مرايا – لم يكن الشاب العشريني محمد بني هاني يتوقع أن سفره لتركيا بسبب الديون التي لحقت به وطمعا بترتيب أوضاعه المالية، سيضعه بين يدي مافيات تجارة الأعضاء البشرية، ولولا نصيحة صديق عربي لكان في عداد الموتى.
بني هاني غادر الأردن بعدما ترتبت عليه ديون بقيمة ألفي دينار (2800 دولار)، استدانها وسافر إلى تركيا ليعمل هناك ويسدد دينه، لكن المفاجأة أنه لم يجد عملا، فأشار عليه أحد العرب هناك ببيع كليته لتأمين المبلغ وزيادة.
وافق على ذلك وعندما همّ بالذهاب مع تجار الأعضاء البشرية، نصحه صديق جزائري بعدم الذهاب وإلا سيكون بعداد الموتى، لأنهم سيأخذون كافة الأعضاء التي يحتاجونها، عندها ناشد حكومته تأمين عودته للأردن.
وكذلك الشاب أشرف أبو عيد ظهر في فيديو على صفحات فيسبوك قبل أيام مناشدا ملك الأردن إعادته إلى البلاد بعدما تقطعت به السبل في ماليزيا.
فقد خرج من الأردن قبل أشهر لتركيا بسبب الديون، وعندما قررت السلطات التركية إيقاف تجديد الإقامة السياحية لحامليها، قرر المغادرة إلى ماليزيا حيث تقطعت به السبل هناك.
مبادرات مجتمعية
أمام هذا الواقع المرير تبحث الحكومة عن مخرج قانوني يعالج ارتفاع أعداد المطلوبين قضائيا على قضايا مالية، في حين نظم ناشطون مبادرات مجتمعية لترتيب أوضاع المتعثرين ماليا مع الدائنين.
أبرز تلك المبادرات على وسائل التواصل الاجتماعي كانت مبادرة “الفزعة سامح” وقامت على أساس مسامحة الدائنين بالمبالغ المالية المترتبة على المدينين، وإسقاط حقوقهم المالية والقضائية عنهم، بغض النظر عن قيمة تلك المبالغ، وشهدت وسائل التواصل إعلان دائنين مسامحتهم لمدينين بمبالغ مالية وصلت في بعض الأحيان إلى تسعين ألف دينار (126 ألف دولار).
والمبادرة الثانية “أطلق سجين”، ولاقت قبولا وتجاوبا من قبل الأردنيين، وتشهد وسائل التواصل كل يوم تبرع محسنين لصالح إخراج مسجونين على قضايا مالية بسيطة، تتراوح قيمتها بين خمسمئة وألفي دينار (700-2800 دولار).
إضافة لمبادرة صندوق الزكاة الأردني لإخراج الغارمات من النساء المسجونات على قضايا مالية، وحملة منع حبس المدين المتعثر مع ضمان حق الدائن.
ربع مليون مطلوب
الناشط جهاد أبو بيد أحد مطلقي هذه المبادرة، وصف تجاوب الأردنيين مع المبادرات بـ “الإيجابي والمتجاوب”، مقدرا أعداد المطلوبين للتنفيذ القضائي بسبب قضايا مالية بـ 250 ألف مواطن أردني، مما يشكل كارثة وطنية.
بعض هؤلاء يسجنون على مبالغ مالية تتراوح بين ثلاثمئة وستمئة دينار (420-840 دولارا)، -وفق حديث أبو بيدر للجزيرة نت- بينما تكلفة إقامة السجين الشهرية في مراكز الإصلاح والتأهيل تبلغ 750 دينارا (ألف دولار).
وبحسب إحصائيات حصل عليها أبو بيدر، فإن 15 ألف متعثر أردني غادروا المملكة هربا من الديون، ولترتيب أوضاعهم المالية، منهم من اصطحب معه عائلته، توجهوا نحو تركيا أو مصر أو لبنان أو الإمارات أو جورجيا وغيرها.
وللأسف الإجراءات التركية الأخيرة بعدم تجديد الفيزا السياحية للأردنيين المقيمين هناك بعد مرور ثلاثة أشهر، أدت لزج بعضهم في السجون التركية تاركين عائلاتهم للتشريد، بينما حاول بعضهم مغادرة تركيا باتجاه دولة ثالثة مثل ماليزيا، وبعضهم اتجه نحو قوارب الموت لتهريبهم لدول أوروبية، خوفا من عودتهم للأردن والزج بهم في السجون، وفق أبو بيدر.
أبو بيدر أكد أن وزارة الداخلية الأردنية زادت من معاناة الأردنيين المتعثرين في الخارج بمنعها تجديد جوازات سفرهم بعد انتهاء مدتها، فأي أردني بحقه طلبات قضائية سواء كان متهما أم محكوما يمنع تجديد جواز سفره.
الغارمات والغارمين
صندوق الزكاة الأردني ساهم من خلال برنامج سهم الغارمات “أردن النخوة” بتسديد مبالغ مالية عن 7300 غارمة، بما يزيد قيمته على أربعة ملايين دينار (5.6 ملايين دولار) منذ إطلاق الحملة عام 2017، وفق مدير الصندوق عبد السميرات للجزيرة نت.
وأوضح أن تلقي التبرعات لسهم الغارمين في الصندوق ما زال قائما وفعالا، ويشترط الصندوق أن تكون الغارمة مطلوبة للتنفيذ القضائي على ذمم مالية تقل عن 1500 دينار (2100 دولار)، ولا تملك قيمة سداد الدين، وأن يقل دخل الأسرة عن ستمئة دينار شهريا (850 دولارا).
تعديلات تشريعية
حكوميا، تبحث وزارة العدل وديوان التشريع والرأي جملة تعديلات مهمة وضرورية على قانون التنفيذ، وذلك لمعالجة مشاكل المتعثرين ماليا، مع حفظ حق الدائن، فالمعادلة بين الدائن والمدين المتعثر معقدة، وفق ما قاله وزير العدل بسام التلهوني للجزيرة نت.
الوزير الأردني أضاف أن هناك مقترحات بذلك، منها عدم حبس المدين المتعثر ممن يزيد عمره على 55 عاما، ولمن تقل قيمة ديونهم عن عشرة آلاف دينار (14 ألف دولار)، وتحديد مدة الحبس للمدين المتعثر بحيث لا تزيد عن الشهرين في العام.
ويطالب نواب وناشطون مواقع التواصل الاجتماعي بإيجاد حلول تشريعية تعالج قضية المدين المتعثر عن السداد بما يحفظ للدائن حقوقه، وبما يحفظ كرامة المدين وحقوق عائلته بعيش كريم.
(الجزيرة نت)