مرايا – تميزت استجابة منظمات المجتمع المدني لأزمة الكورونا ومنذ البداية بمشاركة المرأة في مختلف المجالات، خصوصًا تلك المنظمات التي عملت قبيل الأزمة لتفعيل الخطة الوطنية المتعلقة بقرار مجلس الأمن والذي يبحث سبل إشراك المرأة وحمايتها في الأزمات، وتفعيل دورها المهم بالتصدي لاحتياجات مجتمعاتها وضمان أن تكون جزءًا من صناعة القرار في وقت الأزمة وما بعدها. حيث عملت المرأة على ضمان تمثيل مجتمعاتها بقدراتها واحتياجاتها، عبر البناء على المعارف وآليات تنسيق الجهود بين كافة الأطراف المعنية، بدءًا من تقديم الخدمات الإغاثية المباشرة للمجتمعات الأكثر تأثرًا بتبعات الإغلاق والحظر، ونشر الوعي حول الأزمة والوقاية من تبعاتها، والتذكير بضرورة مراعاة جوانبها الجندرية، والعمل على محاربة العنف الموجه ضد المرأة، والمشاركة في الحوارات التي ترصد الجهود الحكومية والسعي للمساهمة بصياغة السياسات والقرارات التي تتعلق بحمايتها ومجتمعاتها.

ففي مخيم البقعة على سبيل المثال؛ حوّلت أمل أبو حطب جهود جمعية أمل للتنمية الاجتماعية والتي تعنى بتمكين المرأة للاستجابة لهذه الأزمة، بدءًا من إطلاق مبادرة “نام يا جاري بخير” لتحفيز التضامن المجتمعي إضافة لتوزيع المساعدة الإغاثية من طرود غذائية وصحية، ومساعدات مالية من عدة جهات، على الأكثر تضررًا في المخيم.

وكذلك الحال في بلدة الرفيد الحدودية، حيث قامت وداد عبيدات، رئيسة جمعية سيدات الرفيد الزراعية، بتوعية النساء بأهمية التكافل والاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى الحملات التوعوية حول المرض، وتوفير الغذاء من الحاكورة المنزلية وشراء الطحين وتوزيعه على السكان، ونشر طرق الخبز، وتقديم المساعدات للأهالي وشراء الأدوية وتوزيعها للتسهيل عليهم.

وساهمت مبادرات د. هبة حدادين مديرة جمعية ملتقى مادبا الثقافي للطفولة التوعوية، في نشر الوعي بكيفية التعامل مع الأزمة إلى جانب مشاركتها وأعضاء التحالف الوطني الأردني (جوناف) بتوزيع المساعدات النقدية للأكثر تأثرًا. كما نسقت مديرة جمعية خطوة أمل عضو جوناف م. مي أبو عداد بالتعاون مع منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، مع الجهات الرسمية لضمان وصول المساعدات لأربعة آلاف أسرة في إربد خلال الحظر. وقد نشرت شبكة المرأة لدعم المرأة ممثلة بالأستاذة نهى محريز، رسائل مجتمعية لتوطيد السلم المجتمعي والنأي عن العنف أثناء الحظر، وتوضيح الدور المهم الذي لعبه كل من الرجل والمرأة بشكل متساوٍ في هذا المجال أثناء الأزمة.

هذه المبادرات وغيرها الكثير ضمن تحالف جوناف، قادتها نساء كرسن جهودهن لمساعدة مجتمعاتهن وضمان أمنها بترجمة قرار 1325 لدور المرأة في الأمن والسلم والخطة الوطنية بهذا الصدد عبر مراعاة البعد الجندري لتدخلاتهن. وتأتي هذه الجهود منسجمة مع مشروع “تعزيز قدرات منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء في مجال المناصرة” ضمن الأجندة الوطنية للمرأة والأمن والسلام والذي تنفذه منظمة النهضة (أرض) بتمويل من هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إذ أجرت من خلاله دراسة مسحيّة لتقييم 39 من المنظمات اللاتي تقودها النساء بين شباط/فبراير وآذار/مارس 2020 بناءً على أربعة محاور رئيسية: الإستراتيجية والإدارة، وتنفيذ البرامج، والعلاقات الخارجية، والتمويل. وقد أسفرت الدراسة عن استهداف 19 امرأة من قياديات منظمات المجتمع المدني في 11 محافظة داخل المملكة وانضمامهن الى التحالف الوطني الأردني (جوناف) للمساهمة في دعم تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 انسجامًا مع الأجندة الوطنية الأردنية.

حيث أكدت النساء من خلال هذه الدراسة، أهمية التركيز على المبادرات الهادفة لتمكين النساء في مجال صنع القرار وتشجيع المنظمات التي تقودها النساء على تنفيذها، وطالبن بتركيز الجهود على تعزيز التنسيق بين منظمات المجتمع المدني لضمان تكامليتها في تعزيز حماية المجتمعات وأمنها، فـ “تمكين المرأة هو تمكين للمجتمعات” كما شددت أ. فاطمة المساعيد رئيسة جمعية اليسر الخيرية من المفرق.

