مرايا – بينما تتسارع الخطى لوضع اللمسات الأخيرة على ملفات ما باتت تعرف بصفقة القرن، ووسط تصريحات مسؤولين أميركيين وإسرائيليين بأنها أصبحت في مراحلها الأخيرة، وفي حين تتهيأ جميع الأطراف لتسلم أدوارها من السيناريو المرسوم للصفقة؛ تطل السلطة الفلسطينية برأسها بحثا عن خياراتها للمواجهة في ظل التهميش الأميركي والإسرائيلي لها.
ما يشاع أن الصفقة التي وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقديمها لتكون “الحل الأمثل” للصراع العربي الإسرائيلي، أشرف على إعدادها طاقم أميركي ضم كلا من مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفد فريدمان، إضافة إلى المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وهم جميعا من عائلات يهودية، ومن أشهر مناصري المستوطنين واليمين الحاكم في إسرائيل.
وتطرح الصفقة ضم القدس كلها لإسرائيل، وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وضم المستوطنات بالضفة إلى دولة الاحتلال، والسماح بحكم ذاتي للفلسطينيين على الأجزاء المتبقية من الضفة، والسماح بكيان فلسطيني على غزة وأجزاء من شمال سيناء المصرية.
ونشرت صحيفة هآرتس نقلا عن مصادر إسرائيلية -لم تسمها- قولها إن وفدا أميركيا يسعى إلى إقناع دول عربية باستثمار مئات ملايين الدولارات في تنفيذ مشاريع تهدف إلى مساعدة قطاع غزة، ستقام في منطقة شمال سيناء المصرية.
وقالت إن هذه الفكرة ستطرح في اجتماعات يعقدها كوشنر وغرينبلات خلال جولة مرتقبة لهما في الأيام القادمة إلى السعودية، ومصر، وقطر، والأردن، وإسرائيل.
تنفيذ الصفقة
إزاء كل هذه التحركات اكتفت السلطة الفلسطينية حتى الآن بالتعليق على المواقف؛ فهذا أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات يقر بأن الجولة المزمعة لكوشنر وغرينبلات في المنطقة تهدف إلى الإيحاء بأن هناك خطة أميركية، بينما تطبق الولايات المتحدة رؤيتها عمليا على الأرض باعتبارها القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، وتشريع قوانين في الكنيست لفرض القانون الإسرائيلي في المستوطنات.
وهو بذلك يرى أن هدف تلك الجهود هو “شطب المشروع الوطني الفلسطيني”، وأن المطلوب من الفلسطينيين الآن هو الاستسلام والقبول بتحويل قضيتهم من قضية سياسية إلى قضية إنسانية.
على غرار هذه التصريحات، اعتبر المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أن الحديث عن جولة أميركية جديدة في دول المنطقة لبحث ما تسمى صفقة القرن سيكون “مضيعة للوقت”، مؤكدا أن “مصيرها سيكون الفشل” إذا استمرت بتجاوز الشرعية الفلسطينية.
وقال أبو ردينة إن الجولة الأميركية التي بدأت للترويج لما تسمى صفقة القرن، والبحث عن أفكار مبهمة لفصل غزة تحت شعارات إنسانية مقابل التنازل عن القدس ومقدساتها، هي مساع لن تحقق شيئا.
وأضاف أن أي اتفاق يجب أن يلتزم بالشرعية العربية وقرارات مجلس الأمن الدولي، وأن يوافق عليه الشعب الفلسطيني ويوقع عليه الرئيس، وإلا سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار، ويدفع المنطقة نحو المجهول.
حصار غزة
مقابل ذلك، ترى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن السلطة تتماهى مع المواقف الأميركية والإسرائيلية في تمرير الصفقة من خلال زيادة الضغط على غزة وتشديد حصارها، في الوقت الذي لا تملك فيه خيارات حقيقية لوقف الأجندات المتعلقة بوضع الضفة في الصفقة.
كما يرى متابعون أنّ السلطة تستعمل ورقة صفقة القرن كفزاعة في التجاذبات الداخلية في الساحة الفلسطينية، خاصة في تبرير سياستها المتشددة نحو قطاع غزة، ومحاولة تصوير أي محاولة لتخفيف الحصار عن الغزيين بأنه ضمن تحركات صفقة القرن.
