مرايا – قال المدير التنفيذي للصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى، الدكتور وصفي الكيلاني، ان قرار لجنة التراث العالمي التابعة “لليونسكو” في الدورة 42، في العاصمة البحرينية المنامة، بأن بلدة القدس القديمة وأسوارها ضمن قائمة مواقع التراث العالـمي المُهددة بالخطر. قرار في غاية الأهمية، لأنه اتخذ بالاجماع بدون تصويت ونقاش، ولم تعارضه دولة واحدة من 21 دولة عضو، تمثل كل دول العالم داخل لجنة التراث العالمي، وبحضور الطرف الأمريكي والإسرائيلي كمراقبين، وأيضا بحضور الطرف الأردني والفلسطيني كمراقبين، مما جعل القرار ذو أهمية عالية جدا .
وأشار في حديث لبرنامج “عين على القدس” الذي بثه التلفزيون الأردني مساء أمس الإثنين، الى أثر الحشد الدبلوماسي الصلب الذي بذله جلالة الملك، والذي أكد الثوابت الأردنية بشأن قضية القدس والمسجد الأقصى تحديدا، الذي هو خط أحمر ولا يقبل التفاوض ولا التقسيم ولا الشراكة، وترفض أي تراجع عن القرارات التي اتخذت في الأمم المتحدة، وبالذات في منظمة اليونسكو، التي ينطوي على قرارها الأخير فحوى ذا تفاصيل هامة جدا، لأنه في الفترات السابقة كانت تصدر قرارات إدانة عمومية الشكل.
وتابع، لكن في الفترة من العام 2010 الى الآن، كان يوجد هناك عملية بناء للوصول الى هذا القرار، الذي جاء ليحمل 14 قرارا للمجلس التنفيذي اتخذت في اليونسكو، وثمانية قرارات للجنة التراث العالمي غير هذا القرار الحالي، وكل مضامينها اعتمدت من لجنة التراث الحالية، ولجنة التراث العالمي هي أعلى هيئة عالمية للحفاظ على تراث المدينة المقدسة وكل التراث العالمي.
وأوضح، أنه ما في هذا القرار من حيث المحتوى، أنه حافظ على المرجعيات القانونية التي تعتبر المدينة محتلة، وكل اجراء اتخذ من قبل سلطات الاحتلال منذ عام 1967، يعتبرا لاغيا وباطلا ويجب التراجع عنه، بما في ذلك القانون الأساس الذي صدر عن الكنيست الاسرائيلي، ويعتبر مدينة القدس عاصمة دولة اسرائيل الموحدة، وهذا القرار أيضا يعتبر لاغيا، وكل الإجراءات والانتهاكات التي اتخذت على أساسه تعتبر لاغية . كما أن للقرار أهمية أخرى من حيث أنه يعتبر القرار الأول الذي اتخذ على هذا النحو وعلى هذا المستوى، بعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى مدينة القدس .
وأشار الى الاستنتاجات ذات الأهمية الكبيرة داخل هذه القرارات، التي اعتبرت أن القصور الأموية ملك للأوقاف الإسلامية، ويجب على اسرائيل وقف التدخل فيها، ونزع كل الإجراءات والتغييرات التي أقيمت فيها، كما أكد القرار على قرارات سابقة وهي أن المسجد الأقصى هو كامل الحرم القدسي الشريف بخلاف ما تريده اسرائيل، بأنه المساجد المسقوفة او غير ذلك .
كما تم اعتماد ثلاثة قرارات سابقة للتراث العالمي والمجلس التنفيذي بخصوص باب الرحمة المستهدف، أكدت أن باب الرحمة جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، الذي هو مكان عبادة خالص للمسلمين وحدهم، وأيضا أكد أن حائط البراق الشريف جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، وكذلك تلة المغاربة وطريق المغاربة، كلها ملك اسلامي بغض النظر عن مستوى الانتهاكات التي تدرجت ووصلت إليها.
وأكد الكيلاني أن هذا القرار فيه أهمية قانونية، وفيه مطالب إجرائية لاسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال، للتراجع عن الحفريات والأنفاق المحيطة بالبلدة القديمة وأسوارها بخلاف ما أشيع وأرادت اسرائيل أن تحقق من هذه الدورة، وهو سحب هذه القرارات، او أن تسحب نفسها من اليونسكو.
