مرايا – نشر القضاء العراقي، اعترافات اثنين من قادة تنظيم داعش، كانا قد أعلنت السلطات اعتقالهما قبل أشهر عدة مع ثلاثة آخرين من كبار قادة التنظيم وعرض جزءا من اعترافاتهم على القناة التلفزيونية الرسمية.
وتحدث صدام عمر حسين الجمل والبالغ 40 عاما وهو سوري الجنسية في معرض اعترافاته أمام محكمة التحقيق المركزية المختصة بنظر قضايا الإرهاب كيفية انتمائه لتنظيم داعش وكيفية تعيينه قائدا للجبهة الشرقية في “الجيش الحر” وماذا كان يعمل ولماذا كانت تخشاه جميع الفصائل المسلحة في دير الزور.
وقال الجمل، بحسب ما نشر موقع “السومرية نيوز” الثلاثاء: “كنت أسكن في البو كمال السورية وعملت في تهريب السكائر من العراق وسوريا حيث كنت أجني مالاً كثيراً من هذا العمل منذ العام 1998 ولغاية 2010 وقد تركت الدراسة في مراحلها المتوسطة”.
وأضاف: “عند اندلاع التظاهرات في المدن السورية ضد النظام اشتركت بها حتى أصبحنا ملاحقين وتم اعتقالي لأكثر من مرة وبعد ذلك اتجهنا للعمل المسلح وقد أنشأت كتيبة (الله أكبر) والتي تم الإعلان عن تأسيسها في منطقة القورية السورية مطلع العام 2011”.
وذكر أبو رقية الأنصاري أن “كتائب كثيرة قد أنشئت في هذه الأثناء حتى تم تأسيس لواء الله أكبر في البو كمال السورية وخضنا العديد من العمليات العسكرية ضد الجيش السوري حتى تمت السيطرة على البو كمال بالكامل”.
وأوضح: “تم إبلاغي عن طريق أحد الأشخاص بضرورة الانتقال إلى إحدى الدول المجاورة لسوريا للقاء بإحدى الشخصيات وبالفعل انتقلت عن طريق التهريب إلى هذه داعش وبقيت لمدة يومين حتى حضرت اجتماعا ضمن 600 قائد كتيبة ولواء وتم آنذاك إعلان تشكيل هيئة أركان الجيش الحر” بحسب ما يفيد الأنصاري.
ويقول الإرهابي: “تم تعييني قائداً للجبهة الشرقية وعضوا في هيئة أركان الجيش الحر وقد كنت قبل ذلك قائدا لتشكيل أحفاد الرسول وهو تشكيل مسلح يضم العديد من الكتائب والألوية”.
خلافات النصرة وتنظيم داعش
وعن ظهور جبهة النصرة في المناطق التي كانت تحت سيطرته، قال أبو رقية إن “أول ظهور لجبهة النصرة قبل انشقاقها عن تنظيم داعش كان في مناطق معينة من الحسكة ودير الزور وكان يقودهم شخص يدعى أبو ماريا الهراري ومعه عدد من القيادات وكان أبو محمد الجولاني أمير الشام لجبهة النصرة آنذاك”.
وأشار إلى أن “جبهة النصرة بدأت تنشط بالخفاء في البو كمال التي كانت تحت سيطرتي ونفوذي وأن جميع التشكيلات أو المجاميع المسلحة كانت تخشاني في تلك المناطق لما أتمتع به من نفوذ وكثرة في الأتباع حتى أنشأوا محكمة شرعية وقمت بإغلاقها في وقت لاحق”.
وكشف الجمل، عن أبرز الخلافات التي أدت إلى انشقاق جبهة النصرة عن تنظيم داعش ، قائلا إن “السبب الرئيس هو بروز الجولاني إذ أصبح اسما كبيرا وعلم بأن هناك مخططا لتصفيته من تنظيم داعش وصارت شعبيته كبيرة، وأن القوة والسلاح كانت بيده في ذلك الوقت ولم يكن للخليفة البغدادي ثقل كونه كان في العراق وقد بعث بقياداته من العراق إلى الشام”.
ومن بين أولئك القادة “أبو علي الأنباري وعبد الناصر أبو أسامة العراقي وحجي بكر والبيلاوي جاؤوا لإقناع الجولاني بالتوجه للعراق واللقاء بالخليفة لكنه رفض وكان الانشقاق سريا في بداية الأمر حتى تحول إلى علني”.
