مرايا – قال القائم بأعمال السفارة السورية في عمّان أيمن علوش اليوم السبت، إن عمّان تعاني كما تعاني دمشق؛ فإن كانت سوريا قد استُهدفت عسكرياً، فإن الأردن مستهدفٌ اقتصادياً.
وتطرق علوش في لقاء صحفي مع موقع “الأخبار” اللبناني، إلى ملفات كثيرة بين الأردن وسوريا تثار بين حين وآخر، منها ما يتعلق بالسجناء الأردنيين في السجون السورية، والمياه، وخيم الركبان.
وتالياً نص المقابلة:
من الذي بادر إلى فتح صفحة جديدة: عمّان أم دمشق؟
ليس المهم من يبادر إلى فتح الصفحة، وليس لدى دمشق ما يمنعها من أن تبادر إذا وجدت أن ذلك استراتيجيّ لمصلحة الشعبين ضد عدوّ يعتدي على تاريخنا وجغرافيتنا وعروبتنا وثقافتنا وديننا. حتى عن دور الأردن في المرحلة السابقة، أجاب السيد الرئيس بشار الأسد عن ذلك بقوله للوفد البرلماني (الأردني) الذي زار سوريا برئاسة عبد الكريم الدغمي ، بأن دمشق لا تنظر إلى الخلف، وأننا نتمنى أن تستثمر جميع الدول العربية انتصارات سوريا بما يعيدها إلى محور الكرامة.
هل العلاقات بين البلدين تخضع للتجاذب الروسي ــــ الأميركي؟
لم تتعوّد سوريا تلقي أوامر من أي طرف. خضنا هذه الحرب الشرسة لأننا أحرار ونرفض إملاءات الآخرين، ناهيك عن أن الحليف الروسي أداة خيّرة لا تعمل بالإملاءات لتفرض انفتاحاً أو انغلاقاً على طرف أو آخر. أما الولايات المتحدة، فهي تمارس ضغوطاً على معظم الدول العربية لمنعها من الانفتاح على سوريا.
لاحظنا نشاطها عندما أبدى عدد من الدول رغبتها في عودة العلاقات، وكذلك قبل انعقاد القمّة العربية الأخيرة، وأيضاً في زيارات الملحق التجاري الأميركي للمنشآت الاقتصادية والتجارية الأردنية وتهديده كل من يتعامل مع دمشق.
ما الذي يؤخر تسمية السفراء؟
لا يوجد ما يمنع التمثيل الدبلوماسي على أعلى مستوى إلا ضغوط الدول التي لا تريد أن ترى العلاقة بيننا في أحسن أحوالها، وهذا جزء من المؤامرة، ليس على سوريا فقط وإنما على الأردن.
بعد التنسيق العالي مع الأردن إبّان معركة الجنوب، لماذا تعلو النبرة الحادة (وأحياناً التحريض) من جديد تجاه سوريا في الصحافة الأردنية؟
للدول المتآمرة جماعاتها في الداخل الأردني، ومن الطبيعي أن يرتفع صوتهم ضد أي خطوة نحو الأمام في العلاقات. دورهم خدمة مشغّليهم، لا مصالح شعبهم ووطنهم. هم أشخاص مأجورون ويعملون تحت سلطة دولار البترول.
كيف تقرأ مستقبل العلاقات، وخاصة أن حلفاء سوريا هم أعداء حليف الأردن (الولايات المتحدة)؟
هذا يرتبط بالطريقة التي يرى فيها الأردن مصالحه. هل أثبت حلفاء الأردن أنهم حريصون عليه؟ أقلام كثيرة كتبت أخيراً أن حلفاء عمّان قد تخلّوا عنها، وهذا يعني أنهم ينظرون إليها كأداة لتحقيق أهدافهم، وعلى الأخص أمن إسرائيل و«صفقة القرن». هذا بالتأكيد ما لا يمكن أن يرضاه الأردن والشعب الأردني الحريص على علاقات جيدة.
