د. ربيع: فجوات الدخل والثروة بين الأثرياء والفقراء بلغت أبعاداً غير مسبوقة في العالم
د. ربيع: الثراء يقود إلى المزيد من المعرفة وامتلاك أسباب القوة والنفوذ والحرية
د. ربيع: الجهل يؤدي إلى الحرمان من الحصول على فرص عمل وحياة كريمة ومستقبل آمن
د. أبوحمور: المنطقة العربية ستفقد حوالي 50% من الوظائف في المستقبل بسبب الأتمتة
د. أبوحمور: الاقتصاد المعرفي يتطلب تطوير التعليم وإصلاح الإدارة وتحفيز الاستثمارات
مرايا – ناقش منتدون في لقاء منتدى الفكر العربي، مساء امس الأربعاء ، جدلية العلاقة بين القوة والثروة والمعرفة. وألقى أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في الجامعات الأميركية وعضو المنتدى أ.د. محمد عبد العزيز ربيع محاضرة تناول فيها دور الفئات المعرفية في تطوير اقتصاد المعرفة، واستفادتها من عوائد المعرفة المادية والمعنوية؛ مشيراً إلى أنه لا يوجد مجتمع معرفي يعاني من الفقر، ولا يوجد مجتمع ثري يعاني من الجهل، فيما الفقر يقود في معظم الحالات إلى الجهل والضعف والخنوع، والثراء يقود في كل الحالات تقريباً إلى المزيد من المعرفة التي تسهم بدورها في تكريس الثراء ومعه تأتي أسباب القوة والنفوذ.
وفي كلمته التقديمية للقاء أوضح الأمين العام للمنتدى ووزير المالية الأسبق د. محمد أبوحمور، الذي أدار اللقاء وشارك فيه، أن المنطقة العربية من أكثر المناطق في العالم التي ستواجه في المستقبل غير البعيد مشكلة الاستدامة في إيجاد الوظائف. وأشار إلى أنه بحسب الدراسات والتقارير الدولية مثل تقرير القمة العالمية للحكومات 2018، ستكون هناك أتمتة تدريجية تقلل من فرص العمل، ويبلغ احتمال أتمتة الوظائف للقوى العاملة الحاصلة على التعليم الثانوي أو تتمتع ببعض الخبرة المهنية حوالي 55%، وللحاصلين على مؤهل أدنى من التعليم الثانوي 50%، فيما أتمتة القطاعات التي تعتمد على التفاعل البشري والأنشطة والخدمات الإبداعية غير الروتينية ستصل نسبة أتمتتها إلى ما بين 29% – 37%. وهناك 50% من الوظائف الموجودة حالياً ستتلاشى في المستقبل وتحل محلها وظائف غير معروفة حالياً.
وأضاف د. أبوحمور إلى أن التحول إلى الاقتصاد المعرفي والإنتاج الصناعي سيكون في صالح الموظفين ذوي المهارات العالية، وأن الاقتصاد المعرفي سيعيد تشكيل العلاقات الإنتاجية في المجتمع الحديث باعتباره مصدر قوة للأفراد الجماعات، مؤكداً أن الانتقال إلى الاقتصاد المعرفي يتطلب تطوير التعليم، واستثمار الإمكانات التي توفرها التكنولوجيا والبحث العلمي، وتحفيز الاستثمارات، وإصلاح الإدارة لتجاوز الفشل في إدارة الموارد البشرية والمالية والطبيعية، ودعم الريادية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ورعاية الإبداع والابتكار، مع بناء منظومة ديمقراطية وتطبيق مبدأ المواطنة الحاضنة، من أجل بناء القوة الذاتية للمجتمعات وحمايتها من الفقر والأمية المعرفية والبطالة، وكلها تؤدي إلى التفتت والعجز وعدم النمو وفقدان الاستقرار والقدرة على تحقيق الأمن.
وأشار د. ربيع إلى أن العلاقة بين الثروة والمعرفة تتصف بكونها جدلية، مما يجعل من الصعب على الفقير أن يحصل على تعليم جيد يمكنه من الحصول على وظيفة جيدة وتكوين بعض الثروة، فيما يجعل من السهل على الثري أن يحصل على تعليم ممتاز يؤهله للحصول على فرص عمل جيدة وتكوين المزيد من الثروة. من ناحية ثانية، فإن من طبيعة الثروة أن تمكن صاحبها من الاستحواذ على مصادر القوة، فيما تمكن القوة صاحبها من التمتع بالمزيد من الحرية والتاثير في اتجاهات التغيير في المجتمع بما يخدم مصالحه. وفي المقابل، يتصف الفقراء بالضعف، وفي غياب القوة يتقلص فضاء الحرية أمامهم، ويصعب عليهم تغيير الواقع بما يخدم مصالحهم. وعلى سبيل المثال، يملك أغنى 62 شخصاً في العالم ما يزيد على نصف الثروة في هذا العالم، فيما الأكثر ثراءً لا يزيدون على 1% من سكان العالم .
كما أوضح د. ربيع أن الإحصاءات والمعلومات في الولايات المتحدة والعالم تشير إلى أن فجوات الدخل والثروة بين الأثرياء والفقراء بلغت أبعاداً غير مسبوقة، وتؤدي إلى الاستقطاب داخل المجتمعات من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهذا يعني أنه ليس من المتوقع أن يشهد المستقبل تجزئة المجتمعات المعرفية إلى فقراء وأثرياء فقط، وإنما أيضا إلى جهلة ومتعلمين، فالتعليم الجيد يقوم اليوم بتمكين المتعلمين من الحصول على وظائف مجزية، والعيش أحراراً في حياة ترف ومتعة وأمل، والاستحواذ على المزيد من المال كل يوم، وفي المقابل، يؤدي الجهل إلى الحرمان من إمكانية الحصول على فرص عمل تمكنهم من العيش حياة كريمة وتضمن لهم مستقبلا آمناً، وفيما يحرمهم هذا الحال من تسلق الهرم الاجتماعي، يحكم عليهم بالعيش غالبا حياة فـقر وبؤس وحرمان.
وقال د. ربيع: إن الاقتصاد المعرفي جاء في عالم عولمي لا تحده حدود سياسية أو جغرافية، الأمر الذي جعل احتياجاته المعرفية تفرض عليه أن يكون نُخبوياً إلى حد بعيد. كما أن تبلور العامل المعرفي ضمن هذا السياق جعل لديه حرية تامة في توظيف ما لديه من علوم وخبرات وأفكار ومواهب في أي مكان من العالم، سعياً لتحقيق أهداف مادية ومهنية، بعيداً عن الاعتبارات الدينية والقومية والثقافية التقليدية، وهذا مكن العامل المعرفي من اختصار فكرة العقيدة في حدود العلم، وتوسعة مفهوم القومية ليصبح عالمي الأبعاد يسمح له بالانتماء لأي بلد يفتح أمامه مجال العمل والتفوق، واعتناق فكرة السوق الحر كفضاء يتيح له استثمار حصيلة ما لديه من معارف ومواهب، الأمر الذي جعل العامل المعرفي نوعاً فريداً من البشر، يجمع بين حياة التجوال البدوية التقليدية والإنتاج الصناعية والمعرفة التكنولوجية، وفيما يتنقل العامل المعرفي هذا بين شركة وأخرى، وبلد وآخر، يتواجد بصورة دائمة في مجمتعات افتراضية تربطه بأمثاله من المعرفيين بروابط مهنية ومصلحية.