استهدافه من “النصرة”
وأكد الأنصاري: “بعد أن أصبحت جبهة النصرة تنشط وأخذت بالسيطرة على عدة مناطق عملوا على استهدافي كوني كنت صاحب النفوذ وامتلك السلاح ويتبعني أشخاص كثيرون، حتى أن تنظيم داعش كان يستهدفني”.
وزاد صدام الجمل أن “جبهة النصرة قامت باستهدافي لأكثر من مرة ومن خلال الانتحاريين وتمكنوا من قتل اثنين من أشقائي وخطف أحدهم وتم تفجير منزلي وقمت بإخلاء عائلتي إلى خارج البوكمال حتى أعلنت الحرب على النصرة”.
“انضمامه لتنظيم داعش”
وعن قصة انتمائه لتنظيم داعش يروي الجمل قائلا: “طلبت من أحد أقاربي أن يجمعني بقيادات تنظيم داعش الذي كان على تواصل معهم وبالفعل التقيت (عامر رفدان) الذي يشغل منصب والي ولاية”، مضيفا بأنه “أعلن البيعة لأبي بكر البغدادي أمام الوالي وأصبحت واحدا من عناصر التنظيم”.
ويفيد الجمل بأن “جبهة النصرة قامت بشن هجوم واسع على تنظيم داعش وبمشاركة عدد من الفصائل المسلحة وتمكنوا من قتل الكثير من عناصر التنظيم والسيطرة على أراضيه حتى أخذ بالانحسار في مناطق عدة وتم قتل عدد من المهاجرين الذين كان التنظيم يقوى بهم”.
السيطرة على الموصل والأنبار
وعن كيفية دخول التنظيم للعراق وإعلان سيطرته على الموصل والأنبار وكيف ساهم ذلك باستعادة قواه يقول إن “داعش جهز عناصره واستعد لشن هجوم على الموصل وعند دخولهم والسيطرة عليها استعاد التنظيم قواه وسيطر على الأنبار بعدها وأخذ بالتوسع والانتشار في سوريا أيضا”.
وأشار إلى أن “التنظيم كان يقوى بكتيبة الشيشانيين والتي كان يقودها أبو عمر الشيشاني حيث خاضت العديد من المعارك الشرسة في العراق وسوريا”.
وأكد الجمل أن “العراق بالنسبة لتنظيم داعش كان يشكل أهمية كبيرة أكثر من سوريا كونه يعد مركزا لثقله فضلاً عن تواجد أغلب القيادات فيه بالإضافة إلى انتقال الخليفة أبي بكر إلى الموصل”.
وزاد: “التقيت بالخليفة أبي بكر البغدادي في إحدى المرات في سوريا وكان داخل عجلة ترافقها عدد من العجلات ذات الدفع الرباعي ذات الزجاج المضلل”.
واستطرد الجمل أن “القيادات كانت تحاول إبعادي عن الخليفة خشية من أن أشغل مناصب مهمة كونه كان مهتما بي ويسأل ويستفسر عني لأكثر من مرة”، مؤكدا أن “التنظيم قام بشن هجوم واسع على جبهة النصرة وقام بالقضاء على أغلب عناصره في سوريا”.
وبخصوص سيطرة التنظيم على مساحات واسعة من العراق، قال الجمل إنه “بعد سيطرة التنظيم على أراض واسعة في العراق وسوريا قسمت إلى ولايات منها ولاية نينوى وتضم ولايتي الجزيرة ودجلة وولاية الفرات وولاية دير الزور وولاية الرقة وولاية الخير وغيرها من الولايات وعين وال للشام وآخر للعراق فضلا عن تشكيل لجنتين تدعى اللجنة المفوضة واحدة في العراق ومقرها الموصل وأخرى في سوريا”.
إدارة شؤون التنظيم
وأدلى الجمل باعترافات حول إدارة التنظيم لشؤونه، قائلا إن “هذه اللجنة تتكون من أربعة أعضاء ويتولاهم أمير، كل عضو منهم يشغل منصب نائب الخليفة أبي بكر وتتولى هذه اللجان إدارة شؤون تنظيم داعش وكل القرارات التي تتعلق بالحرب والأمور المالية والإصدارات وغيرها من الأمور وكانوا يتغيرون بين فترة وأخرى”.
