مرايا – إن الألم هو العرض الوحيد الأكثر شيوعاً بين البشر، وفي الظروف العادية، يشير الألم إلى وجود علة صحية أو إصابة، والاستجابة الطبيعية هي حماية الإنسان لنفسه بطلب العلاج حتى يتعافى ويخف الألم.
ويختلف الأشخاص في قدرتهم على تحمل الألم أو الاستجابة له، وأيضاً في كيفية التعبير عنه وكيفية الاستجابة للعلاجات المختلفة. وتؤدي عناصر الاختلاف بين الأشخاص إلى صعوبة في معرفة كيفية علاج كل مريض على نحو فعال، بحسب ما نشرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية نقلا عن موقع “The Conversation”.
ويجيب الخبراء عن سؤال “لماذا لا يكون الألم بنفس القدر عند الجميع؟” بأن الاختلافات الفردية في الشعور بالألم غالباً ما تنجم عن تفاعلات معقدة للعوامل النفسية والاجتماعية والبيئية والوراثية. وفي حين لا يسجل الألم كمرض تقليدي مثل أمراض القلب أو السكري، إلا أن نفس مجموعة العوامل تلعب دوراً رئيسياً فيه. وتوجد أنواع الإحساس بالألم العادية بنسب متفاوتة، كما أن هناك حالات نادرة لعدم الشعور بالألم أو الإحساس المفرط به.
وتحدث التجارب المؤلمة طوال حياة الإنسان على خلفية من الجينات التي تجعله أكثر أو أقل حساسية للألم. لكن حالته العقلية والجسدية والتجارب السابقة، سواء مؤلمة أو صادمة، وكذلك البيئة المحيطة يمكن أن تتحكم في مدى استجابته للألم.
وإذا أمكن فهم هذه الأسباب بشكل أفضل، فسيمكن عندئذ التوصل إلى وسيلة للحد من المعاناة البشرية من خلال تطوير علاجات الألم الشخصية المستهدفة مع انخفاض مخاطر سوء الاستخدام والتحمل والتضرر من العلاجات الحالية.
اقرأ أيضا: كيف تتعامل الحامل مع تقلبات المزاج ؟
وبالتالي، فإن تلك الخطوة ربما ستقود إلى معرفة من سيشعر بمزيد من الألم أو من سيكون بحاجة إلى المزيد من الأدوية التي تسكن الألم، ومن ثم القدرة على إدارة هذا الألم بفاعلية حتى يصبح المريض أكثر راحة ويشفى سريعاً.
تحمل مرضى للألم دون غيرهم
أجريت أولى دراسات “علم الوراثة للألم” على عائلات ذات الحالة النادرة للغاية، والتي تميزت بغياب الشعور بالألم. وتم الكشف عن أول حالة لعدم الحساسية الخلقية، والتي تم وصفها بـ”التسكين النقي”، لدى فنان جوال يشارك في عرض متنقل يستلقي خلاله على وسادة مليئة بالدبابيس الحادة. وفي ستينيات القرن الماضي، تم تسجيل حالات لعائلات ذات صفات وراثية تجعل أطفالها عديمي الشعور بالألم.
ولكن لم يكن متاحاً آنذاك تقنيات طبية تسمح بتحديد سبب هذا الاضطراب، وعلى أي حال فقد أمكن من خلال هذه العائلات، ذات الصفات الوراثية النادرة، اكتشاف الـCIP، أو ما يعرف حاليا بـ”اعتلال القنوات” المرتبط بعدم الحساسية للألم أو الاعتلال العصبي والحسي الوراثي، والذي يطرأ نتيجة لطفرات محددة أو الافتقار إلى جينات بعينها يفترض أنها مسؤولة عن نقل إشارات الألم إلى المخ.
مخاطر عدم الشعور بالألم
وفي حين أنه ربما يتخيل البعض أن الحياة بدون ألم هي نعمة، إلا أنه يجب أن يكون كل أفراد الأسرة في حالة تأهب دائمة بسبب احتمال حدوث إصابات خطيرة أو التعرض لأمراض مميتة لأي من أفرادها بشكل مفاجئ.
فعادة ما يسقط الأطفال ويبكون، لكن في هذه الحالة، لا يوجد أي ألم للتمييز بين الإصابة بكسر في الركبة المكسورة أو مجرد التعرض لخدوش سطحية. إن عدم الإحساس بالألم يعني عدم وجود ألم في الصدر يشير إلى احتمال حدوث نوبة قلبية، وليس هناك ألم أسفل البطن يلمّح إلى أن هناك التهابا ما بالزائدة الدودية، لذلك يمكن أن يقضي الشخص الذي لا يشعر بهذه الآلام قبل أن يلاحظ أيٌ من المحيطين به بأنه يعاني من خطب ما.
الشعور المفرط بالألم
ويوجد أيضاً أنواع من حالات اضطراب الألم الوراثية، وإن كانت نادرة للغاية، إلا أن أصحابها يعانون من إحساس مفرط وقاسٍ بالألم.
ويقوم الباحثون بدراسة المؤثرات الوراثية لكل مريض وتحديد العلاج المناسب له وتحديد ما هو العنصر الرئيسي الذي يمكن من خلاله التحكم في استجابة الجسم للألم، مثل تنشيط أو إخماد قناة الصوديوم.
وتشير تقديرات الدراسات العلمية إلى أن ما يصل إلى 60% من التباين في الإحساس بالألم يرجع إلى عوامل وراثية، ما يوضح أسباب نجاعة تحري المؤثرات الوراثية.