مرايا – أكد خبراء سياسيون أن الجهود الدبلوماسية التي قادها جلالة الملك عبدالله الثاني في حمل لواء القضية الفلسطينية بكافة المحافل، أتت أكلها بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تبنيه حل الدولتين، الذي طالما حذر جلالة الملك من كارثية عدم الأخذ به لصالح أحادية الدولة.
وقالوا في تصريحات له إن الملك كان خلال الفترة الأخيرة “أقل تحفظا بشأن تصريحاته الخاصة بهذا الملف، حيث كانت رسائل جلالته واضحة، خصوصا عندما تساءل: هل نملك ترف ترك إحدى أهم المناطق الاستراتيجية في العالم رهينة حلقة عنف لا تنتهي؟”.
وبينوا أنه وبدون أدنى شك، فإن الخطاب الأردني الذي يقوده جلالة الملك ساهم بشكل أساسي في التحول المفاجئ في موقف الإدارة الأميركية بشأن حل الدولتين، إلى جانب مساهمته في لجم مساعي حكومة الاحتلال في نسف العملية السلمية برمتها، مشيرين إلى أن جلالته نجح في أن يقنع ترامب بضرورة الاستماع لوجهات النظر المختلفة بشأن القضية الفلسطينية، بعدما كانت قرارات الرئيس الأميركي تخدم بالدرجة الأولى إسرائيل.
واسترجع هؤلاء لقاء جلالة الملك مع الرئيس الأميركي نهاية تموز ( يوليو) الماضي، والذي حمل رسائل أردنية واضحة لأميركا بأن “عدم إنهاء الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية، وفق حل عادل وشامل، سيفتح المجال لزيادة العنف بالمنطقة”، مشيرين إلى “أن هذا التحول يعكس مدى تأثير جلالته على الإدارة الأميركية، التي طالما وصفته بأنه صوت الحكمة بالمنطقة، وأن الاستماع لوجهات نظره أمر في غاية الأهمية”.
نائب رئيس الوزراء السابق ممدوح العبادي قال، إن الجهد الديبلوماسي الذي قاده الملك في الفترة الأخيرة هو الذي “قلب الموقف السياسي للإدارة الأميركية وتبني الرئيس دونالد ترامب حل الدولتين”.
ولفت العبادي إلى أن جلالة الملك يؤكد على الدوام أن هذا “الحل” يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ويلجم مساعي الحكومة الإسرائيلية في نسف العملية السلمية بقضم الأرض والشعب معا.
وتابع، “نحن مواقفنا ثابتة ومعلنة ولا تتبدل بتبدل الإدارات والشخوص، وسيبقى الأردن بقيادة جلالة الملك خط الدفاع الأول عن فلسطين وقضيتها العادلة”.
من جهته، قال وزير الخارجية السابق كامل أبو جابر إن إصرار الأردن على موقفه من “حل الدولتين” أثر كثيرا في مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجهة حل القضية الفلسطينية استنادا لحل الدولتين، لافتا إلى أن التغيير المفاجئ تجاه “حل الدولتين” يجب أن يتم ترجمته على أرض الواقع لجهة إعادة إحياء العملية السلمية من جديد في المنطقة بما يضمن ويحافظ على الحق الفلسطيني في وجه الأطماع الإسرائيلية.
وأضاف، “يجب أن يتم الآن التقاط هذه اللحظة والدفع بها لخلق حالة ضغط دولية على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل تهيئة مناخات لولادة عملية السلام من جديد استنادا لقرارات مجلس الأمن 242 و 338”.
من جهته قال الوزير السابق تيسير الصمادي إن الحضور الأردني الفاعل بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وتأكيده الدائم أن حل الدولتين هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، وأن أي بديل آخر سيكون كارثيا على السلام في المنطقة، ينطلق من استشراف جلالته للوضع في الشرق الأوسط ولمآلات القضية الفلسطينية.
وتابع الصمادي، “إن ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا من تأييده لـ “حل الدولتين” يأتي جراء الضغط الأردني في كل المحافل على أن “حل الدولتين” هو الحل الأنجع والقابل للحياة لإنهاء الصراع بمنطقة الشرق الأوسط.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن صراحة وفي تغيير مفاجئ خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة- أن حل الدولتين هو الطريق الأنسب “لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.
