مرايا – أشاد المرصد العمالي الأردني، التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعديلات التي أقرها مجلس الوزراء، في نيسان/ ابريل الماضي على مشروع قانون معدل لقانون الاتجار بالبشر لسنة 2019.
وأشار التقرير أن أبرز ملامح التعديلات على القانون تغليظ العقوبات على مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر، فضلا عن اعتبار التسول أحد اشكال جريمة الاتجار بالبشر كونه أحد أنواع الاستغلال.
وطالب المرصد العمالي الأردني بضرورة اجراء المزيد من التعديلات على نسخة القانون الجديدة، المنتظر مناقشتها في مجلس الامة، مثل تعديل اسم القانون ليضم مكافحة هذه الجريمة وليس فقط منعها، وكذلك تضمين القانون تعريفا للعمل الجبري أو القسري حيث يخلو القانون وتعديلاته من أي ذكر له.
وقال المرصد العمالي، في بيان صدر عنه اليوم الثلاثاء، بمناسبة اليوم الدولي للمهاجرين الذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام، ان الأردن خطى خطوات هامة في مجال محاربة جريمة الاتجار بالبشر، اولها كان عام 2009 عندما أصدر أول قانون وطني خاص بمنع الاتجار بالبشر، استكمالا لتصديقه وانضمامه الى العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات العلاقة، والتزاما بتطبيق ما جاء في قانون منع الاتجار بالبشر لعام 2009 تبع إصداره تشكيل اللجنة الوطنية لمنع الإتجار بالبشر التي أعلنت عن استراتيجيتها الوطنية عام؛ 2010 ومن ثم صدر نظام دور الإيواء عام 2012، وبعدها بعام تشكلت وحدة مكافحة الاتجار بالبشر بالتعاون ما بين وزارة العمل ومديرية الأمن العام.
وأكد بيان المرصد انه فيما يمكن اعتبار كل هذه الخطوات تصب في مجال المكافحة الفعلية لجرائم الاتجار بالبشر، إلا أن تقييم تجربة الأردن على أرض الواقع ومدى نجاحها عمليا في ذلك، يحتاج الى نظرة تحليلية لكافة مفاصل هذه المراحل، بدءًا من الملاحظات على قانون منع الاتجار بنسخته الأولى الصادرة عام 2009 ومن ثم نسخته المحدثة لعام 2019 التي اقرها وأرسلها مجلس الوزراء الى البرلمان في اذار “مارس” من عام 2019، والتي وإن شملت تعديلاتها توسعا في تعريف جريمة الاتجار بالبشر، لتشمل التسول أيضا، إلا أنها غفلت عن تعريفات أخرى من المفترض ان يحددها القانون مثل السخرة، والرق والتي يمكن ان تشكل مؤشرات على تعرض الضحايا للاتجار بالبشر.
وشرح التقرير انه تم تعديل الفقرة (ب) من المادة الثالثة التي كانت تنص على”ﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ (ﺃ) ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﺗﻌﻨﻲ ﻛﻠﻤﺔ (ﺍﻻﺳﺘﻐﻼﻝ) ﺍﺳﺘﻐﻼﻝ ﺍﻻﺷﺨﺎﺹ ﻓﻲ العمل ﺑﺎﻟﺴﺨﺮﺓ ﺍﻭ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻗﺴﺮﺍ أﻭ ﺍﻻﺳﺘﺮﻗﺎﻕ اﻭ ﺍﻻﺳﺘﻌﺒﺎﺩ ﺍﻭ ﻧﺰﻉ ﺍﻻﻋﻀﺎء أﻭ في الدعارة أﻭ أﻱ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎﻝ ﺍﻻﺳﺘﻐﻼﻝ ﺍﻟﺠﻨﺴﻲ.” بإضافة كلمة “التسول” بعد كلمة الدعارة، وهو تعديل مهم، وهو تعديل ايجابي كون التسول يعتبر شكل من أشكال الاتجار بالبشر عندما يقوم بفعل التسول الأحداث والأطفال حيث عادة ما يتم إرغامهم على هذا الفعل من قبل الأهالي أو غيرهم، ولأن نسخة القانون المعمول به حاليا لم تضم التسول، كان من الصعب أن يستفيد ضحايا التسول من الأطفال والاحداث من الخدمات التي تقدمها الدولة لضحايا الاتجار بالبشر مثل تحويلهم الى دار “كرامة” التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، والتي تم افتتاحها في رسميا عام 2017 والموجودة استنادا إلى المادة السابعة من قانون منع الاتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009، وذلك لإيواء المجني عليهم والمتضررين من جرائم الاتجار بالبشر، وتقديم برامج التعافي الجسدي والنفسي والاجتماعي بالتعاون مع الجهات الشريكة. وغلظت النسخة الجديدة المقترحة من القانون، العقوبات على مرتكبي جريمة الاتجار بالبشر، بحال كانت الضحية من الفئات المهمشة سواء طفل، امرأة أو ذوي إعاقة.
