مرايا – كل مرة كنت أحكي فيها شو صار، كنت أشعر بنفس الغصة، لو كنت بقدر أتراجع عن الشكوى كان عملت هيك”، كلمات قالتها جنى (اسم مستعار) لمحاميتها بعد أن خضعت لسلسلة اجراءات قامت خلالها بالإدلاء بأقوالها في قضية اعتداء جنسي تعرضت له.
“المشكلة أنه الحكي لازم يكون فيه تفاصيل، قدام الشرطة تفاصيل، المدعي العام كمان، وبعدين المحكمة غير عن الطب الشرعي، كنت أشعر بخجل كبير، توتر وقلق وكمان كنت كمان أخربط وأنسى كتير”، تضيف جنى، البالغة من العمر 15 عاما.
رغم الأهمية البالغة لشهادة الضحايا بقضايا الاعتداءات لجهة تحقيق العدالة والانصاف للضحايا، لكن تجربة تكرار سرد الأحداث من قبل الضحية الطفل يتسبب بتأثيرات نفسية عميقة، ذلك دفع الجهات المعنية للبحث عن بدائل بهدف تخفيف الضغط وإيجاد بيئة آمنة وصديقة للأطفال أثناء إجراءات التحقيق والتقاضي، وفقا لمديرة تطوير التشريعات بالمجلس الوطني لشؤون الأسرة نائلة الصرايرة.
وتبين الصرايرة انه لهذا الغرض نظم المجلس بالشراكة مع المجلس القضائي ومديرية الامن العام ورشة تدريبية الشهر الحالي حول تعزيز الضابطة العدلية بسماع شهادة الأطفال من خلال الإنابة القضائية، وذلك عبر تفعيل نص المادة 92 من قانون أصول المحاكمات الجزائية”.
وتنص المادة 92 على أنه “يجوز للمدعي العام أن ينيب أحد قضاة الصلح في منطقته أو مدعي عام آخر لإجراء معاملة من معاملات التحقيق في الأمكنة التابعة للقاضي المستناب وله أن ينيب أحد موظفي الضابطة العدلية لأي معاملة تحقيقية عدا استجواب المشتكى عليه”.
كما تنص على أنه “يتولى مستناب من قضاة الصلح أو موظفي الضابطة العدلية وظائف المدعي العام في الأمور المعنية بالاستنابة”.
وتوضح الصرايرة أنه وفقا لهذه المادة “سيتم العمل على تفعيل تقنية تسجيل الفيديو، بحيث يتم تسجيل شهادة الاطفال من قبل موظف ادارة حماية الاسرة المستناب من المدعي العام ليتم استخدام التسجيل من قبل المدعي العام، الأمر الذي يوفر على الطفل الضحية مسألة إعادة الإدلاء بشهادته”.
وتضيف: “بتفعيل تقنية تسجيل الفيديو سيتم التخفيف على الطفل”، موضحة “حاليا يتم سماع افادة الطفل الضحية من قبل الشرطة، المدعي العام والقاضي، أما بتفعيل هذه التقنية سيتم إدلاء الأقوال أمام الشرطة والقاضي فقط”.
ولفتت الصرايرة الى أنه “في حال شعر المدعي العام أن هناك حاجة لمزيد من الاستيضاحات والاسئلة يستطيع أن يطلب الضحية لسماع أقواله لغاية استكمال التحقيق”.
وتبين أن “أهمية سماع شهادة الأطفال من خلال الانابة القضائية تبرز لدورها الفاعل بتسهيل سماع شهادة الشهود والضحايا من الأطفال وتهيئة الظروف والاجواء المناسبة وزيادة الامكانات المتاحة لتحقيق العدالة واعادة الحقوق لاصحابها وتعزيز أطر التنسيق والشراكة بين الشركاء بتفعيل استخدام تقنية الربط التلفزيوني المغلق في دوائر الشرطة والادعاء العام”.
وتلفت الصرايرة الى أن “تفعيل تقنية الفيديو ينسجم كذلك مع المادة 12 من قانون الحماية من العنف الأسري الجديد”، لافتة الى ان ذلك يأتي في اطارة مواءمة وتفعيل الاجراءات التي أوردها قانون الحماية الجديد، والسعي كذلك لمأسسة العمل المشترك على المستوى الوطني بمجال حماية الأسرة وأفرادها .