وهذا يشير بحد ذاته إلى الافتراق بين الخطاب والممارسة لدى السلطة، وإلى تبديد فرصة تصليب الجبهة الداخلية لمواجهة الصفقة.
وتحدث مصدر في الحركة للجزيرة نت وقال إن الصفقة في طور التنفيذ الفعلي في الضفة من خلال الاعتراف الإسرائيلي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة إليها، ومن خلال التشريعات الإسرائيلية الساعية إلى ضم الكتل الاستيطانية، وإزاء ذلك فإن السلطة لم تتخذ أي إجراء عملي، وكل ما يمكنها القيام به هو فقط البحث عن موقع لها في هذا الخضم.
لا صدام
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي حسام شاكر أن لدى السلطة الفلسطينية طائفة من خيارات الضغط والتحرّك في مواجهة فرض “صفقة القرن” على حساب القضية الفلسطينية، إلا أنها ستحرص على الأرجح، ضمن تقاليدها القائمة، على التحرك بخيارات غير تصادمية.
وقال شاكر الذي تحدث للجزيرة نت من العاصمة النمساوية فيينا إن السلطة الفلسطينية أمام خيارين أساسيين: أولهما الممانعة الهادئة عن التجاوب مع الإملاءات المحسوبة على صفقة القرن، أي دون أن تلجأ إلى تسخين سياسي أو تصعيد لفظي لاعتراض تنزيل الصفقة في الواقع، أما الخيار الثاني فهو اللجوء إلى مواجهة الصفقة والاستعداد لاحتمال دفع أثمان ذلك وإن جاءت قاسية.
وأضاف يبدو أنّ السلطة تتعامل حتى الآن وفق الخيار الأول، لكن من المهم ملاحظة أنّ الصفقة المحتملة لها مسارات وملفات متعددة، وقد تتعامل السلطة بأشكال متعددة مع كل مسار وملف منها حسب تقديراتها وحسبتها.
وتكمن معضلة السلطة الفلسطينية في أنها مقيّدة بمحددات اتفاق أوسلو ومرتهنة لاشتراطات سياسية واقتصادية ومالية، بما في ذلك وقوعها في مرمى التأثير الأميركي والإسرائيلي المباشر عليها، زيادة على أنها عرضة لضغوط إقليمية عربية محتملة.
السلطة تبحث عن دورها في الضفة في حال تنفيذ بنود الصفقة (الأوروبية)
مشروع السلطة
وهنا يبرز سؤال يتعلق بجدوى الاستقواء بمواقف إقليمية ودولية في مواجهة الصفقة، ومحاولة التحصّن بمنظمات دولية، مثل انتزاع قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما حدث بعد قرار ترامب بشأن القدس، لكنّ ترجمة ذلك عملياً في الواقع السياسي قد يبقى محدودا.
ويرى شاكر أن المسألة الأبعد لا تتعلّق بمواجهة الصفقة؛ بل بمآل مشروع السلطة الفلسطينية ذاته، خاصة مع انهيار مشروع الدولتين، فحتى لو تمّ كبح الصفقة فإنّ خيارات السلطة السياسية وفق المسار الذي قامت عليه تبدو عاجزة عن تحقيق وعودها في الدولة والاستقلال، ودون تعديل جذري للنهج لن تستطيع السلطة إخراج القضية الفلسطينية من المأزق الراهن.
ويقول إن لم تكن السلطة جاهزة لقلب الطاولة -مثلا بالاستقالة الجماعية لقياداتها التي لا تبدو متوقعة الآن، بديلا عن حل السلطة- فإنّ عليها أن تواجه مخاطر استدراجها إلى أدوار وظيفية تمليها الصفقة، ولو في مرحلة ما بعد محمود عباس.
وربما تجد السلطة دورها في التسخين الناعم بحشد قواها مع أطراف يُحسَب أنها ستتضرّر من فرض صفقة القرن المفترضة، كما ستجد الرسمية الفلسطينية في تسخين الحالة الجماهيرية الفلسطينية خياراً في عرقلة الصفقة إن تقرّر فرضها عليها، لكن حتى هذه لا تبدو متوقعة في ظل السلوك القمعي الذي جرى في رام الله لمظاهرات رفض العقوبات على غزة. “الجزيرة”