وبالشراكة مع أعضاء جوناف، وضعت منظمة النهضة (أرض) خطة للاستجابة للطوارئ من أجل معالجة المراحل الفورية والمتوسطة والطويلة الأجل المتعلقة بتأثير جائحة كورونا على الأردن لتفعيل دور المنظمات التي تقودها النساء في تنفيذ المبادرات وتعزيز التنسيق فيما بينها، وتقديم الدعم الاقتصادي للأسر والنساء في مجتمعاتهن ممن تأثرت أعمالهن بسبب جائحة كورونا. وكجزء من هذه الخطة، تم تفعيل دور الإعلام في تسليط الضوء على القضايا المجتمعية والتعريف بدور المرأة في الأمن والسلام. اذ قامت منظمة النهضة (أرض) من خلال شراكة مع شبكة الإعلام المجتمعي باستحداث وتنفيذ 40 حلقة لبرنامج “معًا سنهزم الكورونا” واستضافة أكثر من 60 امرأة من أعضاء جوناف ومن المنظمات التي تقودها النساء، لتسليط الضوء على قضايا مجتمعهن وقضايا أسرية هامة تتعلق بحماية المرأة والطفل، وأخرى حقوقية وعمالية، مع تناول قضايا اللاجئين واللاجئات واحتياجات الفئات الأكثر تضررًا من ذوي الإعاقة والنساء المعيلات. كما أطلقت حملتين للاحتفاء بإنجازات النساء الرياديات من أعضاء تحالف جوناف بشكل عام تحت مسمى نساء قياديات، وأول من لبى النداء، والتي شاركت من خلالها قصصهن ومبادرتهن للاستجابة للجائحة.

وطورت المنظمة خطة تدريبية بهدف بناء قدرات قياديات المجتمع المدني للاستجابة للطوارئ بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة لتنفذ على مدار أسبوعين في نيسان/أبريل 2020، لمساندة جهود أعضاء التحالف في الاستجابة للأزمة ولتفعيل قرار مجلس الأمن 1325، وذلك بعقد 11 جلسة تدريبية قصيرة على الإنترنت، شملت مبادئ “اسفير” للمعايير الدنيا للاستجابة للأزمات، والتواصل وقت الأزمات، ومبادئ الصون، وديناميات الجندرية في الأزمة، وغيرها، شاركت فيها 36 منظمة، من ضمنها 20 تقودها النساء، وحضرها ما مجموعه (114 فردًا) بمشاركة 85 امرأة.

إضافة لتطوير خطة وعملية الرصد والتقييم لجهود التحالف الوطني (جوناف)، للدعم من خلال منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء، وبما يسهم بتعزيز جهود المناصرة للقياديات في الصفوف الأولى للاستجابة، وتأسيس قاعدة بيانات لجوناف لتحفيز الجهود التشاركية وتبادل المعارف والمهارات بين جميع الأعضاء وبناء قدراتهم، بما ينعكس إيجابًا على برامج التدخل المصممة والمنفذة بمنهجية تشاركية انسجامًا مع الأجندة الوطنية لقرار 1325. هذا بالإضافة للاحتفال بيوم المرأة العالمي في إطار المشروع ذاته، والاحتفاء بقيادات نسائية في المجتمع المدني والمؤسسات الأمنية والعسكرية والإعلامية في حفل شهد تكريمهن، ليسلّط الضوء على أهم إنجازات أجندة حقوق المرأة في الأردن: خطة العمل الوطنية الأردنية لقرار مجلس الأمن رقم 1325 حول المرأة والأمن والسلام.

ختامًا، أثبتت النساء دورهن الريادي في العمل الاجتماعي المجتمعي وقطاعات المجتمع المدني. وعليه، لا بد من توثيق هذه التجارب والبناء عليها، والاستفادة منها لإيجاد آليات دولية ووطنية تقوم بمأسسة مشاركة أكثر فاعلية لتوحيد هذه الجهود بإطار مهني، وذلك لبلورة توجهات أولويات العمل العام ودور المنظمات النسوية وتلك التي تقودها النساء في الأزمات وغيرها. ومن هنا تحث منظمة النهضة (أرض) وتحالف جوناف، على العمل مع جميع المعنيين لتوجيه الأنظار لدور المرأة الأساسي في الحياة العامة وقدرتها على تمكين مجتمعاتها، وحمايتها في الأزمات وغيرها، وعدم الاستهانة بمطالب الإصلاح والجهود التنموية اللازمة للاستثمار بإسهامات المرأة في التنمية والأمن والسلم المجتمعي.