مرايا – عمل الأردن في العقدين الماضيين على تنمية وتطوير الموارد البشرية، والارتقاء بالتعليم بمختلف مستوياته، وتوفير إطار واضح لجميع القطاعات المعنية بالتعليم، بالرغم من “تحديات كبيرة” تواجه القطاع.

وتميزت تلك المرحلة بإدخال وتوظيف أدوات تقنية حديثة ضمن العملية التعليمية، وتدريب وتأهيل المعلمين والطلاب على استخدامها.

في آذار/مارس 2015، وجه جلالة الملك عبد الثاني رسالة إلى رئيس الوزراء آنذاك، عبدالله النسور، طلب فيها إعداد استراتيجية وطنية تنبثق عنها خطة لـ 10 أعوام تُعنى بتطوير قطاعات التعليم الأساسي والتعليم العالي والتعليم التقني والتدريب المهني.

وذكر الملك أن الحاجة أصبحت ملحة لتطوير استراتيجية شاملة لتنمية الموارد البشرية، تؤطر عمل القطاعات المعنية بالتعليم، وتنسجم مع مخرجات الرؤية الاقتصادية، والخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للتشغيل، والبناء على جهود ودراسات سابقة.

الملك طلب أن تتناول الاستراتيجية مرحلة الطفولة المبكرة، وصولاً إلى سوق العمل، وفق برامج وخطط قابلة للتطبيق، ومؤشرات قياس واضحة.

عادل الطويسي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق، قال لـ “المملكة” إن تلك “أول مرة تتشارك فيها قطاعات التعليم العام والتعليم العالي والعمل في إنتاج الموارد البشرية وتشغيلها”.

بناءً على رسالة الملك، شكل النسور في نيسان/أبريل 2015 اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشـرية برئاسة وجيه عويس، وهو وزير تعليم عالٍ أسبق.

بدورها، أنجزت اللجنة الاستراتيجية الوطنيــة لتنميــة المــوارد البشــرية 2016 – 2025.

اللجنة قالت، إن الاستراتيجية تسعى إلى التأكد من حصول الأطفال على تعليم مبكر عالي الجودة، وتجارب تسهم في الارتقاء بجاهزيتهم للالتحاق بمرحلة التعليم الأساسي بحلول عام 2025.

استراتيجية “واضحة”

وتهدف الاستراتيجية أيضا إلى ضمان حصول جميع الطلاب على “تعليم منصف ذي جودة عالية” يشمل طلاب المرحلتين الأساسية والثانوية، وتحقيق زيادة كبيرة في إعداد شباب يمتلكون مهارات فنية متوافقة مع احتياجات سوق العمل، وتمكينهم من الحصول على وظائف مناسبة تفتح المجال أمامهم للدخول في ريادة الأعمال.

الطويسي وصف الاستراتيجية بـ “الواضحة”، وقال إنها تتضمن مؤشرات أداء لكل مشروع، وهدف فيها تتابعها “بشكل حثيث الأجهزة المختصة في قطاع التعليم، لكن لا بد من الاعتراف بوجود معوقات أهمها العائق المالي”.

وأضاف: “لا بد من توفير المال حتى يستمر تنفيذ الاستراتيجية، وخصوصاً أن بعض المشاريع لم يبدأ تنفيذها لعدم وجود مال كاف”.

ذوقان عبيدات، خبير تربوي، وصف الاستراتيجية بأنها “عمل وطني”، وقال لـ “المملكة” إنها خطوة “على طريق الإصلاح والتغلب على المعوقات والتحديات”.

“الدولة بأعلى سلطاتها مهتمة بالعملية التعليمية،” يقول عبيدات.

التربوية وعضو اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية، هيفاء النجار، ترى في إطلاق الاستراتيجية “أملاً رغم ما أصاب التعليم من تراجع يدعو للقلق فرضته الظروف الاقتصادية الصعبة، والعوامل المحيطة”.

“الاستراتيجية وضعت خطة طريق لـ 10 سنوات، تحدد أنجح وأقصر الطرق لإصلاح التعليم وتطوير المنظومة، ووضعت إطار عمل لكافة القطاعات المعنية بالتعليم،” تقول النجار لـ “المملكة”.

