مرايا – لم يكن خبراء الاقتصاد متفائلون كما كان عليه دولة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز عندما تحدث عن أولويات حكومته للعامين المقبلين أول من أمس على وسائل الإعلام، فهم يرون بأنّ الخطة هي كمن صمّم سيارة جميلة، ولكن دون أن يكون فيها “محرّك وعجلات تضمن سيرها”، أو كطائر يعتزم التحليق بأجنحة متكسرة.
وشدد هؤلاء في تعليقهم، على الخطة الحكومية الجديدة والتي حملت عنوان “على خطى النهضة” أنّ “المهم هو تنفيذ ما جاءت به”، مستبعدين أن تكون هذه الحكومة قادرة فعلا على تنفيذ أهدافها وفق ما هو مخطط في ظل عدم توفر الموارد الكافية، وعدم وضوح رؤية الحكومة.
وانطلق هؤلاء بما جاءت به الحكومات السابقة من خطط واستراتيجيات آخرها كان “خطة تحفيز النمو الاقتصادي لخمس سنوات تبدأ من 2018″، وسبقها “رؤية الأردن 2025” التي انبثق عنها برامج تنفيذية تنموية، وهي البرنامج التنموي التنفيذي (2016-2018) إضافة إلى خطط الاستثمار التابعة لمنحة دول الخليج التي أقرت في 2011، فضلاً عن برنامج (Jordan Compact) لدعم المجتمعات المضيفة للاجئين السوريين وغيرها من الخطط والاستراتيجيات المعدة للوزارات والدوائر الرسمية والوحدات الحكومية المستقلة.
كما انطلقوا من عدم تقديم الحكومة لأية بوادر من شأنها أن تعطيهم تفاؤلا ولو بسيطا، خصوصا في موضوع دمج المؤسسات، ومكافحة الفساد.
وجاء في خطة الحكومة التي قدرت تكلفة تنفيذها بـ140 مليون دينار خلال العام المقبل، 18 أولوية ستقوم على تنفيذها خلال العامين المقبلين ضمن 3 محاور رئيسية هي “دولة القانون، ودولة الانتاج ودولة التكافل”.
وتحت بند دولة القانون ذكرت الحكومة أنّ هناك 6 أولويات هي تنمية الحياة السياسية ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة، وتعزيز نهج اللامركزية، وتمكين السلطة القضائية وتعزيز دورها، وتعزيز سلطة إنفاذ القانون وأخيرا الثقافة الوطنية وتنمية المواطنة الفاعلة.
وفي المحور الثاني: وهي دولة الإنتاج تضمنت 6 أولويات أخرى هي النمو من خلال ريادة الأعمال والتجارة والنمو من خلال الاستثمار والنهوض بقطاعات اقتصادية، وتوفير 30 ألف فرصة عمل، وتنفيذ برنامج خدمة الوطن إضافة إلى ضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي، ورفع كفاءة القطاع العام والقضاء على الترهل الإداري.
وفي محور “دولة التكافل” جاء في الخطة 6 أولويات أخرى هي توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتطوير مخرجات التعليم العام، وتحسين مستوى الرعاية الصحية، وتطوير منظومة النقل، والسكن الميسر، والبيئة وسلامة المواطن.
ووفقا للخطة، فإنّ هذه الأولويات “لن تكون عناوين وشعارات بل مبادرات ومشاريع ملموسة يتم قياس مستويات إنجازها ومقارنتها مع الخطط بكل شفافية”؛ حيث تضمنت “تعهدا بأن لا يكون مشروع النهضة مجرد حبر على ورق” “وذلك مع طبيعة التجارب السابقة في رسم خطى المستقبل وضعف جوانب الالتزام بها” حيث أشارت إلى أنّ الحكومة “ستسعى لتصبح واقعا ملموسا وشاهدا حيا على أن الأردن يسير بخطى ثابتة في مسيرة التطوير والبناء”.
واعتبر الخبير الاقتصادي، زيان زوانة، إعلان الخطة الجديدة التي وضعتها الحكومة “ايغال في عملية إطعام المواطن كلام بعيد عن الحقيقة والتطبيق”، قائلا أنّ “الحكومة وضعت الخطة دون توضيح آليات تطبيقها”، وذلك كمن “يصمم سيارة بدون محرك أو عجلات”.
