مرايا – كشف الأمير زيد رعد الحسين مفوض حقوق الإنسان بالامم المتحدة، سبب عدم سعيه لولاية ثانية.
وقال الأميرإنه لم يسع لولاية ثانية بعد أن ثبت له عدم تمتعه بدعم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بسبب تصريحاته بشأن الأوضاع في دول منها سوريا و اليمن.
وفي آخر حوار باللغة العربية قبل انتهاء ولايته في الحادي والثلاثين من أغسطس/آب، قال زيد إنه تعرض للكثير من الضغوط من كل الدول، لكنه شعر دائما أن ضغوط ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أقوى وأشد.
وأضاف زيد رعد الحسين أنه خسر أصدقاء مقربين بسبب عمله في مجال حقوق الإنسان ولكنه أكد أن ضميره مرتاح.
التفاصيل في حوار أجرته ريم أباظة مع المفوض السامي زيد رعد الحسين.
– شارفت ولايتك على الانتهاء، لماذا لم تبد رغبة في تولي فترة ثانية؟
زيد رعد الحسين: من خلال التواصل مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ثبت لي صعوبة الحصول على دعم هذه الدول بسبب التقارير التي وردت على لساني أو أصدرتها المفوضية، فيما يتعلق بهذه الدول أو ممارساتها، مثلا في اليمن أو في سوريا. لاحظت من خلال الحديث مع المسؤولين، صعوبة الحصول على هذا الدعم. لو كانت عندي رغبة طبعا، وفي ضوء دعم واضح من قبل الدول الخمس، من المحتمل أنني كنت سأستمر في هذه الوظيفة.
– هل تعرضت لضغوط خلال فترة ولايتك؟
زيد رعد الحسين: نعم.
– من أي جهة؟
زيد رعد الحسين: كافة الدول. عمل المفوضية يتكون من ثلاثة محاور: توفير الدعم التقني من خلال توفير الدورات التدريبية، ولا سيما ما يتعلق بالكوادر الأمنية وإدارة السجون وآخره. هناك أيضا جمع المعلومات ورصد الانتهاكات. المحور الثالث هو الإعلان عن الانتهاكات. يقول البعض إن زيد يمارس الانتقائية. طبعا هذا غير صحيح. منذ تولي هذه المهمة الصعبة، مارست مهامي دون أي انتقائية أو تمييز ضد أي دولة. بالتالي عندما نتدخل في هذه الأمور، يكون هناك مس بمسألة السيادة. ومن خلال السيادة، مسألة شرعية الحكومة وشرعية الدولة، فطبعا كانت هناك حساسيات واضحة، والردود كانت في غالبية الأحيان قوية جدا. لكن الضغط الأكبر يأتي من الضحايا والمجتمع المدني ومن تعرضوا إلى التعذيب والانتهاكات الجسيمة.
– حدثني عن لقائك بالضحايا، سواء في المنطقة العربية أو خارجها، وكيف ألهمك ذلك بمواصلة عملك؟
زيد رعد الحسين: ليس سهلا أن أصف صعوبة الاستماع لمشاعر الضحايا. كل أسبوع أو اثنين، نستضيف أسر الضحايا في جنيف. الأمر صعب لأن القصص مؤلمة جدا. وخاصة الجرائم التي ارتكبت على أيدي الأطراف المسؤولية وغيرها في سوريا على سبيل المثال. صعب أن يتخيل الإنسان كيف يفعل مرتكبو هذه الجرائم ذلك. أين الضمير؟ وكأنهم فقدوا المسؤولية والضمير.
– كل الانتهاكات صعبة، ولكن ما أكثر الانتهاكات التي صدمتك؟
زيد رعد الحسين: أتصور الانتهاكات التي وقعت في سوريا، بالإضافة إلى الانتهاكات التي ما زالت ترتكب بحق الروهينجا في ولاية راخين والتي كانت من أشد الانتهاكات التي شهدناها خلال الفترة الماضية.
– في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ما أكثر أوضاع حقوق الإنسان التي تقلقك الآن وتخشى تدهورها في المستقبل القريب؟
زيد رعد الحسين: أولا يجب علينا أن نعترف أن هناك تقدما قد حقق في العالم العربي، عندما نتحدث عن حقوق المرأة أو حقوق الطفل نجد أن هناك تقدما واضحا بشكل عام. لكن مثل ما ذكرتِ هناك بعض الدول الوضع بها مزر للغاية. طبعا ما زلنا نراقب الوضع في سوريا، التي تردنا يوميا معلومات بشأنها. بالإضافة إلى الوضع في قطاع غزة، فهو وضع مؤلم للغاية. تحدثنا مرارا وتكرارا عن الأوضاع الصعبة جدا هناك. طبعا الوضع في اليمن يثير القلق. هناك تقرير سيعرض على مجلس حقوق الإنسان بعد أسابيع، من قبل فريق خبراء دوليين قاموا بمراجعة جميع الحالات. سننتظر نتائج هذا التقرير، وبناء عليه سنرفع توصيات إلى مجلس حقوق الإنسان.
