مرايا – على وقع فشل اجتماعات اقترحتها أمريكا بين أطراف أزمة “سد النهضة”، مصر وإثيوبيا والسودان، في التوصل إلى توافق بشأن القضايا الخلافية، استبعد مراقبون اللجوء للخيار العسكري، فضلا عن صعوبة قبول القاهرة باتفاق عنتبي، الموقع في 2010، لافتين إلى احتمالية التوصل إلى اتفاق في اجتماع واشنطن، الاثنين، أو التوجه إلى وساطة وتحكيم دولي.
ورغم آمال رسمية في القاهرة وأديس أبابا بإمكانية حدوث انفراج في مفاوضات واشنطن بشأن ملء وتشغيل سد “النهضة” الإثيوبي، إلا أنه ثمة توقعات باحتمال عدم التوصل إلى اتفاق، وتمديد عملية التفاوض، أو انهيارها تماما ولجوء القاهرة إلى خيارات تصعيدية سياسية، مقابل حديث سوداني معتاد عن التمسك بالحلول الوسط.
وفي 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، اتفق وزراء خارجية الدول الثلاث، خلال اجتماع بواشنطن، على عقد أربعة اجتماعات فنية، وبالفعل عُقد أحدها في القاهرة، وآخر في الخرطوم، واجتماعان في أديس أبابا، أخرهما الأسبوع الماضي.
عقب الاجتماع الرابع، تبادلت إثيوبيا ومصر اتهامات بالمسؤولية عن عدم التوصل إلى اتفاق، قبل اجتماع واشنطن برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي.
وتتمسك أديس أبابا بإمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي، الاثنين، في اجتماع واشنطن، هو ما ترغب به القاهرة أيضا، لكن دون تهاون في حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، وإلا فستلجأ إلى المادة العاشرة.
وهذه المادة من اتفاق إطاري، وقعته مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، تسمح برفع أمر المفاوضات، حال تعثرها، إلى رؤساء الدول أو اللجوء للوساطة، وهذا أول احتمالات المواجهة، وفق مراقبين.
الاحتمالات تتضمن أيضا: مد المفاوضات بوساطة أمريكية، تصويت البرلمان المصري لصالح سحب مشروعية الاتفاق الإطاري، وتقديم القاهرة شكوى إلى الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي، وطلب وساطة وتحكيم دولي.
وتقول أديس أبابا إن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء بالأساس، ولا تستهدف الإضرار بحصة مصر من المياه ولا حصة السودان، البالغة 18.5 مليار متر مكعب سنويا.
وثمة استبعاد لخيارين، الأول هو توجيه ضربة عسكرية مصرية للسد، والثاني هو قبول القاهرة باتفاق عنتبي، الموقع في 2010، حيث ترفضه مصر وتتواجد به إثيوبيا للاستفادة من بند عدم الإضرار بدول الاتفاقية.
“انفراج محتمل”
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الري المصرية، محمد السباعي، إن القاهرة تأمل بانفراجة في اجتماع واشنطن، وأن يكون فرصة لتقريب وجهات النظر.
ورأى، في تصريح صحفي السبت، أن الوصول إلى اتفاق وارد، طالما توجد نية حسنة وروح إيجابية، أما في حال عدم التوصل إلى اتفاق، فلكل حدث حديث.
وذكرت الوكالة الإثيوبية الرسمية للأنباء، الأسبوع الماضي، أن اجتماع واشنطن يهدف إلى حل الخلافات والتوصل إلى اتفاق نهائي، وإلا فسيتم اللجوء إلى المادة العاشرة.
عشية الاجتماع، وخلال مؤتمر صحفي أثناء زيارته بريتوريا، طلب رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد علي، الأحد، من رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، بصفته الرئيس المقبل للاتحاد الإفريقي، الوساطة في الأزمة.
وذكرت هيئة الإذاعة في جنوب إفريقيا أن رامافوزا “وافق على مساعدة إثيوبيا في حل أزمة سد النهضة مع مصر”.
وبينما تتواصل الأزمة، تستمر أديس أبابا في بناء السد على النيل الأزرق، وأعلنت، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اكتمال 70 بالمئة من أعمال المشروع، على أن يتكمل تماما في 2023.
