مرايا – قالت جمعية معهد تضامن النساء الأردني تضامن ان الاردن سجل خلال آخر خمس سنوات في الأردن (2014-2018) 605 حالات إنتحار تام .
وبينت تضامن ان الاردن سجل 100 حالة انتحار عام 2014، و 113 حالة عام 2015، و 120 حالة عام 2016، و 130 حالة عام 2017، الى جانب تسجيل 142 حالة عام 2018.
واعتبر التقرير ان صمت النساء المعنفات قد يؤدي الى الإنتحار أو محاولة الإنتحار، وان أسوأ حالات الإكتئاب قد تفضي الى الإنتحار أو محاولة الإنتحار.
ويشير التقرير الى ان الإناث يشكلن حوالي 30% من حالات الإنتحار و 62% من محاولات الإنتحار.
في يلي نص التقرير الكامل لتضامن كما ورد خبرني :
تعاني العديد من النساء المعنفات في الأردن من إضطرابات نفسية وخاصة الإكتئاب، مما يدفعهن الى التفكير في الإنتحار أو محاولة الإنتحار خاصة وأن أغلبهن لا يبحن بمعاناتهن جراء العنف وتسيطر عليهن ثقافة الصمت، كما أن معظمهن لا يملكن الخيارات ولا تتاح أمامهن فرص للنجاة من العنف لأسباب جذرية من بينها الصور والقوالب النمطية عن أدوار كل من الذكور والإناث، وإنعدام أو ضعف إستقلالهن المالي بسبب العنف الاقتصادي، وتسامح وتغاضي المجتمع مع مرتكبي العنف ضدهن مما يؤدي الى إفلاتهم من العقاب.
وتضيف جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” بأنه تقع حالة إنتحار واحدة في العالم كل 40 ثانية، وهو موجود في مختلف دول العالم ولكنه أكثر إنتشاراً في الدول ذات الدخل المتدني أو المتوسط، ويحدث في مختلف المراحل العمرية وبين الجنسين حيث تكون نسبة الإناث المنتحرات في بعض الدول أعلى من نسبة الذكور.
ففي الدول الغنية يمثل عدد الذكور المنتحرين ثلاثة أضعاف النساء المنتحرات وتنخفض النسبة في الدول المتوسطة والمتدنية الدخل الى النصف، فيما تشكل حالات الإنتحار 50% من جميع الوفيات الناجمة عن العنف ضد الذكور، بينما تشكل 71% من جميع الوفيات الناجمة عن العنف ضد النساء. كما أن إلغاء العديد من الدول لتجريم الإنتحار ساعد في نجاة العديد منهم لطلبهم المساعدة دون خوف.
وتختلف معدلات محاولات الإنتحار بين الذكور والإناث ما بين الدول، وبشكل عام فإن معدل إنتشار محاولات الإنتحار المبلغ عنها لمن هم فوق 18 عاماً ذكوراً وإناثاً هي 4 لكل 1000 نسمة في جميع الدول. وبمقارنة ذلك مع حالات الإنتحار الكاملة لمن هم فوق 18 عاماً، نجد بأن مقابل كل حالة إنتحار واحدة هنالك 20 محاولة إنتحار.
وفي الأردن، أصبح موضوع الإنتحار ومحاولاته خاصة بين الإناث قضية ذات أهمية بالغة بعد الإرتفاع المستمر في عدد الحالات خلال السبع سنوات الماضية (2012-2018). والإناث يشكلن حوالي 30% من حالات الإنتحار و 62% من محاولات الإنتحار.
الانتحار في الأردن بإرتفاع مستمر خلال آخر خمس سنوات
فقد أظهر التقرير الإحصائي السنوي لعام 2018 والصادر عن دائرة الإحصاءات العامة، الزيادة المستمرة في حالات الانتحار التام في الأردن خلال السنوات الماضية، حيث وصلت حالات الانتحار التام الى 142 حالة خلال عام 2018 وبنسبة إرتفاع بلغت 9.2% مقارنة مع عام 2017.
وتشير “تضامن” الى وقوع 605 حالات إنتحار تام خلال آخر خمس سنوات في الأردن (2014-2018) حيث سجل 100 حالة انتحار عام 2014، و 113 حالة عام 2015، و 120 حالة عام 2016، و 130 حالة عام 2017، الى جانب تسجيل 142 حالة عام 2018.
العنف والإعتداءات الجنسية تدفع بالعديد من النساء الى الانتحار أو محاولة الانتحار (قصص حقيقية)
إيمان (إسم مستعار) إمرأة متزوجة وحامل في الثلاثنيات من عمرها وتعمل براتب شهري يقل عن 200 دينار، يتيمة الأب ووالدتها طاعنة في السن، ولديها شقيقان وتسع شقيقات جميعهم متزوجون وأكبر منها عمراً.