– نبتعد قليلا عن التحديات، ونتحدث عن الإنجازات. ما هي الإنجازات، على مستوى المنطقة العربية أو العالم، التي تعتقد أنك ساهمت في تحقيقها؟
زيد رعد الحسين: من خلال توفير البرامج التقنية. هناك انطباع بأن المفوضية توجه النقد ضد عدد كبير من الدول، هذا يحدث، ولكن في نفس الوقت هناك برامج تتعلق بتدريب بعض الكوادر، هناك برامج تتعلق بالجهاز القضائي. أنا شخصيا تواصلت مع عدد كبير من القضاة في العالم العربي. هناك أيضا حوار فيما يتعلق بالتشريعات العربية، واحتمال انضمام بعض الدول العربية لعدد من المعاهدات الحقوقية. عندما نتحدث عن بعض الدول، يسلط الضوء على الانتهاكات بشكل عام. لكن هناك جانب آخر، ونحن نعتز بحدوث تقدم، سواء تحدثنا عن الدول العربية أو غيرها.
– العالم يمر بفترة توصف بأنها صعبة للغاية وفريدة…
زيد رعد الحسين: نعم، هذا صحيح.
– هناك تحديات مثل الإرهاب، وغيره. هناك نزعة بين بعض القادة والمواطنين تميل نحو إيلاء الأولوية للأمن القومي ومحاربة الإرهاب على حساب حقوق الإنسان. ما قولك في هذا؟
زيد رعد الحسين: من واجب كل حكومة الدفاع عن أراضيها وشعبها. هذا واجب. ولكن لا يجوز تحقيق ذلك على حساب حقوق الإنسان لمواطني هذه الدول. أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا حول الوضع في مالي. تبين أن 70% من الشباب الذين انضموا إلى المجموعات المتطرفة في مالي، كانت التجاوزات المرتكبة من القوات الأمنية هي السبب في انضمامهم لتلك الجماعات. هنا المشكلة، عندما يتم اعتقال شخص بريء لا علاقة له بتنظيم إرهابي، لتصفية حسابات سياسية أو غيرها، فسيشعر هذا الشخص بالظلم. وماذا عن أسرته وعشيرته؟ عندما يعتقل شخص بريء، تدفع الحكومة ثمنا هائلا، ويمكن أن ينحاز عدد كبير من أسرته إلى المتطرفين.
أخبار الأمم المتحدة: عندما قلت إنك لا تتمتع بالدعم من الدول دائمي العضوية في مجلس الأمن، هل هذا يعني أن حقوق الإنسان تتراجع على المستوى العالمي، في الشرق والغرب، في الدول النامية أو المتقدمة؟
زيد رعد الحسين: نحن جزء لا يتجزأ من الأمم المتحدة، ولكننا أيضا طرف قيادي في الحركة العالمية لحقوق الإنسان. وقد حاولت أن أشرح للعديد من الدول أنه، بغض النظر عن حجم الدولة أو ما إذا كانت تتمتع بصفة خاصة أو غيره، كل هذا لا قيمة له عندي. نقوم بجمع المعلومات والتواصل مع المجتمعات المدنية، إن وجدت انتهاكات، فيتعين الإعلان عنها. طبعا على كل دولة التزامات حقوقية. في كل الدول هناك تقدم في بعض النقاط، وهناك انتكاسات، وانزلاق. إذا حقق تقدم، فإننا نمدحه. وإذا حدث تراجع، فإننا نلفت انتباه الدولة المعنية إلى الانتهاكات.
– هل فقدت أصدقاء بسبب عملك في مجال حقوق الإنسان؟
زيد رعد الحسين: بالتأكيد…بالتأكيد. لي صديق من أيام الطفولة، انتقل والده إلى رحمة الله. أرسلت له رسالة تعزية. لم يكن هناك أي تعاط معي للأسف. ولكن سأكون صريحا، ضميري مرتاح. لأن ما شهدناه وقرأناه وسمعناه على لسان الضحايا، لا يوجد هناك مجال للتلاعب مع هذه الأمور، وواجبي الرئيسي يتمثل في أكون ناطقا باسم الضحايا. وإذا انزعجت بعض الدول، فليكن. المهمة الرئيسية هي الدفاع عن حقوق هذه الفئات.
– ما خططك للمستقبل بعد 31 أغسطس آب 2018، عند انتهاء ولايتك؟
زيد رعد الحسين: أن أكون صحفيا (يقولها ضاحكا). في الواقع لقد انفصلت عن أهلي خلال الفترة الماضية، هم مقيمون في نيويورك، فيما كنت أقيم في جنيف. أهم شيء الآن هو الجلوس مع الأهل والتواصل معهم. ولم نحدد بعد المهام التي سنتمسك بها.