مناقشة وإشهار كتاب “الطاقة في عالم متغيّر” للدكتور إبراهيم بدران
د. بدران: أكثر من 85% من مساحة المنطقة العربية جافة وحارة وأكثر عرضة للتأثر بالتغيرات المناخية
د. أبو دية: الكتاب رؤية حداثوية لمستقبل الطاقة والخيارات الوطنية المتاحة لأمن الطاقة في الأردن
مرايا – جرى في منتدى الفكر العربي مساء الأحد 9/9/2018 مناقشة وإشهار كتاب “الطاقة في عالم متغيّر” من تأليف د. إبراهيم بدران مستشار رئيس جامعة فيلادلفيا ومدير مركز الدراسات المستقبلية فيها، وعقب على الكتاب المهندس د. أيوب أبودية الباحث والأكاديمي والخبير في شؤون الطاقة، فيما أدار اللقاء وشارك فيه د. محمد أبوحمور الأمين العام للمنتدى. ويتناول الكتاب قضايا الطاقة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى أبعادها العلمية والتكنولوجية، موضحاً طبيعة مشكلات الطاقة والآفاق المستقبلية المتاحة وسبل الاستعداد لها على المستوى الدولي والوطني والمؤسسي. كما يشتمل على فصل حول الطاقة في الأردن من حيث المصادر والإمكانات والمشاريع والسياسات. وقد اعتمد الكتاب على الإحصائيات والبيانات الدولية من المؤسسات المتخصصة، وكذلك آراء الخبراء حتى يكون مساهمة في رسم طريق مستقبلي لقطاع الطاقة الهام والذي أصبح واحداً من الأركان الأساسية للبقاء والحضارة الانسانية.
وقال د. محمد أبوحمور في كلمته التقديمية: إن الكتاب يدخل في باب الدراسات المستقبلية، من خلال اشتمال أبحاثه الغنية والشاملة على معلومات وتحليلات ودراسات مكثفة حول مستقبل الطاقة وخاصة بالنسبة للإقليم بما فيه العالم العربي، ويفتح آفاق التوعية من حيث أنه يتناول قضايا الطاقة من منظور عربي كون العالم العربي يضم الدول التي تمتلك أكبر احتياطيات العالم من النفط (710 مليارات برميل ما يساوي 55,6% من الاحتياطيات العالمية)، والغاز (54 تريليون متر مكعب ما يساوي 27,7% من احتياطيات العالم) – حسب بيانات منظمة أوابك 2017. وأضاف أنه عدا التحديات السياسية المعروفة، هناك تحديات لا تقل أهمية وخطورة وتتعلق بما سميناه في “الميثاق الاقتصادي العربي” (2015) “مربع الطاقة والتكنولوجيا والمياه والبيئة”، التي تؤدي دوراً أساسياً في عملية البقاء للمجتمعات وقدرتها على النهوض الاقتصادي الاجتماعي، داعياً إلى التعاون والعمل العربي المشترك لتحقيق المطلوب على المستوى الوطني والإقليمي ضمن منظومة وخطط عاجلة وواضحة تحتاط لمشكلات وتحديات لا بد أنها قد تنشأ في المستقبل في هذا الجزء من المنطقة وتنعكس آثارها على الجميع.
وأوضح د. إبراهيم بدران في عرضه لفصول الكتاب أنه بدخول العالم الثورة الصناعية الرابعة مع مطلع القرن الحادي والعشرين، تسارعت وتائر التغيير في مختلف مرافق ومفردات الحياة الإنسانية وتسارع تقدم العلوم والتكنولوجيا في كل اتجاه، وكذلك انطلقت مواهب وإبداعات العقول ليس في أوروبا وأمريكا وكندا فقط، والتي لا يزيد عدد سكانها مجتمعة عن 14% من سكان العالم، وإنما أيضاً في الصين واليابان وكوريا والهند التي تضم 35% من سكان العالم. ورافق ذلك تغيرات اقتصادية واجتماعية وإنتاجية صناعية وزراعية وخدماتية في معظم بقاع العالم وخاصة الدول الناهضة.