وتروي قصتها فتقول :” إن علاقتي بوالدتي وأخواتي جيدة، أما علاقتي بأخي الأكبر سيئة جداً بسبب تسلطه وظلمه، وتركت المدرسة وأنا بالصف العاشر على الرغم من مستواي العلمي الجيد، إلا أنني وبسبب الظلم وسوء المعاملة وتعرضي للضرب الشديد من قبل أخي تركت المدرسة.” وتكمل فتقول :”أصبحت زوجة أخي تحرضه ضدي وتتهمني بشرفي، فقام أخي بضربي ضرباً مبرحاً وربطني بالجنزير وحبسني بغرفة مغلقة، وعندما كانوا يدخلون الطعام لي كان يفكون الجنزير من يد واحدة ويتركون يدي الأخرى مربوطة، وبقيت على هذا الحال لمدة ستة أشهر، حيث ساء وضعي النفسي، ولا يستطع أي من شقيقاتي أو أخي الآخر إقناعه بتركي، حتى أن والدتي لم تستطع إقناعه.”
وفي ظل هذا الوضع تقول إيمان :” خططت أن أنتحر لكي أتخلص من هذه الحياة، وأحضرت شفرة من درج الغرفة، وشًرحت يدي، ولم يحصل لي أي شيء، فقمت بإحضار 155 حبة دواء من أدوية والدتي الموجودة في الغرفة التي أنا محبوسة فيها وشربتها جميعها، بعدها أصابني دوار وإستفرغت الأدوية، ولم يعلم بذلك أحد سوى والدتي التي قامت بتوبيخي ولم أراجع المستشفى.”
أما رانيا (إسم مستعار) فهي سيدة “مطلقة” بدون أبناء، وتعمل بشكل متقطع، في منتصف العشرينات من عمرها حاولت الإنتحار لأكثر من مرة بسبب إعتداءات جنسية من قبل والدها. وتقول قصتها بالتفصيل :” عشت حياة أسرية مفككة حيث أن والدي منفصلين منذ أن كان عمري سنتين، ولدي أخت واحدة وأخ واحد من والدتي، وأخت واحدة وأخين من والدي. وبسبب تدني مستواي التعليمي فقد خرجت من المدرسة منذ الصف الأول ثانوي.”
وتكمل رانيا :”تعرضت لتحرش جنسي من قبل والدي أكثر من مرة، وعندما أخبرت والدتي بالأمر طلبت مني السكوت وعدم إخبار أحد، ومنذ ذلك الحين أصبحت نفسيتي سيئة جداً، وإستمر تحرش والدي بي مما دفعني الى التفكير بالإنتحار للتخلص من هذه الحياة، حيث قمت بشرب كمية من الأدوية لا أعرف ما هي بالضبط، إلا أنني إستفرغتها وشعرت بدوخة. وعرف والدي بذلك إلا أنه لم يكترث، فكررت محاولات الإنتحار لعدة مرات إلا أنني لم أنجح في إنهاء حياتي.”
وتبين من خلال المقابلة بأنها قامت بالتفكير والتخطيط للإنتحار أكثر من مرة، ولم تخبر أحداً عن نواياها. وحول الأسباب وراء ذلك تقول :”ضغوطات الحياة وعدم الرضا عن حياتي التي أعيشها، وكلما أتذكر تحرشات والدي أكره نفسي وأكره الحياة.” وتقول بأنها كانت تصاب بحالة نفسية أسوأ كلما أقدمت على الإنتحار دون أن تنتهي حياتها، وبعد آخر محاولة تم تحويلها لإدارة حماية الأسرة وقامت بعرضها على طبيب نفسي.
يشار الى أنه تم مقابلة هذه الحالات ضمن دراسة “الانتحار بين الإناث” والتي نفذتها “تضامن” عام 2018.
أسباب ودوافع الانتحار
يتبادر دائماً الى الذهن عدة أسئلة ذات علاقة بالإنتحار، لماذا يقدم الأشخاص على الإنتحار؟ وما هي الدوافع؟ وهل نحن أمام ظروف قاهرة تجعل من قتل النفس حلاً لا بديل عنه؟ وهل أسباب إنتحار الإناث ومحاولات الإنتحار هي نفس أسباب إنتحار ومحاولات إنتحار الذكور؟ ولماذا يقدم الشبان والشابات على الإنتحار؟
إن الإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها سيقودنا بكل تأكيد الى أسباب ودوافع معينة منها المعاناة من الفقر والبطالة، والإضطرابات والأمراض النفسية، والمخدرات. لكن الواقع أن علاقة قوية جداً تربط ما بين إنتحار الإناث ومحاولات الإنتحار بينهن وبين العنف والتمييز وعدم المساواة بين الجنسين .