وتضيف أن الاستراتيجية “تؤسس لمستقبل التعليم في الأردن بكل حلقاته وتشعباته”.

بالنسبة للطويسي، فتوقع أن تكون الأمور في عام 2025 “أفضل بكثير مما هي عليه الآن في حال استمرار تطبيق الاستراتيجية”.

“تحديات كبيرة”

الورقة النقاشية السابعة للملك في نيسان/أبريل 2017 حملت عنوان: “بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة”.

في تلك الورقة، رأى الملك أن الوصول إلى نظام تعليمي حديث، يشكل “مرتكزاً أساسيا في بناء مستقبل مزدهر”، لكنه أكد أهمية الاعتراف بالتحديات وبذل الجهود لتجاوزها، قائلا: “لا يمكننا في ظل هذا الواقع، أن نغفل عن التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم”.

وبين الملك أن بناء القدرات البشرية من خلال منظومة تعليمية سليمة وناجعة يتطلب استثمارا في التعليم، وتوفير بيئة حاضنة، وتأمين الضروريات.

ودعا المؤسسات التعليمية إلى استخدام أحدث الأساليب التعليمية، واعتماد مناهج دراسية تفتح أبواب التفكير العميق والناقد، وتشجع على طرح الأسئلة، وموازنة الآراء، وتعلم أَدب الاختلاف، وثقافة التنوع والحوار.

عبيدات قال إنه لمس “وجود حاجة للتفكير الناقد، والتحليل، والشك، وفحص المسلمات، وتعزيز المواطنة والهوية الوطنية والعربية، في المناهج الدراسية”.

“توجد حاجة للتحرر من قيود العملية التعليمية”، بحسب عبيدات، الذي أضاف: “ما نفعله الآن يحدد ما ستكون عليه عملية التعليم في 2025 عند انتهاء تطبيق الاستراتيجية”.

الأردن احتل المركز 43 عالمياً في مؤشر جودة النظام التعليمي في تقرير التنافسية العالمي 2017-2018 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

واحتل الأردن المركز 63 عالميا في مؤشر جودة المؤسسات البحثية في تقرير صدر عن المنتدى نفسه عام 2018.

الطويسي أوضح أن الملك أراد في ورقته النقاشية أن يواجه الأردن تلك التحديات “عبر إدخال التكنولوجيا في التعليم كونها أداة أساسية من أدوات العصر”.

أما النجار، فرأت أن التغيير “ليس مستحيلاً”، مضيفةً: “إصلاح التعليم أولوية وطنية، ومطلب شعبي، وهو استثمارنا الأكبر”.

أدوات تقنية

الطويسي أكد وجود تركيز على إدخال التكنولوجيا في التعليم العام والعالي، وأن الجامعات بدأت فعلا في إدخال الحواسيب والتكنولوجيا، وتتسابق في إنشاء مختبرات الحاسوب.

من جهته، أشار عبيدات إلى أن “الجميع (طلبة ومعلمين) في المدارس يستخدمون الحواسيب … لكنها أدوات يجب استخدامها بشكل يؤدي لنتائج إيجابية”.

وفقا لأرقام حكومية، بلغ عدد مختبرات الحاسوب في المدارس 210 مختبرات عام 1999، مقابل 4644 في 2019، فيما يغطي حاليا الإنترنت 91% من المدارس، مقابل 0% في 1999.

إنجازات

بلغ الإنفاق الحكومي على التعليم العام 251 مليون دينار في 1999، مقابل 918 مليونا في 2019.

“يؤمن الملك أن رأسمال الأردن الحقيقي هو الإنسان المنتمي المتعلم المنتج والمبدع، وأن نهضة الإنسان تعتمد عليه”، تقول النجار.

أما نسبة الالتحاق الإجمالي بالتعليم الأساسي فارتفعت من 93.3% في عام 1999، إلى 97.3% في 2019.

“حقق الأردن إنجازات إيجابية في العملية التربوية، خصوصاً بشكل كمي، ويبذل جهدا عظيما، لكن يجب أن تكون النتائج على مستوى هذا الجهد،” يقول عبيدات. “زادت أعداد الطلبة والمعلمين، ورياض الأطفال، ونسبة الالتحاق بها، وزاد الاهتمام بمناهج رياض الأطفال”.

