* المحامية الياس: أزمة كورونا أبرزت تحديات الأمن الغذائي والبطالة وضرورة التخطيط لمعالجتها
* ضياء الدين: تفعيل الثقافة الإيجابية عبر القانون والتوافق على المصالح المشتركة والقيم
* د. البحارنة: الأزمة كشفت عن طاقات يجب استثمارها في إيجاد البدائل من أجل استمرار الحياة
مرايا – ألقت الكاتبة ووزيرة الدولة لشؤون المرأة سابقاً ناديا هاشم العالول محاضرة عبر الاتصال المرئي بعنوان “الثقافة المجتمعية ما بعد جائحة كورونا : التغيير نحو الأفضل”، استضافها منتدى الفكر العربي يوم الثلاثاء 9/6/2020،و دعت فيها إلى إصلاح الثقافة المجتمعية باعتبارها طريقاً للإصلاح الجمعي عبر تنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وصحية وبيئية؛ مشيرة إلى أن الإصلاح يبدأ بالنفس أولاً لكون هذه الثقافة ناجمة عن تربية زرعت عادات تراكمت بدورها لتصبح سلوكيات شكلت تراكماتها ثقافة مجتمعية سائدة من إيجابية أو سلبية وما بينهما . وشارك في المداخلات حول موضوع المحاضرة عدد من الأكاديميين والخبراء الدوليين العرب والناشطات العربيات في الحقول الاجتماعية والثقافية والحقوقية من لبنان وسويسرا والبحرين والعراق والكويت والأردن .
وقالت العالول : إن التركيز على تغيير العادات التي تحمل في جوانبها ممارسات قد تكون ذات تأثير سلبي أحياناً، يؤدي إلى ثقافة ووعي أفضل واستنارة استثنائية، ودون ذلك لا يمكن للتنمية أن تحلق والجناح الاجتماعي الثقافي مهيض؛ موضحة أن المجتمع لا ينهض من دون احترام الآخر والالتزام بالقانون وإتقان العمل وتطبيق الروح العلمية على القول والفعل والسلوك، والانشغال بالتناقضات والنزاعات يشغلنا عن أي إنجاز حقيقي متقن وحقيقي في التنمية الاقتصادية تسير مع التنمية الاجتماعية نحو تنمية شاملة ومستدامة .
و دعت الكاتبة العالول إلى تحمل المسؤولية والتخلص من بعض العناصر والممارسات السلبية المتمثلة بالخوف والقلق المفرط مما يعيق العمل، وكذلك اللامبالاة التي تفسد الإنجاز المتقن، وحب المظاهر وما يصاحبها من تكاليف باهظة مثل بعض حفلات الزفاف وبيوت العزاء التي جاءت الجائحة لتلغيها، وهي مثال على أن الظروف الحالية في أحد أبعادها تساعد على التغيير نحو الأفضل .
وأشارت العالول إلى أن التغيير الأقوى والأفضل الذي لمسناه مع الظروف التي فرضتها جائحة كورونا هو في ظهور بعض الحلول التكنولوجية مثل التعليم عن بُعد، والعمل من البيت، وفاعلية التواصل التقني، مما أدى إلى تخفيف ازدحامات السير، وانبعاث الغازات من المصانع وتخفيض ثاني أكسيد الكربون في الجو مما أصلح ثقب الأوزون، مع أننا لا نريد للصناعات أن تتوقف لكن آن الأوان للالتزام باتفاقيات مثل “اتفاقية كويوتو للتخفيف من التغير المناخي” عبر تقليص الأكاسيد المنبعثة من صناعات تقليدية والاتجاه إلى صناعات رفيقة بالبيئة.
وأضافت أن درس الجائحة علمنا أن هنالك إمكانية للوصول إلى نتائج إيجابية نتيجة تغيير بعض العادات للوصول إلى وعي صحي وبيئي وتعليمي، غير أن التغيير الأسوأ كان في الوضع الاقتصادي الناجم عن البطالة، وتراجع الوضع النفسي عند البعض مما يحتاج إلى إعادة تأهيل، ووضع استراتيجيات مناسبة على مستوى المواطن والحكومة لمواجهة التغييرات عبر أهداف وخطط وبرامج يتم إدارتها بمهارة وشفافية ومساءلة في إطار المتابعة والتقييم؛ مؤكدة ضرورة التركيز على إدارة مدبِرة تنبع من ثقافة مجتمعية إيجابية، وتعمل على تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الجائحة وآثارها السلبية من الجهل والأنانية والطمع .
