مرايا – رغم مرور قرابة 4 أعوام على دخول قانون الأحداث حيز التنفيذ، إلا أن حكما قضائيا واحدا بالعقوبات البديلة للأطفال الجانحين لم يصدر لغاية الآن، في وقت تؤكد وزارة التنمية الاجتماعية أنها “فرغت من إعداد المعايير والإجراءات التشريعية لتفعيل برامج التدابير البديلة، وأن جهودا مبذولة حاليا مع الأطراف المعنية لتفعيل هذه العقوبات قريبا”.
وكان القانون الذي أقر العام 2014، ودخل حيز التنفيذ مطلع العام 2015 أخذ بمبدأ التدابير غير السالبة للحرية للأطفال الجانحين، متمثلا بإلزام الحدث الجانح بالخدمة للمنفعة العامة والتدريب المهني.
وتنص المادة 24 من القانون على أن “للمحكمة اتخاذ أي من التدابير غير السالبة للحرية ومنها إلزامه بالخدمة للمنفعة العامة في أحد مرافق النفع العام أو إحدى مؤسسات المجتمع المدني التطوعي، او الإلحاق بالتدريب المهني في أحد المراكز المختصة التي يعتمدها الوزير لهذه الغاية، أو القيام بواجبات معينة، أو الامتناع عن القيام بعمل معين لمدة لا تزيد على سنة، او إلحاق الحدث ببرامج تأهيلية تنظمها الوزارة أو أي من مؤسسات المجتمع المدني أو أي جهة أخرى يعتمدها الوزير”.
ولتطبيق هذا النص اقرت وزارة التنمية الاجتماعية تعليمات أسس تطبيق العقوبات غير السالبة للحرية والتي نشرت في الجريدة الرسمية العام 2016.
ووفقا للمادة التاسعة من التعليمات “يتم إعداد قائمة بالجهات والمؤسسات التي تنفذ فيها العقوبات غير السالبة للحرية وتشمل الجهات الرسمية والأهلية على ان يتم مراجعتها دوريا كل ستة أشهر على الأقل ما لم تتطلب الحاجة غير ذلك، مع إمكانية إضافة جهات ومؤسسات جديدة أو شطب من يخل بالمعايير المطلوبة”.
من جانبه، يوضح المستشار القانوني للوزارة عايش العواملة لـ “الغد” أن الوزارة اتخذت خطوات لتنفيذ هذا النص القانوني، مشيرا بهذا الخصوص إلى “توقيع الوزارة اتفاقية مع جمعيتين وقع الاختيار عليهما بعد استكمال معايير وشروط اختيار المؤسسات الواردة في التعليمات الخاصة بقانون الاحداث، حيث استكملتا شروط التدريب والتأهيل للكوادر التي ستعمل مع الاحداث من اجل تقديم أفضل الممارسات في إطار العقوبات البديلة”.
وتنص التعليمات على شروط ومعايير معينة عند تحديد الجهات التي تنفذ فيها العقوبات غير السالبة للحرية كأن تكون مرخصة قانونا، وان تكون معنية بتقديم خدمات النفع العام أمام الجهات المختصة، وأن توفر بيئة آمنة وصديقة للحدث، وان لا تكون هناك أي عوامل خطورة على الاحداث، وان لا تكون من الاماكن التي تحظر التشريعات النافذة تواجد الأحداث فيها.
كما نصت المادة التاسعة على توقيع اتفاقيات تعاون بين الوزارة والجهة أو المؤسسة التي تنفذ فيها العقوبة غير السالبة للحرية، توضح فيها الالتزامات المتبادلة بين الطرفين وآليات العمل، وآليات التنسيق بينهما، وأن تقوم الوزارة بتزويد المحكمة المعنية بقائمة الجهات والمؤسسات المعتمدة لديها، وإعلامها بأية مؤسسة او جهة تم شطبها أو إضافتها من الجهات والمؤسسات المعتمدة.
من جهته، يقر الأمين العام بالوكالة للمجلس الوطني لشؤون الأسرة محمد مقدادي أن الجانب التشريعي من وضع تعليمات ومعايير وعقد اتفاقيات يتطلب وقتا زمنيا، لكنه يؤكد رغم ذلك أن الجانب الأكثر أهمية في هذه المسألة ترسيخ القناعة لدى الأطراف المعنية بأهمية التدابير البديلة وغير السالبة للحرية لإصلاح الاحداث وإعادة دمجهم بالمجتمع.
من جانبها توضح العضو المؤسس في مؤسسة درة المنال للتنمية والتدريب العين سوسن المجالي، إنه “بالتزامن مع الانتهاء من الجوانب التشريعية لتفعيل العقوبات غير السالبة للحرية فإن جهودا أخرى تنصب على الجوانب المتعلقة بالتدريب وتعريف الأطراف المعنية بالتدابير البديلة”.
وتلفت المجالي الى مشروع “خدمة المجتمع كبديل للعقوبات السالبة للحرية للأحداث والذي تنفذه مؤسستها، دليلا تعريفيا يوضح أدوار الاطراف المعنية من قضاة، ومراقبي سلوك، وجمعيات، والأهالي والأطفال الجانحين أنفسهم”.
وإضافة الى إعداد الدليل، تشير المجالي الى أن المؤسسة عقدت سلسلة من اللقاءات والورشات التدريبية شملت نحو 60 من القضاة ومراقبي سلوك الجمعيات والشرطة والأحداث حول تدريب وتعريف الأطراف بدورهم ومهامهم في سبيل تطبيق العقوبات البديلة، وتحديدا المتعلقة بالخدمة المجتمعية.