“هدية من الخليفة”
وقال صدام الجمل: “تم إرسالي إلى ولاية الفرات في العراق من قبل وإلى الشام كي أشرف على عملهم وقد عينت بمنصب أمني للولاية، وحصلت بيني وبين والي الفرات أبي أنس السامرائي عدة خلافات كوني كنت أكتب تقارير عنهم وأبعثها إلى اللجنة المفوضة وهذه التقارير كانت تتعلق بممارسة أبو انس للواط مع جنود في ولايته فضلا عن السرقة والاعتقالات العشوائية”.
وأكد أن “الخليفة أبا بكر البغدادي بعث لي بهدية خاصة وهي رسالة تتضمن تسميتي من قبله بأبي رقية الأنصاري فضلا عن مبلغ مالي”.
وكشف الجمل عن مصادر تمويل تنظيم داعش، حيث أفاد بأن هناك “مصادر خارجية أي أموال تأتي من عدة دول ومصادر داخلية مثل بيع النفط لتجار ومهربين وجباية الضرائب وخصوصا من المزارعين وأصحاب الأموال والتجار فضلا عن المتاجرة بالزئبق والآثار التي تم تهريبها”.
“انقسامات وتخبط”
وبخصوص انشقاقات التنظيم، قال الجمل إن “التنظيم تلقى الضربات الموجعة وفقد السيطرة على جميع مناطقه باستثناء مناطق صغيرة في سوريا وهي الهجين وأبو الحسن والشعفة والسوسة وأن أغلب من تبقى من عناصر التنظيم متواجدة هناك”.
وأكد أن “عناصر التنظيم فقدت الإرادة على القتال وهم يعيشون حالة من التخبط والانقسامات والصراعات الداخلية لذلك فقد هرب الكثير منهم”.
“أبو عبد الحق”
ونشر القضاء العراقي، اعترافات أدلى بها عصام الزوبعي المكنى بـ”أبي عبد الحق” الشاب الذي لم يتجاوز عمره الخامسة عشرة يوم التحق بالتنظيم في عام 2007، ويتحدر من قضاء الفلوجة في محافظة الأنبار غرب العراق.
ولم يكمل الزوبعي الدراسة المتوسطة، لكنه ينتمي لعائلة هو الأخ الثاني فيها، وكان الأول أكبر أسباب انتمائه للتنظيم وبعده أخوان وثلاث أخوات.
وبحسب ما أكدته محكمة التحقيق وجهاز المخابرات، فإن “عصام” ليس فردا أو جنديا عاديا في التنظيم، حيث أنه رغم صغر سنه يعد أبرز قادة التنظيم العسكريين، وألقي القبض عليه في عام 2009 لمشاركته في عملية استهداف القوات الأمنية في قضاء سامراء بمحافظة صلاح الدين وتم الحكم عليه بالسجن لسبع سنوات أتمها في العام 2014 بالإفراج المشروط.
انضمامه لتنظيم داعش
وبمجرد خروجه من السجن عاد ليلتحق بالتنظيم ليتبوأ مراكز عسكرية قيادية في التنظيم، وشغل منصب وال عسكري على قضائي راوة وعنه.
وتحدث عصام الزوبعي “أبو عبد الحق” أن “السجن كان مرحلة مهمة في عمله بالتنظيم، فلولاه لم أتقن اللغة العربية الفصحى مثلا والتي ساعدتني بشكل كبير في المرحلة التي تلت خروجي من السجن”.
ولم ينقطع عصام عن قيادات التنظيم طيلة مكوثه في السجن “كنا نتواصل وننسق”، هكذا علق على التواصل في هذه المرحلة، ولذا وبمجرد خروجه تم تأمين انتقاله إلى قضاء الحويجة بمحافظة كركوك بسبب صعوبة إيصاله إلى قضاء الفلوجة ومن هناك وصل إلى غرب محافظة الأنبار، وعمل بسبب التوصية التي كان يحملها من قيادات في التنظيم كان يرافقهم داخل السجن مرافقا لما يسمى بوالي الفرات المعروف بأبي أنس الفراتي.
وقضى “عصام الزوبعي” مع أبي أنس شهرا ونصف الشهر مرافقا إياه أثناء عمله الذي وصفه بأنه “مهلك” حيث كان يتابع عن قرب كل ما يسمونه بالقواطع والولايات وسبل تأمين الموارد المالية واللوجستية والسلاح من الجهات المختلفة، ثم أستأذن الزوبعي أبا أنس أن يضعه في العمل الذي سيحدث فيه فرقا وهو القتال.
