنموية، إضافة الى أنها كانت تشغل المئات من الأيدي العاملة.
وبدوره، قال رئيس بلدية إربد الكبرى، المهندس حسين بني هاني، إن حجم التراخيص للمنازل الجديدة والبنايات الإسكانية تراجع بنسبة كبيرة عما كان عليه في السابق، جراء عزوف المستثمرين والمواطنين، على حد سواء، عن البناء “لوجود نقاط تعجيزية في النظام لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع”.
ويوضح بني هاني، أن توقف البناء في إربد تسبب بتراجع الإيرادات لموزانة البلدية بمقدار 4 ملايين دينار سنويا بدل رسوم تراخيص.
وكان وزير الشؤون البلدية وزير النقل وليد المصري، أكد خلال جولة ميدانية على بلدية الطيبة الجديدة في إربد يوم السبت الماضي، أن نظام الأبنية الجديد الذي طبق قبل أشهر “جاء لردع المخالفين وضبط المخالفات العشوائية، وليس بهدف الجباية”، مشيرا إلى أن الأبنية القائمة قبل الأول من كانون الثاني (يناير) 2017 “لم يشملها النظام الجديد”.