عالمياً فإن عدم وصول الأشخاص خاصة النساء والفتيات الى الموارد والخدمات الصحية أو حتى الوصول الضعيف اليها، يتعبر بيئة خصبة لتنامي الرغبة بالإنتحار. كما وتعاني النساء بشكل خاص من ظاهرة الإنتحار عندما ترتفع مستويات التمييز والعنف وعدم المساواة بين الجنسين في الدول التي ينتمين اليها، كما وتؤدي الإحباطات الناجمة عن تراكم وتزايد الشعور بالتهميش والعزلة الى التفكير بالإنتحار ومحاولة تنفيذه مرة تلو الأخرى.
ويعتبر من الوسائل الناجحة في الحد من حالات الإنتحار التقليل من المواد والأدوات الأكثر شيوعاً وإنتشاراً في تنفيذ الإنتحار كالمبيدات الحشرية والأسلحة النارية والوصول الى الأماكن المرتفعة أو الجسور. كما أن الإنتحار لا يرتبط دائماً بعموامل نفسية أو مرضية، وإنما قد يحدث لأشخاص يتمتعون بصحة نفسية جيدة.
وصنفت إدارة المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام (وهي الجهة الوحيدة في الأردن التي تمتلك معلومات تفصيلية) أسباب ودوافع الإنتحار ومحاولات الإنتحار ضمن 10 تصنيفات مختلفة ، وهي أسباب عاطفية، أسباب مالية، الفشل والاحباط، أسباب أخلاقية، خلافات عائلية، أمراض ومشاكل نفسية، خلافات شخصية، أسباب إنسانية، أسباب أخرى، وأسباب مجهولة.
إلا أن تلك التصنيفات قد تتداخل فيما بينها، وبعضها قد لا يكون معبراً عن الأسباب الحقيقية للإنتحار. فمثلاً هنالك تصنيف “خلافات شخصية” وتصنيف “خلافات عائلية” وتصنيف “أمراض ومشاكل نفسية”، فتحت أي تصنيف سيكون حال من تُقدم على الإنتحار من الإناث بسبب إعتداء أحد أفراد الأسرة عليها جنسياً، ودخولها في حالة نفسية سيئة، وهي دائمة الخلاف مع من إعتدى عليها؟.
لا بل أكثر من ذلك فإن هذه التصنيفات لا تبين وبشكل واضح حالات الإنتحار أو محاولات الإنتحار بين الإناث الناتجة عن العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهي بالتالي ستؤدي حتماً الى إتخاذ إجراءات وقاية وحماية وحتى إجراءات علاجية وتأهيلية لا تنصب على الأسباب الحقيقية للإنتحار ومحاولاته. ولا تظهر الأرقام الواردة من إدارة المعلومات الجنائية “الدوافع” مفصلة حسب الجنس، وإنما تشمل الجنسين الذكور والإناث.
أسوأ أنواع الإكتئاب يفضي الى الإنتحار أو محاولة الإنتحار
وأكدت المنظمة الدولية على أن الإكتئاب مرض قد يصيب أي إنسان ويسبب له آلاماً نفسية تؤثر سلباً في قدرته على آداء مهامه اليومية، وقد يترك آثاراً مدمرة على علاقاته بأسرته وأصدقاءه ومعارفه وزملائه، وفي أسوأ حالاته قد يفضي الى الإنتحار. كما أن النساء يتأثرن بشكل أكبر بالإكتئاب مقارنة بالرجال، كما ويعتبر السبب الرئيسي لحالات العجز في جميع أنحاء العالم، إلا أنه وفي مقابل ذلك يعتبر الإكتئاب مرض يمكن معالجته والشفاء منه بسبب توافر العديد من وسائل العلاج الفعالة.
وتضيف “تضامن” بأنه وعلى الرغم من وجود وسائل فعالة لعلاج مرض الإكتئاب، إلا أن عوامل عديدة تساهم في عدم حصول أكثر من نصف المرضى على العلاج المناسب، ومنها نقص الموارد الذي يؤدي الى عدم الحصول على الرعاية الفعالة، وقلة أعداد الأشخاص المؤهلين والمدربين لتقديم هذه الخدمات، والوصمة الاجتماعية المرتبطة بالإضطرابات النفسية التي تطال كل من الذكور والإناث. فيما يحول التشخيص غير الصحيح لمن يعانون من الإكتئاب الى عدم تلقيهم العلاج المناسب وفي الوقت المناسب.