“آني أبن جول (صحراء)”، هكذا قال لأبي أنس ليبرر له تركه لرفقته ويطلب الفرصة ليثبت جدارته وبعد إلحاح استطاع أن ينتزع من أبي أنس دورا عسكريا، تمثل بتشكيل جماعة من أحد عشر فردا كان قد جمعهم بنفسه أثناء تجواله ووعدهم بتشكيل قوة هكذا وصفها لهم “نقلب بها الدنيا”.
لم يطلق على مجموعته اسما لأنه “ليس مهما” هكذا يرى – أبو عبد الحق- بل المهم هو “العمل والنتائج” ورغم أنه نفى خضوعه لتدريبات عسكرية استثنائية إلا أنه استطاع أن يبلغ مواقع متقدمة داخل التنظيم ويحظى بثقة أكبر القيادات فقط لما أسماه “الإنجازات العسكرية التي حققها”.
الإنجازات هي العمليات التي استطاع “أبو عبد الحق” ومن معه في إيقاع أكبر عدد من القتلى بصفوف السيطرات الأمنية (نقطة تفتيش) أو استهداف مقرات عسكرية وكذلك التصدي لتقدم القوات في أكثر مدينة كان التنظيم يسيطر عليها التنظيم في الأنبار وصلاح الدين ونينوى.
ولم تكن للزوبعي أماكن محددة للقتال: “كنت أبحث عن أصعب المعارك وأخوضها” ورغم أن أكبر العمليات التي قام بها في الأنبار وتحديدا في غرب المدينة وعيّن كأمير عسكري لقضاء راوة وعنه، إلا أنه وبسبب الخلافات الكبيرة التي نشبت بينه وبين مسؤوله المباشر أبي أنس كان يتواصل مع قيادات يسميهم بـ”المركزية” أي الذين يشرفون على شؤون التنظيم في كل مكان.
خلافاته مع “أبي أنس”
وأوضح أنه من أجل نيل ثقتهم كان يتعمد أن يطلب خوض عمليات خاسرة، وهذا ما حصل في أكثر من مرة ورغم تعرضه لإصابات بليغة إلا أن طموحه بانتزاع ولاية الفرات من أبي أنس والحصول على مواقع أكبر في التنظيم تدفعه لجر من معه إلى الانتحار “نعم كنت أريد الإطاحة بأبي أنس فأنا أولى منه بالولاية”.
وأشار إلى أنه ليس شعوره بأنه أولى من أبي أنس بزعامة التنظيم في الأنبار هو ما دفعه للدخول بخلافات شديدة معه، تسببت لأكثر من مرة عمل كل منهم لاغتيال الآخر والوشاية به، بل لأن أبا أنس “كذاب فاسد ومحتال فساده تجاوز سرقة المال بل كان يملك عشرات النساء كزوجات”.
وبين الزوبعي أنه لم يكن أحد يجرؤ على قول ما يقوله “أبو عبد الحق” لأبي أنس، بل أنه استطاع معرفة ما لم يستطع أحد معرفته “رأيت فساده بعيني ولم أقبل أن أقاتل تحت إمرة فاسد مثله” لكن رغم كل ما فعله لم يستطع تحقيق هدفه “لأن أبا أنس كان لديه من يسنده في المركزية”.
ولا يتذكر “عصام الزوبعي” كم عملية شارك فيها أو كم هو عدد من قتلهم من المواطنين والقوات الأمنية “بالحقيقة لا أعرف كم هو العدد” لكنه يعطي أهمية للقوات التي سيواجهها قبل خوض أي معركة هجوم أو صد لها.
ولم يفسر “أبو عبد الحق” اندحار التنظيم أمام القوات العراقية بالأسباب العسكرية فقط، بل بالفساد المستشري داخل التنظيم والشعور لدى الكثير من قياداته مبكرا بأن زمن القتال خف وعمدوا إلى التنعم بما حصلوا عليه من ثروات.
وبحسب الاعترافات، فإن الزوبعي أنكر معرفته بمصادر التمويل والحصول على الأسلحة وعملية التجارة التي كان التنظيم يقوم بها- أنا مقاتل لا شأن لي بهذه المواضيع وكل ما أحتاجه كانوا يوفرونه لي- إذن كان مجد القتال هو أكبر أهدافه وهو أكبر أسباب نيله المواقع وقربه من القيادات المهمة في التنظيم.
يذكر أن جهاز المخابرات الوطني العراقي أعلن، في أيار/ مايو الماضي عن استدراج خمسة من قيادات تنظيم داعش من سوريا واعتقالهم في العراق.