وتضيف موضحة، إن التدريب “يشمل التعريف بالأحداث الذين تنطبق عليهم العقوبات البديلة من حيث الفئة العمرية أو مدة الحكم، كما يشمل تدريب القضاة، التعريف بدورهم في إصدار الأحكام ومتابعتها بدءا بقاضي الحكم وانتهاء بقاضي التنفيذ، مثلما يشمل أيضا تعريف مراقبي السلوك بدورهم”.
وترى المجالي في مراقبي السلوك حلقة الوصل في تفعيل العقوبات البديلة، موضحة أن “مراقب السلوك هو من سيكتب تقريرا شاملا، على اساسه يحكم القاضي بالحكم أو بتدبير آخر، كما أن مراقب السلوك مسؤول عن متابعة تطبيق العقوبة البديلة والتأكد من تنفيذها بالشكل الصحيح”، لافتة إلى الملاحظات التي تم تسجيلها خلال الورشة من قبل الاطراف المعنية، وتحديدا القضاة كتلك المتعلقة بضرورة تعديل بعض البنود في قانون الأحداث.
وفي سياق الحديث عن التعديل، يلفت العواملة الى أنه بالتزامن مع تفعيل التدابير غير السالبة، تعكف وزارة التنمية على دراسة إجراء تعديل وتطوير لقانون الاحداث اعتماداً على النهج التشاركي مع كافة الاطراف والشركاء ذات العلاقة بالأحداث والطفولة.
ويقول، إن التعديل يهدف الى التوسع في نهج العقوبات البديلة للأحداث بما يكفل لهم المزيد من الحماية وتحقيق مبدأ المصلحة الفضلى للحدث، الى جانب تعزيز مفاهيم العدالة الاصلاحية والتي تعنى بإصلاح الاحداث ودمجهم بالمجتمع.
من جانبها تؤكد العين، والقاضية السابقة فداء الحمود، أن “الإطار التشريعي من حيث البنود القانونية والتعليمات والمعايير الموجودة كافية لتفعيل العقوبات البديلة في الوقت الراهن”.
وتضيف، إنه “رغم ضرورة إجراء تعديلات على قانون الاحداث لكن ليس هناك ما يبرر عدم السير قدما بالعقوبات البديلة قبل اقتراح هذه التعديلات وإقرارها”، محذرة في هذا السياق من الآثار السلبية الكبيرة للاستمرار في العقوبات السالبة للحرية للأحداث وتحديدا غير المكررين منهم، مبينة أن “الارتفاع المطرد في أعداد الاطفال الجانحين يعد مؤشرا على أن العقوبات السالبة لا تحل مشكلة جنوح الاطفال بل تفاقمها”.
وتوضح الحمود قائلة “البرامج الاصلاحية تحتاج فترة طويلة نسبيا لتنفيذها، وهو الامر الذي يتعذر تطبيقه في دور الاحداث، وبالتالي فإن الحل الامثل هو تطبيق هذه البرامج عبر جمعيات ومؤسسات مدنية”.
والى جانب البرامج الاصلاحية تشير الحمود الى ما وصفته بـ “العدوى الجرمية” بين الأطفال الجانحين، وهو الامر الذي يتضح من حالات العودة والتكرار للأطفال الجانحين، مشددة على ضرورة تعميق الفهم للعقوبات البديلة وتقول “التدابير البديلة ليست ترفا وإنما ضرورة، فتزايد أعداد الاطفال الجانحين ليس سوى مؤشر على أننا نسير بالاتجاه الخاطئ، وتصويب هذا الطريق يتطلب السير فورا بتطبيق نهج العدالة الإصلاحي للأطفال الجانحين بما في ذلك تطبيق التدابير البديلة وغير السالبة للحرية”.
وتقول الحمود “بحسب التقديرات الرسمية فإن كلفة الطفل في دور الرعاية تبلغ 600 دينار شهريا، وتطبيق العقوبات البديلة سيقلص حجم هذا الإنفاق على الاطفال في مراكز الاحداث فضلا عن توفير برامج اصلاحية أكثر نجاعة”.
من جانبه يقول مدير مديرية الأحداث والأمن المجتمعي في وزارة التنمية الاجتماعية عامر حياصات إن “جهودا مبذولة حاليا مع الاطراف المعنية وتحديدا المجلس القضائي للبدء بتنفيذ العقوبات البديلة قريبا جدا”، مشددا على أهمية تفعيل العقوبات البديلة لجهة الحد من مشكلة انتقال العدوى الجرمية بين الأحداث والحد من حالات التكرار.
وفقا للحياصات فإن دور الأحداث استقبلت خلال العام 2017 نحو 2400 حدث بين موقوف ومحكوم، خمسهم من المحكومين والباقي موقوفون.
وحول طبيعة قضايا الأحداث، بينت دراسة سابقة للوزارة أن غالبيتها العظمى من القضايا “البسيطة”، حيث يشكل جرم السرقة البسيطة 30 % من الجرائم، بينما يشكل جرم الإيذاء أو المشاجرة 38 %.
وكشفت دراسة سابقة للوزارة ان 64 % من الأحداث، من مرتكبي الجنح والمخالفات (بخاصة لأول مرة) طلبة مدارس.