في التعليقات الأردنية في شأن مخيم الركبان، يغيب الحديث عن الطرف السوري تماماً. تطلب المملكة دوماً اجتماعاً ثلاثياً مع موسكو وواشنطن. لماذا؟
ما يعطّل الحل في «الركبان» دعم الولايات المتّحدة لفصيل «مغاوير الثورة» في المخيم، وترهيب الأخير سكان المخيم كي لا يعودوا إلى سوريا. لقد استطعنا أخيراً تسوية أوضاع كثيرين من هناك، وعادوا آمنين إلى بلداتهم. لكن السياسات الأميركية عبر عملائها لا تزال عائقاً أمام حل كامل لهذه المأساة.
إن كانت سوريا قد استُهدفت عسكرياً، فإن الأردن مستهدفٌ اقتصادياً.
تقول الحكومة الأردنية إن عدد اللاجئين السوريين 1.36 مليون، منهم 90% خارج المخيمات. وتقول «المفوضية السامية» إنهم نحو 670 ألفاً؟ هل لديكم إحصاءات دقيقة؟
الأرقام التي تطرحها الحكومة الأردنية غير دقيقة، فهي في ذروتها لم تتجاوز 630 ألف لاجئ سوري، وهذا الرقم تناقص بعد مغادرة الكثير إلى دول أخرى، وعودة عدد كبير إلى وطنهم بعد استقرار الجنوب. توجد دوافع مختلفة لهذه الأرقام، لكنها لا تعكس حقيقة اللجوء السوري في المملكة. (أصلاً) اللاجئ السوري كان قيمة مضافة ليس في الأردن فقط، بل في الدول كافة التي ذهب إليها، ويؤسفنا أن الغرب تحدّث عنه كذلك، في حين أن الدول العربية أدخلته في تناحراتها السياسية ومشكلاتها الاقتصادية. المقارنة بين استقبال سوريا الإخوة العرب، من فلسطينيين وعراقيين ولبنانيين، وبين استقبال العرب اللاجئ السوري خلال الأزمة، تظهر الفرق.
كيف تقيّمون عودة اللاجئين من الأردن الذي يؤكد أنه لن يضغط عليهم ليعودوا، بل استعدّ للتعامل مع مقترحات دولية لدمجهم في سوق العمل؟ هل يوجد تنسيق مباشر لضمان عودتهم بسلام، وخاصة أن العائدين منذ فتح الحدود العام الماضي نحو 18 ألفاً فقط؟
الدول المتآمرة تريد الاستثمار باللاجئ السوري وتعطيل عودته بطرق مختلفة، منها مثلاً السماح للاجئين في المخيمات بالخروج منها والحصول على تراخيص عمل بعد ما يزيد على سبع سنوات من حرمانهم ذلك، بل بعد تحرّر مناطقهم في الجنوب السوري. هذه العملية تستهدف سوريا والأردن معاً، وتريد تعطيل عودة الحياة الطبيعية إلى الأولى، وكذلك زيادة الأعباء الاقتصادية على الثانية، مع تراجع المجتمع الدولي عن واجباته في تعويض المملكة.
ما سبب الضجة حول المعتقلين والسجناء الأردنيين في سوريا بعد فتح الحدود؟
الغرض هو التغطية على تهديدات الملحق التجاري الأميركي، ولإظهار أن العلاقات مع دمشق تتأثر بهذه التوقيفات وليس بسبب تهديدات الملحق. للتوضيح، هناك الكثير من الموقوفين السوريين في السجون الأردنية، ولكن دمشق لا تتعامل مع هذا الموضوع عبر الإعلام، مع أن لنا هواجس أمنية بعد ثماني سنوات من الحرب، وما دخل إلى البلد من جماعات إرهابية من كلّ صوب. الأرقام الأردنية نفسها تشير إلى أن عدداً كبيراً من الأردنيين انضموا إلى الجماعات الإرهابية. طبيعي في هذا الواقع أن تكون لسوريا اعتباراتها الأمنية، وهي تصبّ في أمن البلدين واستقرارهما.
