مرايا – يواصل الاحتلال الإسرائيلي حتى بعد ثلاثة أعوام على انتفاضة الأفراد في القدس المحتلة، التي اندلعت في العام 2015 وذهب ضحيتها عشرات الشهداء، محاولات تشويه صورة هؤلاء الذين سقطوا برصاص الاحتلال في عمليات إعدام ميدانية، والادعاء بأنّ هؤلاء الشهداء وشباناً آخرين تمكّن الاحتلال من اعتقالهم بعد محاولاتهم تنفيذ عمليات فدائية، اتجهوا لتنفيذ هذه العمليات بسبب ضائقة شخصية ومشاكل مع أسرهم.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “يسرائيل هيوم” ما زعمت أنه نتائج ما وصفته بأنه “دراسة علمية” قام بها أستاذان في علم النفس هما؛ البروفيسور أريئيل مراري، الذي كان مسؤولاً بين عامي 2002 و2009 عن “دراسة وبحث أسباب إرهاب الانتحاريين الفلسطينيين” بتكليف من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والبروفيسور بوعز غنور، مؤسّس ومدير عام “معهد السياسات ضد الإرهاب” في مركز “هرتسليا” متعدّد المجالات. وطاولت الدراسة رصد وتحليل مئات الحالات لشبان وشابات فلسطينيين تمّ القبض عليهم، وكذلك لخلفيات شهداء نفذوا عمليات فدائية، في محاولة لفهم وتفكيك أسباب هؤلاء الشبان والشابات، التي دفعتهم لتنفيذ عمليات ضدّ عناصر الاحتلال الإسرائيلي.
ووفقاً لما نشرته “يسرائيل هيوم”، فإنّ نتائج الدراسة المذكورة، بيّنت أنّ “67 في المائة من منفذي هذه العمليات عانوا من مشاكل شخصية أو ربما جاءوا من خلفيات عانوا فيها مصاعب نفسية وضائقة ذاتية، كان الحلّ بنظرهم لها، في ظلّ تحريم الانتحار في الإسلام، تنفيذ عمليات ضد الاحتلال وعناصره، مما سيمنح منفذي العمليات مكانة شهيد”، بحسب الدراسة.
وتأتي هذا الدراسة، التي تعترف الصحيفة بأنّ معدّيها قاموا في واقع الحال بإجراء مقابلات وتعبئة استبيانات لـ45 شاباً وشابة فلسطينية في سجون الاحتلال، لتنضم إلى جهود إسرائيل في نفي واقع الاحتلال كونه السبب المباشر للعمليات الفدائية ضدّ جنود الاحتلال، باعتبارهم من يمثّل الاحتلال ككل.
ووفقاً للصحيفة، فقد تمّ عرض نتائج الدراسة خلال مؤتمر خاص لوزراء الداخلية والأمن الداخلي عقده وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، جلعاد أردان، قبل أشهر، بمشاركة وزراء من دول عدة، في مدينة القدس المحتلة.
وأوردت الصحيفة حالات وأسماء لفدائيين استشهدوا عند محاولة تنفيذ عمليات ضدّ الاحتلال، أو شبان وشابات ظلّوا على قيد الحياة، ويقبعون الآن في السجون الإسرائيلية، في محاولة لتأكيد رواية الاحتلال بأنّ منفذي العمليات انطلقوا من أسباب ذاتية وشخصية ولا علاقة لما قاموا به بمحاربة الاحتلال ومقاومته.
وكانت حكومة الاحتلال واجهت صعوبات وعراقيل في مواجهة ظاهرة الانتفاضة والعمليات الفدائية الفردية، بعد فشلها في نسبها لحركات المقاومة الفلسطينية. وسعى الاحتلال بداية إلى نسب العمليات إلى ما وصفه بـ”التحريض الدموي” على شبكات التواصل الاجتماعي، وعمد إلى تأسيس وحدة مراقبة خاصة في شرطة الاحتلال لمراقبة شبكات التواصل والصفحات الفلسطينية. بعد ذلك، سعى إلى إغلاق صفحات فلسطينية مختلفة عبر التوجّه مباشرة لشركة “فيسبوك”، مدعيّاً أنّ هذه الصفحات “تتضمن تحريضاً على الإرهاب”. ثمّ انتقل الاحتلال إلى تغيير سياسته في مواجهة هذه العمليات، بعد إقراره بأنه يواجه عملياً عمليات فردية أو ما يسميه الاحتلال بـ”ذئب وحيد” لا يمكن الوصول إليه، ولا يمكن توقّع متى يقرّر تنفيذ عمليته.
واتجه الاحتلال إلى تكثيف سياسات التصفية والإعدامات الميدانية، عبر تصريحات كثيرة أطلقها قادة في الجيش والشرطة وحتى وزراء الحكومة، وفي مقدمتهم آنذاك، وزير الأمن السابق موشيه يعالون، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن الداخلي جلعاد أردان. وأطلق هؤلاء تصريحات اعتبروا فيها أنّه ينبغي ألا يخرج أي فدائي من محاولات تنفيذ عمليته وهو على قيد الحياة. وبالفعل شهد عاما 2015 و2016، تكثيفاً في عمليات الإعدام الميدانية، تمّ فضح بعضها بفعل وجود توثيق ميداني.
وكانت أبرز عمليات الإعدام الميدانية التي فضحت الاحتلال واضطرته إلى تقديم جندي للمحاكمة، وإن كانت المحاكمة خرجت بنتائج مخفّفة، هي عملية إعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف في مارس/آذار 2015، على يد الجندي إليئور أزاريا في مدينة الخليل. وأدى الكشف عن شريط يوثّق عملية الإعدام، إلى محاكمة الجندي المذكور، ولكن ليس بتهمة القتل المتعمد، خصوصاً وأنّ الشريط بيّن كيف أطلق النار على الشهيد عبد الفتاح الشريف، فيما كان الأخير ملقى على الأرض، وإنما بتهم تجاوز الصلاحيات ومخالفة أوامر إطلاق النار. وحُكم عليه بالسجن لمدة 18 شهراً لا غير، جرى لاحقاً خفضها لأربعة أشهر من قبل قائد أركان الجيش، الجنرال غادي أيزنكوط، ثمّ أُطلق سراحه في مايو/أيار من العام الحالي.