“خيارات القاهرة”
وفق مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي)، فإنه يجب على القاهرة البحث عن آلية جديدة، في ظل موقف إثيوبي لا يُتوقع منه “بادرة خير.. السد على مشارف الاكتمال، ولا يجب أن نكرر مبدأ فلسطين في إدارة مفاوضات بلا جدوى”.
وأضاف، في تصريح لوكالة الأناضول، أنه يوجد حديث عن إمكانية لجوء مصر إلى الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن، حال حدوث تعثر جديد، وسط استبعاد مصري للخيار العسكري.
فيما قال سعيد صادق، أكاديمي متخصص بالعلاقات الدولية وعلم الاجتماع السياسي، للأناضول: “يوجد خياران، أما التوصل إلى اتفاق في اجتماع واشنطن، أو التوجه إلى وساطة وتحكيم دولي، وهذا يحتاج موافقة كل الأطراف”.
وتابع: “مصر ستستند إلى موقف الولايات المتحدة والبنك الدولي، حال تعثر المفاوضات، خاصة وأن هذا الموقف من الوارد جدًا أن يلوم إثيوبيا، وهو ما سيكون له تأثير إعلامي وسياسي دولي قوي.
واستطرد قائلا: “موقف إثيوبيا في هذه الحالة سيكون محرجا، خاصة مع واشنطن، أكبر الداعمين الاقتصاديين لها، وستقع في أزمة مع التحرك الدولي لمصر وإمكانية إعلان جهات دولية ممولة للسد وقف أية منح، بل وفرض عقوبات من الأمم المتحدة على أديس أبابا”، بحسب تقديره.
وشدد على أن الخيار العسكري مستبعد رسميًا من الجانبين لأسباب كثيرة مرتبطة بتداعياته السلبية.
ورجح إمكانية سحب البرلمان المصرية لشرعية منحها سابقًا للاتفاق الإطاري حول السد، مشككا في ما ذهب إليه مراقبون من احتمال أن ترد إثيوبيا بالتنصل من التزاماتها بموجب الاتفاق.
ورأى صادق أن التلويح بسحب اعترافه بالاتفاق يبقي في النهاية ضغطا دبلوماسيا سيتماشى مع سعي مصر الدائم لإيجاد موقف دولي مساند، مستبعدا دخول مصر في أية اتفاقيات جديدة للمياه، في إشارة إلى عنتبي.
“اتفاق أو تمديد”
من جهته، قال وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام الدين، في تصريحات لصحيفة محلية الجمعة الماضي، إنه “توجد ثلاثة احتمالات للحل، أولا هو طلب أمريكا من الأطراف الثلاثة إبداء مرونة زائدة للاتفاق على النقاط العالقة، أو مد فترة المفاوضات لمدة شهر أو أسبوعين”.
أما الاحتمال الثالث، وفق علام الدين، فهو إعلان فشل المفاوضات ودخول واشنطن كوسيط لمدة شهرين لحل النقاط العالقة، وهي لن تسمح بفشل المفاوضات.
وقال الإعلامي المصري المقرب من السلطات، عمرو أديب، في برنامجه المتلفز، إن “المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، وهناك من يرون أنه ستحدث انفراجة في اجتماع واشنطن، وأنا لست منهم، أو الاستعانة المصرية بمحكم دولي، واللجوء إلى هيئات دولية”.
“الخرطوم.. إدارة مشتركة”
عادة ما يقف السودان في المنتصف، ويؤكد حرصه على حل الأزمة، رغم أن رئيس وزرائه، عبد الله حمدوك، قال لصحيفة “الاهرام” المصرية مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري، إن “موقف السودان من سد النهضة هو نفسه موقف مصر؛ فالسودان دولة في المنتصف بين إثيوبيا ومصر، وأي تأثير لسد النهضة سيكون السودان أول المتأثرين”.
وأشار إلى أن “مصالح الخرطوم تتفق مع رؤية القاهرة من السد، وبالتالي فنحن مؤمنين بأهمية التفاهم والاتفاق بين الدول الثلاث”.
وأردف حمدوك: “الأهم هي قضية تشغيل السد، فإثيوبيا ترى أن التشغيل قضية سيادية، ونحن لا نعارض ذلك، لكن التشغيل يكون عبر التفاهم وتبادل المعلومات بين البلدان الثلاثة، بما لا يضر أيا منها، وأن تكون هناك إدارة مشتركة للسد”. ولم يطرح السودان ملف الإدارة المشتركة للسد رسميا خلال المفاوضات.