نسبة الالتحاق الإجمالي في التعليم ما قبل المدرسي ارتفعت من 28% عام 1999، إلى 35.1 %في 2019.

النجار تتفق مع عبيدات، مشيرةً إلى إيعاز الملك باستحداث رياض الأطفال في المدارس، والتركيز على المناطق الأقل حظا تحقيقاً لمبدأ العدالة وتكافؤ الفرص.

عدد رياض الأطفال في 2018 وصل إلى 1786 روضة، مقابل 932 روضة في 1999.

في عام 2018، بلغ عدد المدارس في الأردن 7262، ووصل عدد الطلبة إلى 2.05 مليون طالب، في حين بلغ عدد المدرسين 132.9 ألف مدرس، وبلغت نسبة الطالبات من مجموع طلبة المدارس 49.5%، وفقاً لدائرة الإحصاءات العامة.

أما في عام 1999، فبلغ عدد المدارس 2025 مدرسة، وعدد الطلبة 1.38 مليون طالب وطالبة، وعدد المعلمين 63.89 ألف معلم ومعلمة.

في عام 2018، كان متوسط عدد الطلبة لكل شعبة 25.1 طالب/شعبة، ومتوسط عدد الطلبة لكل معلم 15.4 طالب/معلم، وكانت نسبة عدد المعلمات من مجموع الهيئة التدريسية 69.5%.

مبادرات

“الملك وضع التعليم وتطويره في مقدمة أولوياته … رؤية الأردن 2025 أكدت أهمية رفع سوية التعليم”، تقول النجار.

الملك أطلق مشروع “التطوير التربوي نحو الاقتصاد المعرفي”، الذي تناول سياسات واستراتيجيات وبرامج تعليمية، وتحسين البيئة المدرسية، واستخدام التكنولوجيا.

وظهرت مبادرات تربوية مثل مبادرة التعليم الأردنية وهي مؤسسة غير ربحية أنشئت عام 2003 من أجل الربط بين قوة التكنولوجيا واستراتيجيات التدريس الحديثة.

في عام 2013 أُسست مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية لتطوير حلول مبتكرة، واحتضان مبادرات جديدة ذات أثر على مخرجات التعليم، وتركز على منظور شمولي لمواطن القوة والضعف في النظام التعليمي بالاعتماد على الابتكار، وتسخير التكنولوجيا الحديثة.

المؤسسة أطلقت منصة إدراك، وهي أول منصة عربية غير ربحية تُقدِّم مساقات إلكترونية جماعية مفتوحة المصادر باستخدام تقنية إد إكس (edX) المبتكرة من قبل جامعة هارفرد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتمكنت من استقطاب أكثر من مليون متعلم خلال أقل من 3 سنوات.

إضافة إلى إنشاء جائزة الملكة رانيا العبد الله للتميز التربوي، أطلقت جلالة الملكة رانيا العبدالله عام 2008 مبادرة مدرستي بهدف تحسين البيئة المدرسية في 500 مدرسة حكومية ذات حاجة ماسة للتأهيل.

ومُنح أبناء المعلمين مكرمة ملكية بنسبة 5% من المقاعد الجامعية والمعاهد.

عبيدات وصف تأسيس نقابة للمعلمين بـ “الإنجاز”، فيما أشارت النجار إلى أن الملك أولى عناية لتوفير فرص عمل، والتركيز على مشروعات التدريب والتأهيل للحد من البطالة من خلال الاهتمام بالتعليم المهني.

الأردن أسس المجلس الوطني للتدريب المهني، ومشروع الشركة الأردنية للتشغيل والتدريب، وجامعة الحسين التقنية التابعة لمؤسسة ولي العهد “لإكساب الشباب الأردني “الخبرات المهنية اللازمة لاختراق سوق العمل الأردني والعربي والعالمي”، بحسب النجار، التي أشارت أيضا إلى تدريس اللغة الإنجليزية بدءاً من الصف الأول الأساسي.

التعليم العالي

شهد قطاع التعليم العالي خلال العقدين الماضيين تطوراً ونمواً تعكسه زيادة في عدد مؤسساته والطلبة المسجلين وأعضاء هيئة التدريس وأعضاء الهيئة الإدارية.