كان هناك تعبير أردني واضح عن النية لانفتاح اقتصادي وتجاري كبير مع سوريا، ثم فرضت قيود جديدة بعد التصريحات الأميركية…
ستتحسن العلاقات الاقتصادية والتجارية عندما يتخذ الأردن القرار بذلك. نحن منفتحون إلى أقصى الدرجات، ونؤمن بأن العلاقات بيننا حقيقة تاريخية وجغرافية، ولا يمكن لسايكس ــــ بيكو أو أي إرادة خارجية أن تقف ضد مصالحنا وأمانينا. هناك بالتأكيد بعض المعوّقات التي يمكن تذليلها بسرعة عند وجود الإرادة السياسية.
تأمل عمّان أن يكون لها دور في إعادة الإعمار، هل هناك ترتيبات مع الحكومة السورية؟
الأمر ليس قراراً أردنياً خالصاً بسبب الضغوط من الدول التي لا تريد لبلدينا الخير. لقد أثبتت الولايات المتّحدة أنها ليست عدوة لسوريا فقط، بل للشعوب العربية، وكوارثها في المنطقة تتحدّث عنها. يكفي أن نذكّر بتدمير العراق. نحن نرى الوجه الحقيقي لواشنطن ونتمنى من الآخرين أن يروه كذلك.
من الملفات الأكثر سخونة، المياه، وخاصة قضية سد الوحدة الذي كان من أسباب تأزم العلاقات سابقاً. هل هناك جديد؟
نحن، في سوريا، لا نشعر بعذوبة المياه إذا كان إخوتنا العرب ظمئين. فكيف الحال مع الأردن الشقيق والجار الذي نشترك معه بموارد طبيعية؟ سوريا لم تقصّر مع الأردن في السنوات العجاف بالمحاصيل الزراعية، فكيف يمكن أن تقصّر معه في المياه، أو أن تنقض عليه حقوقه في هذا المجال.
تبدو علاقة مجلس النواب الأردني مع دمشق أدفأ من علاقة الحكومة. تجلّى ذلك في الموقف الصريح لبعض النواب ووساطتهم في قضايا منها مسألة السجناء. كيف ترون ذلك؟
هذا يعكس وجهين. الأول في اتجاه الأردن الرسمي للتعبير عن مشاعره الحقيقية تجاه سوريا عبر ممثلي الشعب. كما نعلم، مجالس النواب في كثير من الدول ليست إرادة شعبية كاملة، وما تعجز الحكومات عن قوله يمكن أن يمرّ عن طريق البرلمانات. الوجه الثاني أن المشكلة مع سوريا ليست مشكلة شعوب. البيان الختامي لـ«مؤتمر البرلمانيين العرب» الذي عُقد في المملكة وحضرتُهُ دولٌ تآمرت أنظمتها بوضوح علينا يظهر موقف ممثلي الشعوب من المحتل الإسرائيلي والتعامل مع العدو، في الوقت الذي تمارس فيه أنظمة بعض هذه الدول التعرّي السياسي والأخلاقي أمام إسرائيل.
بعيداً عن المجاملات الدبلوماسية، ما المأمول من عمّان؟
تعاني عمّان كما تعاني دمشق. إن كانت سوريا قد استُهدفت عسكرياً، فإن الأردن مستهدفٌ اقتصادياً. عدونا مشترك وهو لا يريد الخير للبلدين. نعتقد أن الإرادة الشعبية يجب أن تقول كلمتها، وهي أن «سايكس بيكو» لا يمكن أن يحول دون ما يجمعنا، كما أن وعد بلفور لا يمكن أن يؤسّس لدول ويلغي دولاً وشعوباً. مصالحنا مشتركة، ويجب ألا نسمح للآخرين بأن يعبثوا بإرادتنا وسيادتنا.