وقال إنّ الحكومة تحدثت عن توفير 30 ألف فرصة عمل، لكنّها لم تعلن آلية تحقيق ذلك، “فهناك فرق بين التنظير والتنفيذ والقدرة على تحقيق الأهداف”.
وذكر زوانة أنّ الحكومة كانت قد أشارت إلى توفير 150 مليون دينار لنكتشف فيما بعد أنّه لم يكن أكثر من “تأجيل مستحقات للمواطينن على الحكومة”.
وتساءل زوانة عن كيفية زيادة الصادرات والاستثمار بنسبة 10 %، في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة برفع ضريبة الدخل وإلغاء الإعفاءات عن القطاع الصناعي، مضيفا أنّ هناك حالة من “عدم الوضوح” لدى الحكومة ستنعكس سلبا على الاستثمارات.
كما ذكر زوانة أنّ الخطة كانت بعيدة عن قطاع “واعد ومهم” وهو قطاع السياحة الذي من المفترض أن يتم التركيز عليه مع بدء استقرار الأوضاع في المنطقة.
أمّا عن ما تحدثت به الحكومة حول “الابتكار وريادة الأعمال” وصندوق الابتكار، أشار زوانة إلى أنّ الحديث عن الابتكار يأتي في الوقت الذي تتراجع فيه مرتبة الأردن في مؤشرات التنافسية وسهولة بدء الأعمال العالمية، وتراجع حتى في المؤشرات الداخلية لهذا القطاع.
الخبير الاقتصادي، مفلح عقل، يرى في المبدأ بأنّ وجود خطة حكومية واضحة أفضل بكثير من عدم وجودها، على أنّ المهم هو أن يكون هناك تطبيق فعلي لها وأن يكون هناك من يرعى ويتابع ويصحح مسار هذه الخطة أولا بأوّل.
ودعا عقل إلى ضرورة أن يكون هناك شخص أو عدد من الأشخاص المعنيين بتنفيذ ومتابعة الخطة بعيدا عن الوزراء، بحيث يتم ضمان متابعتها، مستذكرا ما حصل من “تأخر في تنفيذ مشاريع المنحة الخليجية”.
وأشار عقل إلى أنّ محور “دولة القانون” تحتاج إلى سنوات طويلة من التثقيف والتمرين لتطبيق القانون، وإعادة تأهيل الجهات المنفذة للقانون في الدولة، ما يحتاج إلى سنوات تتعدى الفترة المحددة ضمن الخطة”.
وفي محور “الإنتاج” لا بدّ، وفق عقل، أن يكون هناك تركيز على “الكفاءات المعطلة وأن يتم خلق مجالات لاستيعاب هذه الكفاءات، وزيادة المسؤولين والعالمين في الانتاج، متسائلا “هل الخطة ستستطيع أن تزيد من استيعاب الطاقات المعطلة وتدريب العاملين؟”، كما يتساءل هل ما طرحته الخطة حول “التدريب العسكري” أو ما يوازي خدمة العلم هل تمت دراستها بشكل يتم فيه تحديد الفائدة من هذا التدريب إن كانت قبل أو بعد التخرج؟ وأين ستكون الإنتاجية أفضل في حال تقديم الشباب لهذه الخدمة قبل أو بعد التخرج؟ مشددا على ضرورة أن يتم التركيز في هذا المحور على تخفيض تكاليف الإنتاج ورفع الكفاءة”.
وقال إنّه رغم طموح هذه الخطة إلا أنها لن تستطيع القضاء على البطالة حتى على المدى الطويل، قائلا بأنّه “لا بدّ أن يكون الطموح أكبر من ذلك”، في جانب القضاء على البطالة أو حتى التخفيف منها في ظل دخول ما يزيد على 120 ألف باحث عن عمل سنويا إلى سوق العمل.
من جهته، أشار أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك، الدكتور قاسم الحموري، إلى أنّ “ما جاء في خطة الحكومة انعكاس لتطلعات المواطنين وطموحاتهم، لكنّه ليس بالضرورة أن تطبق”.
وأضاف أنّ الحكومة الحالية غير قادرة على تنفيذ خطتها لعدم توفر الموارد.
وأشار إلى أنّ الحكومة لم تعط أي شاهد أو دليل على أنّها ستكون مختلفة عن سابقاتها من الحكومات، فلم تطبق الإصلاحات المطلوبة، خصوصا فيما يتعلق بدمج المؤسسات والبت في قضايا فساد مهمة وكبيرة.