أدار المحاضرة وشارك في مناقشتها وزير المالية الأسبق والأمين العام لمنتدى الفكر العربي د.محمد أبوحمور، الذي أشار في كلمته إلى أن أزمة جائحة كورونا تعد من الأزمات الكبرى في تاريخ البشرية، وهنالك تغييرات على المستوى الاقتصادي بدأت تظهر نتيجة هذه الجائحة، منها التغير الكبير والواضح في نمط الاستهلاك مع تقدم بعض السلع بأولويتها وتراجع أهمية بعضها الآخرفي سلة المستهلك بسبب تغيّر مستويات الدخل . كما أن انخفاض الطلب العالمي والعرض المحلي نتيجة فقدان مصادر الدخل لكثير من الناس كان له تأثيره على النمط الاستهلاكي، ولا سيما مع توقف عجلة الإنتاج في كثير من القطاعات الاقتصادية .
وأضاف د. أبوحمور في ما يتعلق بالاتجاه للتعليم عن بُعد مع الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، فإن ذلك سيؤدي إلى فتح أبواب التعليم في الجامعات العالمية على مصراعيها أمام الطلاب من كل مكان، نظراً لأن النفقات والمصاريف التشغيلية انخفضت إلى الحد القليل، وسيكون التحدي للتعليم العالي في الوطن العربي متمثلاً في أن الكثيرين من الطلاب أصبح بإمكانهم الحصول على شهاداتهم من جامعات عالمية من خلال الدراسة عن بُعد، كما أن هذه الجامعات ستفتح المجال لاستقطاب الكفاءات التدريسية العربية، مما سيوجد أمامنا تحدٍ للمحافظة على جودة التعليم لدينا، إلى جانب بعض التحديات والتغييرات الاجتماعية المتعلقة بالجانب الإيجابي من العادات ومواجهة مشكلة الذاكرة القصيرة في المجتمعات لإحداث التغيير بشكل أفضل .
وأشار د. أبوحمور إلى أن مشاريع منتدى الفكر العربي مثل “الميثاق الاجتماعي العربي” و”الميثاق الاقتصادي العربي” والمواثيق القادمة “الثقافي”، و”البيئي”، و”السياسي”، إضافة إلى مشروع “النهضة الفكرية العربية”، تعد مصادر ثرية بالأفكار لمواجهة التحديات المستقبلية والتأسيس لثقافة عربية قادرة على تمتين الوشائج في مختلف المجالات وبين قيم الأصالة ومتطلبات التحديث .
وأكدت المحامية والناشطة الحقوقية مستشارة الأمم المتحدة باتريسيا الياس من لبنان، في مداخلتها، أهمية العودة للزراعة في الوطن العربي بعد أن أبرزت الجائحة تحديات في الأمن الغذائي، ولضمان الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في هذا المجال وكذلك في مجال الصناعات، فيما هنالك حاجة لتنسيق خطط مشتركة بشأن وظائف المستقبل ومجالات العمل الممكنة لمواجهة مشاكل البطالة المتزايدة، التي يمكن أن تكون القوى العاملة في المجتمعات العربية ضحية لها بسبب تداعيات الأزمة الوبائية .
كما أكدت المحامية الياس أهمية التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص في ضوء ما كشفت عنه الجائحة العالمية من ضرورة التواصل والتنسيق بين القطاعات المختلفة، والاستفادة من الكلفة المنخفضة للتواصل عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة لتعزيز الابتكار، إضافة إلى تعزيز التواصل المجتمعي والأسري ولا سيما من أجل العمل على وقف كافة أشكال العنف وخاصة العنف والتمييز ضد المرأة .
وأوضح مدير مركز أعمال الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في جامعة زيورخ للعلوم التطبيقية في سويسرا وعضو المنتدى خلدون ضياء الدين، أن العادات السلوكية في المجتمعات لها جانب مرئي وآخر غير مرئي، وحتى نستطيع الوصول إلى فهم ومعالجة غير المرئي لا بد أن يكون المقياس أخلاقياً إلى جانب تطبيق الإدارة الرشيدة وسيادة القانون .
وأوضح ضياء الدين أنه لا بد من تفعيل عملية التنوير نحو الثقافة المجتمعية الإيجابية عبر ثلاثة مسارات رئيسية تتلخص في: أولاً قانون يتمتع بقوة النفاذ لتوجيه المجتمع إلى اكتساب الثقافة الإيجابية، وثانياً وجود توافق على المصالح المشتركة بين المجموع، وثالثاً تعزيز قوة المعتقدات ومبادىء الأديان السماوية والقيم الأساسية في الاتجاهات الشخصية نحو الإيجابية المطلوبة، بما في ذلك مكافحة مظاهر فقدان الثقة بالذات والآخر في هذا السياق .