وأشار د. بدران إلى أنه أصبح الطلب على الطاقة لسد احتياجات الإنسان والآلة والمرافق والمصانع والخدمات في تزايد متواصل حتى وصل عام 2016 إلى ما يعادل 14 بليون طن مكافئ نفط . ومع تقدم الشعوب وارتقاء مستوى المعيشة يتزايد استهلاكها للطاقة، وهذا يعني أن العالم يواجه معضلة رباعية معقدة فهو بحاجة إلى مزيد من الطاقة يوماً بعد يوم في البعد الأول ، وفي نفس الوقت فإن مصادر الطاقة التقليدية في نضوب متسارع في البعد الثاني، والتغيرات المناخية الكاسحة والناشئة عن تلوث البيئة في الانبعاثات الغازية والحرارية في تصاعد مستمر في البعد الثالث، والاخترافات العلمية والتكنولوجية والهندسية القائمة على الإبداع والابتكار في طريقها لتغيير كل شيء في البعد الرابع. وهذا يعني أن العالم دخل مرحلة تغيير متواصل غير مسبوق يمتد من الخلايا والجينات وينتهي في الفضاء والمحيطات وفي كل ما بينها.
وأكد د. بدران أن التفاوت بين دول العالم سواء من حيث درجة تصنيع الاقتصاد أو من حيث الدخل أو من حيث المصادر الطبيعية يجعل هناك مساحة كبيرة من فضاء الطاقة ذات طبيعة وطنية، ويشمل ذلك المصادر المحلية للطاقة والتكنولوجيا المتاحة واستمرارية التزود ومقدار التحمل لدى المجتمع لكلفة الطاقة وأخيراً أمن الطاقة، مما يستدعي النظر في الطاقة من خلال بوابات رئيسية ثلاثة : البوابة العالمية والإفادة من الخبرات والتكنولوجيا والمصادر والالتزام بالأعراف والاتفاقات الدولية، والبوابة الإقليمية وإمكانات التعاون والمشاريع المشتركة، والبوابة الوطنية من خلال تعزيز أمن الطاقة وكلفتها وكيفية التعامل مع الطاقة في عالم متغير وفي حالة وطنية متغيرة؛ مشيراً إلى أن المنطقة العربية التي تغطي الحرارة والجفاف أكثر من 85% من مساحتها والتي ستكون أكثر عرضة للتأثر بالتغيرات المناخية، تتطلب أبحاثاً وتكنولوجيا ومشاريع ضخمة لمواجهة نقص المياه والطاقة وبالتالي إنتاج الغذاء ومتطلبات التصنيع والتغلب على التغيرات المناخية، الأمر الذي يعطي للتعاون العربي الإقليمي أهمية خاصة.
ومن جهته، قال المهندس د. أيوب أبودية في تعقيبه على كتاب “الطاقة في عالم متغيّر”: إنه يعتبر مرجعاً مهماً لمصادر الطاقة المتنوعة في تطور تقانات تصنيعها، والتغير الدؤوب في معايير تقييم أهميتها في عالم متغير تحكمه هواجس التحكم بمصادر الطاقة والهيمنة عليها، فضلاً عن التحكم بأسعارها على صعيد عالمي؛ وفي الوقت نفسه تحكمه هواجس الانحباس الحراري والأضرار البيئية المرتبطة بالتغير المناخي، وزيادة نسبة الانبعاث من الوقود الإحفوري التي باتت تهدد الأرض والبشرية جمعاء.
وأضاف د. أبو دية أن الكتاب ينتقل بالتدرج من العام إلى الخاص، حيث يتناول الاستهلاك العالمي للطاقة من المصادر التقليدية والمستحدثة للطاقة، النظيفة منها والملوثة للبيئة سواءً بسواء، وصولاً إلى خليط الطاقة في الأردن والخيارات المتاحة له. ويتميز الكتاب أيضاً بالمعلومات العلمية الوفيرة والحديثة، فضلاً عن الجداول والإحصائيات والأشكال التفسيرية مما يجعل منه مرجعاً مهماً للطلبة بمستوياتهم التحصيلية كافة وعلى تنوع اختصاصاتهم؛ كما يتميز بأسلوبه العلمي الواضح ولغته المبسطة التي تجعل من الكتاب تأريخاً لمصادر الطاقة في العالم ورؤية حداثوية لمستقبلها، وتحديداً على صعيد مستقبل الطاقة في الأردن وخياراتها الوطنية المتاحة.