وحول المقصود من هذا التراث مهدد بالمخاطر، أوضح الكيلاني أن القصد الأهم أن اسرائيل تقدم كل سنة تقارير لليونسكو مثلما يقدم الأردن تقارير لليونسكو، اسمها حالة الحفاظ على البلدة القديمة، مشيرا الى أن الأردن وفلسطين يقدمون تقارير سنوية يقترب بعضها من مائة صفحة، تبين الانتهاكات الاسرائيلية، في حين اسرائيل تقدم نفس الانتهاكات على أنها عملية حفاظ على التراث، وأنها عملية بناء وتنمية للحفاظ على تراث القدس القديمة.
وأشار الى أن ابقاء القدس على لائحة التراث المهدد بالخطر، يعني أن هذه مخاطر وتغيير لتراث القدس، وليس فقط داخل السور، إنما داخل السور وخارجه، وأسوارها تعني داخل البلدة القديمة ومحيط أسوارها أيضا، كما أن القرارات تتعرض أيضا لكل القدس الشرقية، وبعض أجزاء من التراث الإسلامي المسيحي في القدس الغربية، مما ينطوي عليه أهمية كبرى، وهو أن تراث القدس موحد كامل ومهدد بالخطر، بعكس الرواية التي جاء بها مفهوم الدولة العبرية التي تدعي الحفاظ على التراث، جاء اليونسكو ليقول بأن كل ذلك مخاطر وانتهاكات، ويمكن احصاء أكثر من 500 انتهاك في التقرير الذي اتخذ في المنامة، او اتخذ في قرارات قبلها.
ولفت الى أن تأثير اليونسكو محدود باتجاه وقف سياسة الإحتلال لتغيير الوضع القائم، مشيرا الى أن الدور المهم جدا هو في متابعة القرارات التي يحافظ اليونسكو على لغتها القانونية، وبالذات في مفهوم توصيف الوضع القائم، الذي تدور حوله المعركة الكبيرة، حيث أن اسرائيل تريد وضعا قائما ديناميكيا ومتغيرا كل عدة سنوات، فهي تعتبر أن قيام المستوطنين بدخول المسجد الأقصى والصلاة فيه، جزءا من الوضع القائم المتغير، بينما نعتبرها نحن انتهاكا لحرمة المسجد الأقصى.
كما أن الدور ذو الأهمية الكبيرة لليونسكو، هو أنها جزء من الأمم المتحدة، وعندما تناقش الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن يناقش قضية من قضايا القدس، فإنهما يعودان الى قرارات اليونسكو وتقاريرها ولغتها وتوصيفاتها، وبالتالي منظمة دولية أكبر تعتمد على إحدى فروعها التي هي اليونسكو، مثل القرار الأخير 2334، الذي وصف الوضع القائم في مدينة القدس الشرقية على أنها مدينة محتلة، جرى عليها انتهاكات غيرت معالمها داخل السور وخارجه، و هذه جميعها باطلة ويجب إزالتها .
وتابع، الأهم إذن هو المحفز، لأن كل دول العالم الأعضاء في الأمم المتحدة، تقرأ التقارير التي ترفع من الأردن وفلسطين ومن الأوقاف الإسلامية ومن كنائس القدس، التي تذهب الى اليونسكو وتسلط الضوء على انتهاكات اسرائيل، وبالتالي تشكل حالة تفاعل من الفاتيكان والدول الأوروبية وروسيا ودول أميريكا اللاتينية، وكذلك الدول الاسلامية، لأن جميعها لها مقدسات وكنائس تعنيها، مما يشكل ردود أفعال عالمية مشتركة، أهم ما فيها تحجيم محاولات اسرائيل لتغيير التوصيف اللغوي والقانوني لحالة تراث المدينة المقدسة.
ونوه الى أنه لو لم يكن هناك قرارات لليونسكو، لكانت دول العالم غائبة بخصوص ما يجري حفريات وتغييرات، وتدريجيا تصبح الدول تقع في أخطاء في تسمية الأشياء وفق اللغة الإسرائيلية ومصطلحاتها، مما يجعل اليونسكو تشكل رادعا لذلك في المحافل الدولية، ورغم أن اليونسكو غير مؤثرة على الأرض، الا أنها مؤثرة في المحافل الدولية، ومهمة جدا للمناهج والجامعات والمدارس والإعلام العالمي الذي يهتم بما يحدث، ويستطيع التمييز بين اللغة الأصيلة، واللغة المزيفة الدخيلة.