تصريحات ترامب هذه تتناقض مع سياساته وتوجهاته السابقة حيال الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، حيث كان اعلن سابقا، في خرق لإحدى ثوابت السياسة الخارجية الأميركية حيال الشرق الأوسط، أن “حل الدولتين” ليس السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وهو ما أكده البيت الابيض بإعلانه أن “واشنطن لن تتمسك بعد الآن بحل الدولتين، ولن تملي شروط أي اتفاق سلام محتمل بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
كما سبق لترامب أن قال إنه سيدعم أي حل تقبل به أطراف النزاع واستطرد موضحا “اعتقدت لبعض الوقت أن حل الدولتين بدا أنه قد يكون الأسهل للاثنين لكن في الحقيقة إذا كان بيبي (نتنياهو) والفلسطينيون، وإذا كانت إسرائيل والفلسطينيون سعداء فأنا سعيد بما يحبذونه”.
وفي معرض حديثه عن خطاب جلالة الملك في “الأمم المتحدة” قال الصمادي “لقد كان خطاب الملك في الأمم المتحدة في منتهى القوة والصراحة والتأكيد على الموقف الأردني الثابت تجاه الحل العادل للقضية الفلسطينية، والقائم على حل الدولتين.
وجاء الخطاب في مرحلة فارقة من تاريخ الأمة العربية والإسلامية التي تعاني الضعف والوهن والاقتتال الداخلي، عدا عن تراجع الكثير من الدول العربية الكبرى عن مواقفها السابقة، وتفضيلها السير وراء افكار الادارة الأميركية الهادفة إلى وأد القضية وإنهاء حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967، وكان لافتا الترحيب الدولي بالموقف الأردني الثابت، وهو ما يؤكد على الدور المحوري للأردن في قضية العرب والمسلمين الأولى.
إلى ذلك، قال الخبير والمحلل السياسي أنيس القاسم، إن الملك كان على الدوام يرسل رسائل واضحة ومحددة في هذا الجانب للإدارة الأميركية، مؤكدا أن الملك في لقاءاته معها كان دائما يطرح وبقوة المنطق “حل الدولتين” حلا للقضية الفلسطينية، ومطالبا إياها بضرورة الإصغاء إلى جميع الأصوات المنادية بحل القضية الفلسطينية حلا شاملا وعادلا.
بدوره قال المحلل السياسي حمادة فراعنة “لا شك أن صلابة الموقف الفلسطيني في رفض التعاطي مع خطة ترامب ورفض استقبال مبعوثيه كرين بلات وجارد كوشنير، مدعوما بالموقف الأردني والتحولات التي طرأت على بعض المواقف العربية أدى إلى إرباك ادارة ترامب وإفشال خطته، فقد اتخذ الأردن قرارا شكل رأس حربة سياسية بثلاثة اتجاهات هي، دعم وإسناد الموقف الفلسطيني من خطة ترامب وتداعياتها، إلى جانب رفض الخطة وحشد الدعم العربي والدولي نحو الموقف الفلسطيني.
وأضاف فراعنة، “بدأ ذلك بعد أن اتخذ ترامب يوم 6 كانون الأول (ديسمبر) 2017 موقفا تجاه القدس حيث بادر الأردن بالدعوة لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب بعد يومين من القرار، وتحرك جلالة الملك نحو القاهرة والرياض، بموازاة التعاون مع الرئيس التركي أردوغان لعقد القمة الإسلامية الطارئة في اسطنبول يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي ودعوة مجلس النواب لعقد اجتماع للاتحاد البرلماني العربي بعد خمسة أيام من ذلك التاريخ، وعقد اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 من الشهر ذاته، حيث أثمرت كل هذه الاجتماعات والمؤتمرات عن رفض خطة ترامب.
وأشار فراعنة إلى أن الجهد الأردني توج بالقمة العربية (قمة القدس) في الظهران يوم 15 نيسان (إبريل) العام الحالي وذلك عبر نتائج هذه القمة التي تضمن بيانها 27 بندا كان في طليعتها البند الأول وحتى السابع عن فلسطين والقدس ورفض خطة ترامب.
وقال فراعنة، “ان كل ذلك شكل صفعات متتالية للإدارة الأميركية وفريقها ما دفع الناطق بلسان البيت الأبيض لأن يعلن تأجيل خطة ترامب الى ما بعد انتخابات الكونغرس الأميركي التي ستجري بعد الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
وأشار إلى أن هذا التطور انعكس بوضوح في مفاجأة ترامب التي أعلنها على إثر لقائه مع نتنياهو بضرورة حل الدولتين، وإن لم يكن ذلك غير واضح المضمون.
وأكد أن “هذا التطور في الموقف الأميركي، وبعد القطيعة الأميركية الفلسطينية، لم يكن ليتم لولا الدور الأردني المباشر بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وتأثيره الواضح وشجاعته المباشرة بمخاطبة المجتمع الأميركي، ولقاءاته المتعددة مع مختلف أدوات ومؤسسات صنع القرار الأميركي الذي جعل الرئيس ترامب يتراجع علنا نحو ضرورة حل الدولتين.