وتنص المادة 12 من القانون على أن “على المدعي العام أو المحكمة المختصة إذا اقتضت الضرورة استخدام التقنية الحديثة إن وجدت وذلك حماية للمجني عليه الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره أو الشاهد الحدث في إجراءات سماع الشهود والمناقشة والمواجهة على أن تمكن هذه الوسائل أي خصم من مناقشة الحدث أو الشاهد أثناء المحاكمة”.
وفي ورقة خلال ورشة التدريب عرض مدير ادارة حماية الأسرة العقيد فخري القطارنة لتجربة الأردن في المقابلات المصورة، وشدد على أهمية الشهادة الجنائية للأطفال.
وقال “الشهادة الجنائية للأطفال لها دور خطير في التأثير على سير العدالة لانها تقوم أساسا على عوامل سيكولوجية بحتة مثل إدراك وقائع الجريمة وتخزينها في الذاكرة ثم استرجاعها”.
وتابع: “في الجرائم المرتكبة ضد الأطفال غالبا ما يكون للمعلومات التي يتم الحصول عليها في أعقاب مقابلة الطفل المجني عليه بطريقة محترفة أهمية كبرى بالعثور على الأدلة في غالبية التحقيقات”.
ولفت الى أنه “في غالبية القوانين تؤخذ شهادة الأطفال في سن معينة على سبيل الاستدلال فقط، بمعني أنها لا تكفي بمفردها لإثبات الاتهام، وإنما يجب أن تدعم بأدلة أخرى”.
وزاد “على المحقق أن لا يهمل سماع شهادة الطفل نفسه، وأن يأخذها بحذر محاولا قدر الامكان تخليصها مما قد يشوبها من مبالغة أو تهويل وأن يربطها بوقائع مادية تؤيد صحتها وواقعتها”.
وفي ورقة قدمها الدكتور في علم النفس عاطف الشواشرة تعرض الى التأثيرات النفسية والاجتماعية للمقابلات التلفزيونية المسجلة للاطفال المساء اليهم.
وبين أن “استخدام هذه التقنية يساهم بتجنب تخزين الخبرة الصادمة بالذاكرة طويلة المدى، وتجنب الشعور بتدني تقدير الذات وهدر الكرامة أمام الآخرين وتجنب الإطالة ببعض الاضطرابات مثل القلق النفسي والرهاب الاجتماعي”.
ولفت الى أن هذه التقنية “تساهم كذلك في تجنب مسألة النسيان بفعل عامل الوقت والملل الناتج عن الإعادة والتكرار”.
من جانبه أيد القاضي أشرف العبدالله، في ورقة قدمت بالورشة، فكرة الإنابة الخطية لرجال الضابطة العدلية للاستماع لشهادات الأطفال بواسطة التقنية الحديثة وذلك للاستغناء عن مرحلة التحقيق الأولي والاستعاضة عنها بمرحلة التحقيق الابتدائي والتي من الممكن ممارستها من قبل رجال الضابطة العدلية. كما أنه يمكن للمدعي العام أيضا القيام بالاستماع لشهادة الطفل بشكل مباشر ودون الحاجة لأقوال أولية أمام رجال الضابطة العدلية.
ولفت العبدالله الى التعديل الأخير على قانون أصول المحاكمات الجزائية بجعل الاستماع لشهادات الاطفال بواسطة التقنية الحديثة جوازيا للمدعي العام وللمحكمة، ووجوبيا اذا كان الطفل معتدى عليه بجرائم الاعتداء على العرض.
واعتبر ان “غاية المشرع من استخدام التقنية الحديثة في الاستماع لشهادات الاطفال هو حمايتهم وذلك من الناحية الجسدية والنفسية ويبقى الطفل بمنأى على الشعور بالتهديد ممن يشهد ضده وبإبعاد الطفل عن مواجهة المعتدي خصوصا في قضايا الاعتداءات الجنسية، كذلك عدم إرهاق الطفل في تكليفه بإعادة تفاصيل الاعتداء الذي تم عليه لعدة مرات أمام جهات متعددة”.الغد