الإنفاق الحكومي على التعليم العالي بلغ 54.5 مليون دينار في 1999، مقابل 82 مليونا في 2019، فيما بلغ مقدار الدعم الحكومي للجامعات الرسمية خلال 20 عاما (1,160,106,636)، وفق وزير التعليم العالي والبحث العلمي وليد المعاني.

الطويسي بين وجود “إقلال في إنشاء الجامعات الرسمية والخاصة خلال العقدين الماضيين، ما يدلل على التركيز على النوع، وليس على الكم فقط”.

في عام 2018، بلغ عدد الجامعات الأردنية 36، وكليات المجتمع 41، فيما بلغ عدد أعضاء ھيئة التدريس في الجامعات الأردنية 10812 مدرسا ومدرسة، مقابل 1107 في كليات المجتمع.

الطلبة الملتحقون ببرنامج البكالوريوس كان عددهم 285.71 ألف طالب، مقابل 25.383 ألف طالب في برامج الدراسات العليا، وبلغ عدد طلبة كليات المجتمع 21.8 ألفا، وذلك في عام 2018.

بلغ عدد الطلبة من خريجي الجامعات الأردنية في العشرين سنة الأخيرة ما مجموعه (939,526 ) طالبا وطالبة.

“يوجد اهتمام ملكي مباشر في تنمية الموارد البشرية وتطبيق الاستراتيجية، إذ إن الملك يلتقي بالفريق المعني بتطبيق الاستراتيجية كل 4 أشهر … الدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي تتابع بشكل حثيث ما يُنجز في ملف التعليم العالي” وفق الطويسي. “الاهتمام بالملف من رأس الدولة يُعطيه زخماً وقوة”.

وخلال الـ 20 سنة الماضية، أعيد النظر في قانون الجامعات الرسمية والجامعات الخاصة وقانون التعليم العالي، وبعد صدور القانون الجديد للتعليم العالي والبحث العلمي رقم (17) لسنة 2018، وقانون الجامعات الأردنية رقم (18) لسنة 2018، والذي أصبحت بموجبه الجامعات تتمتع بمزيد من الاستقلالية في الشؤون الإدارية والمالية.

وأقر الطويسي بوجود تحديات، لكنه أوضح أن مجلس التعليم العالي “ليس بغافل عنها، ويتعامل معها … تحدي التعليم التقني، وعدم الإقبال عليه هو الأهم”.

“نجاح باهر”

شملت الاستراتيجية مشاريع عدة لتشجيع الطلبة على التعليم التقني العالي بعد الثانوية، وتولت جامعة البلقاء التطبيقية هذا الملف “ونجحت في زيادة الإقبال على التعليم التقني بنسبة 300%، خلال آخر 3 سنوات” وفقاً للوزير الأسبق الذي قال، إن هذا “نجاح باهر”.

الاستراتيجية نصت على إنهاء القبول في البرنامج الموازي مع نهايتها، وهو الملف الذي اعتبره الطويسي “شائكاً”، قائلاً: “إنه الملف الوحيد الذي لم نستطع التعامل معه؛ كونه يتعلق بإيرادات الجامعات الرسمية، في ظل غياب دعم حكومي كامل لها والذي بدونه لا يمكنها من الوقوف على أقدامها”.

“في محور المدخلات أدخلنا التكنولوجيا في محور العمليات وفي أساليب التدريس عن بعد، ويوجد في كل جامعة مركز لتكنولوجيا التعليم” يقول الطويسي.

وفي محور المخرجات، قامت هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي “بخطوات لضبط المخرجات في إطار المواءمة بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات السوق، سواء المحلي أو الخارجي”، بحسب الطويسي.

“ننتج موارد بشرية للسوق المحلي والخارجي، إذ إن الموارد البشرية الأردنية أثبتت نفسها في دول العالم”.

وأشار لبروز موضوع التخصصات الراكدة والمشبعة، وقال إن الاستراتيجية ركزت على زيادة أعداد الطلبة الوافدين في الجامعات.

ويدرس في الأردن أكثر من 42 ألف طالب من دول عربية وأجنبية، وفقاً لوزارة التعليم العالي.

المملكة