من جانبه قال مدير أكاديمية الأقصى للعلوم الإنسانية الدكتور ناجح بكيرات، ان القدس ذات فرادة عالمية من حيث أنها خزانة التاريخ، وأن الممتلكات الثقافية والحضارية فيها هي إرث انساني عالمي، وبالتالي أي قرار بشأن القدس ليس كأي قرار بغير القدس او أي مكان، له انعكساته العالمية ، وله أيضا انعكساته الداخلية .
وأعرب عن اعتقاده أن هذا القرار أثّر على مدينة القدس زمانا ومكانا وإنسانا، لأن الزمان الاسرائيلي نلاحظ أن اسرائيل تحاول فيه أن تجيّش زمانا متصهينا متحالفا مع الولايات المتحدة كي يقدم رواية مزيفة ومزورة، تأخذ من البلطجة الإسرائيلية الموجودة، وبمحاولة مؤازرة أمريكية لتخويف الدول على أن لا تقتنع بالحقيقة، مشيرا الى أن يخرج في هذا الزمان بالذات من يقول بأن القدس بكل ما فيها عربي، وأنها مهددة بكل ممتلكاتها، يدعونا لاستكشاف أن الحقائق بدأت تنتصر يوما بعد يوم .
وتابع، إنسانا أيضا يريد الإحتلال أن يحتل إنسانها ويصادره، وأن يجعل هناك عملية احلال للذين احتلوا المدينة التي يريدون تغيير طابعها الديمغرافي، مشيرا الى أن ثبات الإنسان المقدسي أعطى هذا القرار زمنا حقيقيا للحقائق، وأعطى تأكيدا لوجود الإنسان المقدسي الأصيل، والذي ليس هو بدخيل، وبالتالي ثبته في مكانه.
وبخصوص المكان، أوضح بكيرات أهمية المكان، لأنه بدون المكان لا يمكن أن نترجم واقعا فيه القداسة التي تضم 2 مليار مسلم و 2 مليار مسيحي، لتأتي حفنة بسيطة جدا تريد أن تغير هذا المكان وقداسته وكل ما فيه، معربا عن اعتقاده أنه آن الأوان أن ندرك بعد نصف قرن من احتلال المدينة، أن ما تظنه دولة الإحتلال في سعيها كل عام الى الغاء قرار أن القدس على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، وأنها تقول أنها ليست مهددة بالخطر، فجاء هذا القرار مدميا لها .
وأشار الى أن الاحتلال الجاثم على القدس يريد أن يغير كل شيء في المدينة، ويريد أن يهود الإنسان والمكان وحتى الزمان يريد أن يجعله يهوديا، من خلال تقديم رويات يهودية تضرب العقول وتحاول ترويض العقول وتغييب الإنسان والفكر، لافتا الى أن هذا الواقع يوجب علينا أن ندرك أن هناك حرب مشتركة، وليست فقط حرب أمنية و سياسية، بل هناك حرب نفسية أيضا تشنها الأذرع الأمنية الاسرائيلية، التي تقول للمقدسيين عليكم أن ترحلوا لأن هذا المكان أصبح مكاننا .
وأعرب عن اعتقاده بأنه اذا تم تشخيص الحالة المرضية الإحتلالية، وأنها حالة كسوف وليست غروب، وأن الإحتلال الى زوال بعدما أفلس عالميا، معنى ذلك أننا بدأنا نشعر أن هذه الحالة المرضية بدأنا نتشافى ونتعافى منها، ونزداد تجذرا في القدس التي ستبقى عربية اسلامية خالصة .
من جهته قال مدير عام أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى الشيخ عزام الخطيب، ان تثبيت الواقع الديني والتاريخي لمدينة القدس وللمسجد الأقصى المبارك، هو هم أساسي للمملكة الأردنية الهاشمية بتوجيه من جلالة الملك.