وأشارت رئيسة جمعية البحرين النسائية وعضو المنتدى من البحرين د. وجيهة البحارنة إلى ضرورة استثمار الفرص التي أتاحتها أزمة كورونا واغتنام إيجابياتها من مبدأ تحويل المحنة إلى منحة، ذلك أن هذه الأزمة جعلت الجميع يتنبهون إلى أنهم في الحقيقة يعيشون على كوكب واحد، مما يدعو إلى إذابة الفروقات والاستفادة من الوقت المتاح حالياً لتعزيز التعاون وتقليل الخسائر ما أمكن .
وقالت د. البحارنة : إن الأزمة جعلتنا نتفكر في الطبيعة والتعرف مجدداً إلى قوانينها التي تسري على الجميع دون تمييز بين الكبير والصغير والجاهل والمتعلم .. إلخ، وينبغي أن ندرك قانون الطبيعة بشأن من يسيء إليها لأنها سترد على ذلك بنفس الفعل ولو بعد حين . ومن المهم أيضاً إدراكنا بأننا وحدة مجتمعية واحدة وأن قوتنا تكمن في وحدتنا؛ مشيرةً إلى الأزمة موضوع البحث أوضحت عملياً أن مظاهر البهرجة وطغيان الماديات لا تجدي نفعاً، وفي المقابل كشفت هذه الأزمة عن طاقات وقدرات يجب استثمارها لكونها تفوق الأزمات، ولا سيما من جهة إيجاد البدائل المختلفة من أجل استمرار الحياة، وتعزيز دور المرأة الإيجابي في ميادين الصحة والتربية والتعليم والتقارب الأسري وغيرها؛ مؤكدةً أن فرصة التواصل مع الخالق عز وجل ومع النفس، وفرصة التقييم ومراجعة الذات وتنمية الوعي من الفرص المهمة التي وفرتها ظروف أزمة كورونا من أجل ثقافة أكثر إيجابية لا تتحقق دون التغير الذاتي ضمن فهم الإنسانية المشتركة والمواطنة الحاضنة للتنوع والتسلح برؤية واضحة ووعي مناسب.
ومن جهته أشار مستشار التنمية الاقتصادية الدولية وعضو المنتدى من العراق د. باسل البستاني إلى أن أزمة كورونا لها سلبياتها من خسائر في الأرواح وخسائر مادية على صعد مختلفة، لكن لها أيضاً إيجابياتها في إثبات أن المجتمع ما يزال حياً وإنسانياً في الاستجابة، وأسهم الحجر المنزلي في توثيق العلاقات الأسرية .
كما نوه د. البستاني بحكمة القيادة الأردنية في إدارة أزمة كورونا كنموذج أمام العالم جدير بالاقتداء. وقال: إن الثقافة المجتمعية هي نتاج المجتمع بوصفه قاعدة معنوية ومادية وأداة لتغييره باتجاه إيجابي، داعياً إلى الاستفادة من الفرصة التاريخية لتعظيم الإيجابيات وصناعة الحدث وليس فقط استلهامه، وإحداث نهضة اجتماعية حقيقية ذات بعدين فكري وقيمي لتغيير النمطية في التفكير على أسس علمية.
وتناولت الأستاذة في جامعة الكويت ورئيسة المنظمة الدولية لتمكين قدرات المرأة في لندن د. ابتسام القعود الجانب المتعلق بالمشاكل الأسرية الذي كشفت عنه الأزمة بما في ذلك العنف الأسري، وبينت أن أزمة الأخلاق في المجتمعات تتطلب التركيز أكثر فأكثر على التوعية ومبدأ الالتزام بالاستقرار والتقارب الأسري، ودعت إلى ميثاق أخلاقي يعالج مشكلات العنف واختراق القوانين، وزرع التوعية في الأسر والمدارس والجامعات في هذا الصدد .
كما دعت د. القعود إلى الاهتمام بالإرشاد الاقتصادي للتغلب على المشكلات الناتجة عن تراجع الأوضاع الاقتصادية بسبب جائحة كورونا، والتوجيه للتعامل مع هذه الأوضاع بوعي، وكذلك الاهتمام بالزراعة والموارد البيئية لتحقيق الاكتفاء الذاتي .
وقالت د. القعود : إن القدرة على التكيف موجودة لدى الإنسان، وما نحتاجه خلال المرحلة القادمة هو استخدام العقل بشكل سليم لتعديل التوجهات في الاقتصاد والعلاقات الدولية بما يجعل التعامل مع تداعيات الأزمة الوبائية في نطاق السيطرة عليها .
يذكر أن منتدى الفكر العربي يبث التسجيل الكامل لوقائع هذه المحاضرة والمداخلات حولها على موقعه الإلكتروني www.atf.org.jo وكذلك عبر قناته على منصة “يوتيوب” .