واشاد المرصد العمالي بتضمين تعديلات القانون الجديدة لحقوق جديدة لم تتضمنها النسخة القديمة، من القانون مثل الإقامة المؤقتة في المملكة إلى حين استكمال الإجراءات الضرورية للتحقيق والمحاكمة، والحصول على المساعدة القانونية اللازمة، توفير الترجمة المناسبة، توفير السبل المشروعة للحصول على التعويض العادل لجبر الضرر المادي والمعنوي وفقاً لأحكام القانون، والالتزام بسرية المعلومات ذات الصلة بجريمة الاتجار بالبشر في حدود القانون، وتوفير أماكن مناسبة لإيوائه ومن يلزم من ذويه، وتوفير الحماية الأمنية اللازمة له ولذويه بما يضمن عدم التأثير عليه مادياً أو معنوياً، بالإضافة الى تأمين الاتصال بذويه ان وجدوا او سفارة الدولة التي يحمل جنسيتها.
ومن أهم التعديلات النسخة المقترحة 2019 لقانون منع الاتجار بالبشر استحداث مادة جديدة تنص على إنشاء وزارة العدل لصندوق يسمى “صندوق مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر” يتولى تقديم المساعدات اللازمة للمجني عليهم والمتضررين من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، حيث تتكون الموارد المالية للصندوق من التبرعات والمنح والهبات وأي مساعدات ترد إليه شريطة موافقة مجلس الوزراء عليها إذا كانت من مصدر غير أردني، وتحدد إدارة الصندوق أوجه الانفاق منه وجميع الشؤون المتعلقة به بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية.
لكن المرصد العمالي انتقد في الوقت الذي تكررت مطالب محلية ومدنية للاردن بتعديل أسم القانون بحيث يضم “مكافحة” وليس فقط “منع” جريمة الاتجار بالبشر، الا ان نسختي القانون، المعمول بها حاليا والمقترحة التي تنتظر مناقشتها وإقرارها من قبل البرلمان، انحصرت ب “منع ” الجريمة، رغم ان مواد القانون تضمنت إشارات تؤكد سيره باتجاه مكافحة الجريمة، حيث يعتبر مفهوم المكافحة اشمل وأعم وينطوي تحته مفهوم المنع، وكذلك استخدام مصطلح المكافحة يتوائم اكثر مع الاتفاقيات التي صادق عليها الأردن في هذا المجال مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجریمة عبر الوطنية لعام 2000، وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال المكمل للاتفاقية، وبروتوكول مكافحة تهریب المهاجرین عن طریق البر والبحر والجو المكملة لها، واتفاقية مناهضة التعذیب وغیرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهینة”، التي صادق الأردن عليها عام 1991 و”لاتفاقية الخاصة بالرق، و”الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق”، التي تدعو الدول الأطراف إلى اتخاذ كافة التدابير التشريعية وغير التشريعية للوصول إلى إبطال الأعراف والممارسات الشبيهة بالرق مثل العبودية والسخرة وغيره.
وبين التقرير أنه رغم ان العمل الجبري أو القسري هو صورة من صور الاتجار بالبشر، حيث ورد تعريف العمل الجبري في اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بالسخرة والعمل الجبري رقم 29 لسنة 1930، التي تعرفه على أنه “جميع الأعمال أو الخدمات التي تُفرض عنوة على أي شخص تحت التهديد بأي عقاب، والتي لا يكون هذا الشخص قد تطوع بأدائها بمحض اختياره” الا ان لم يرد أي ذكر للعمل الجبري في نسختي قانون منع الاتجار بالبشر الأردني، ما أوجد تعقيدات في تطبيق القانون في المحاكم، ودفع المدعون العامون والقضاة ووحدة مكافحة الاتجار بالبشر، تم تحويلها للوحدة من منظمات المجتمع المدني او بمراجعة الضحايا للوحدة تضمنت شبهة اتجار بالبشر، الى تكييف غالبية القضايا على انها قضايا عمالية، وما يؤكد ذلك تحقيق الوحدة ب (193) قضية عام 2018، وعند تحويلها للمحاكم كيفت 15 منها فقط بوصفها “اتجارا”، في حين كيفت بقية القضايا بـ قضايا نزاع عمالي.
وقال بيان المرصد العمالي “يخلو القانون من النص على حق الضحايا بالحصول على المساعدة القانونية، التي تتضمن حق توكيل محامي خلال فترة نظر القضاء في القضية، خاصة ان اغلب ضحايا الاتجار بالبشر من الفقراء الذي لا يستطيعون ماليا دفع تكاليف الاستعانة بمحامي، مع لفت الانتباه الى ان غالبيتهم من العمال المهاجرين وبذلك لا يشملهم قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي يوفر خدمة توفير محامي في حالات الجرائم المعاقب عليها في الإعدام او الاشغال الشاقة، وهي للاردنيين فقط وللجناة ولا تشمل الضحايا، وهذا الامر ينطبق أيضا على قانون نقابة المحاميين الذي حصر استفادة الجناة من توكيل محامون عنهم بوجوب كونهم أردنيين وجناة وليسوا ضحايا”.