وتابع، أن ما حدث في البحرين وفي هذا المؤتمر الدولي الذي يتعلق بلجنة التراث العالمي، وإصدار قرارات وتثبيت هذه القرارات التي كانت صادرة سابقا فيما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى ومحيطه، والأملاك الوقفية أيضا بأنها وقف اسلامي صحيح، وبأن المسجد الأقصى هو الحرم الشريف ملك للمسلمين وحدهم لا يقبل القسمة ولا الشراكة، يشكل قرارات واضحة وضوح الشمس بأنها تنبع من مؤسسة دولية ضد كل من يدعي بغير ذلك .
بدوره قال رئيس الهيئة الاسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري، ان اسرائيل تزيف الحقائق وأن العالم قد كشف حقيقتها، بأن أعمالها وأقوالها هي زور وبهتان، وأنها ليست قائمة على حقائق وأن العالم لا يعترف الا بالواقع والتاريخ، وأنها سلطة محتلة ولا يحق لها أن تحكم هذه البلاد، فهي سلطة لا بد أن تلتزم بالقرارات الدولية وأن تنسحب من الأراضي الفلسطينية .
من جانبه أشاد مفتي الديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، بهذا القرار الذي لم يأت الا نتيجة الجهود الموحدة والمشتركة التي أظهرت النشاط الأردني الفلسطيني في هذا الموقف، كموقف واحد موحد، بحيث شكل الفريقان فريقا واحدا في هذه القضية، مما أثر على كل الأعضاء الذين اقتنعوا بوجهة النظر الأردنية الفلسطينية الملتحمة بموقفها الواحد، فصدر هذا القرار لصالح القدس ولصالح الخليل .
كما قوبل قرار اليونسكو بالترحيب من الشارع المقدسي، الذي يتطلع بأن يساهم هذا القرار بالحفاظ على ما تبقى من تراث المدينة المقدسة .
من جانبها قالت مديرة تحرير الشؤون الفلسطينية في جريدة الغد، الدكتورة ناديا سعد الدين، ان صدور هذا القرار الأممي الذي صدر بالإجماع وبدون تصويت في التوقيت بالتحديد، يؤكد على الرفض العربي الاسلامي والدولي، للقرار الأمريكي الأخير، ويؤكد على حالة الإجماع الدولي على أن القدس المحتلة هي عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة وفق حدود عام 1967 .
وأشارت في حديث لتقرير “القدس في عيون الأردنيين” الى أن الأجندة الأممية حافلة بالقرارات الأممية المشابهة التي تصب في صالح القدس المحتلة، ولكن الأهمية الأكبر تكمن في ضرورة وضع آليات مناسبة لتنفيذها، وهنا يأتي هذا الأمر على عاتق الأمة العربية الاسلامية بضرورة تقديم الدعم المالي المناسب للقدس المحتلة ، التي يكاد الأردن الدولة الوحيدة في السنوات الأخيرة، التي تقف في معركة المواجهة مع الإحتلال فيما يتعلق بدعم القدس المحتلة والحفاظ عليها .
بدوره قال سكرتير تحرير في جريدة الغد موفق كمال، ان هذا القرار جاء في الوقت المناسب نظرا للظروف السياسية التي تمر بها القدس، وجاء بعد قرار البيت الأبيض بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس .
وأضاف أن منظمة دولية بحجم اليونسكو عندما تقرر أن ما داخل الأسوار هو محيط المسجد الأقصى، وهو أراض اسلامية بما فيها البراق وباب الرحمة، مؤكدا على أن القدس يجب أن تبقى عربية اسلامية تحت الوصاية الهاشمية، لأنه خلاف ذلك سيسهل تهويد القدس وإزالة هويتها العربية الأسلامية اذا ما استسلمنا لإجراءات الاحتلال وسياساته .
وقال وزير الخارجية الأسبق الدكتور كامل أبو جابر، أنه يحترم ويقدر كل قرارات اليونسكو، متسائلا هل هذه القرارات تؤثر على نتنياهو وحكومته، وهل تستطيع إلزامهم بتغيير مخططاتهم، مشيرا الى أن كأمة طوال تاريخنا نلتزم بالقانون الدولي، لكن يوجد هناك فرق بين السياسة وبين القانون .
وأعرب أبو جابر عن اعتقاده بأن الدبلوماسية الأردنية كانت ولا زالت منذ الخمسينيات من القرن الماضي، معجزة من معجزات الأردن، مشيرا الى أن المعجزة تبدأ من جلالة الملك نفسه الذي هو دائما يتحدث باسم الأردن .