مرايا – بعد 40 عاما من وصية الحاج عبد الغفار مشالي وهو على فراش الموت لنجله الطبيب الشاب محمد ووصيته له بخدمة الفقراء وعلاجهم بدون مقابل مراعاة لظروفهم، عاد الطبيب الإبن وأوصى بنفس الوصية للأطباء الشباب قل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة فجر اليوم الثلاثاء.
لم تكن حياة الطبيب الراحل محمد مشالي المعروف في مصر بطبيب الغلابة معروفة بالنسبة لكثيرين، كان طبيبا يمارس عمله في ريف مصر، ويعالج الفقراء، من خلال عيادة صغيرة في طنطا وبأجر رمزي 10 جنيهات، حتى سلطت وسائل الإعلام الضوء على قصته قبل سنوات قليلة، وكأن القدر أراد أن يكافئه ويخلد سيرته قبل نهاية حياته وبعدها.
بعد أن بلغ الطبيب الراحل من الكبر عتيا وتجاوز السبعين قفزت قصته للأضواء، وعرفه المصريون، وتفاعلوا معه، وتسابقت وسائل الإعلام في استضافته، ونال تكريما واسعا من بعض الجهات والمنظمات، لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة دوره في خدمة وعلاج الفقراء تلبية لوصية والده الراحل، وإكمالا لمسيرة بدأها قبل أكثر من 40 عاما ، وبدأت بواقعة مؤثرة وإنسانية غيرت مسار حياته.
حقنة انسولين
في أحد مقابلاته مع وسائل إعلام مصرية روى الطبيب الراحل الواقعة، وقال باكيا حين تذكرها أنه تم تعيينه في إحدى الوحدات الصحية بمنطقة فقيرة، وذهب لعلاج طفل صغير مريض بمرض السكر يبكى من الألم ويقول لوالدته أعطيني حقنة الأنسولين، فردت أم الطفل قائلة إنها لو اشترت حقنة الأنسولين فلن تستطيع شراء الطعام لباقي إخوته، ليسارع بعدها الطفل ويصعد إلى سطح المنزل ويشعل النار في نفسه النار، وحاول الطبيب الراحل إنقاذه فلم يتمكن وقال الطفل آخر كلماته موجها حديثه لأمه : فعلت ذلك من أجل توفير ثمن الانسولين لأخوتي.
ويقول الطبيب الراحل أنه ومنذ تلك الواقعة قرر أن يهب نفسه لخدمة الفقراء وعلاجهم، مضيفا أنه من أسرة فقيرة ومتواضعة ونظرا لما عاناه وأشقائه فهذا ما جعله يشعر بمعاناة الفقراء.
دعوات الفقراء
وفي مقابلة أخرى قال الطبيب الراحل إن الفقراء كانوا يصابون بأمراض مرتبطة بالفقر وبعملهم في الزراعة مثل البلهارسيا والإنكلستوما والأميبا، وكانوا لا يملكون ثمن الكشف عند الأطباء فتطوع لعلاجهم من هذه الأمراض، كما تخصص في أمراض الأطفال بعد واقعة الطفل الصغير، ناصحا الأطباء الشباب بخدمة الفقراء وعلاجهم قائلا لهم أوصيكم بالفقراء خيرا وكانت هذه أخر وصاياه حسبما صرح نجله وليد مشالي .
ويقول الطبيب الراحل أن أساتذته في كلية الطب بالقصر العيني كانوا يقولون لهم من لا يريد امتلاك عمارة أو عزبة فعليه بالعمل في القرى، ليكسب دعوات الفقراء وهذه أعظم المكاسب ، مضيفا أنه كان يسمع دعوات الغلابة والفقراء له بأذنيه، وكان يتحصن بها طيلة حياته.
رفض مبلغ كبير
في شهر رمضان الماضي عرض أحد البرامج مبلغا كبير على الطبيب الراحل وتجديد عيادته لمساعدته في عمله التطوعي فرفض بإباء، وقال لهم العون والمساعدة من الله، وأنه لا يطلب مقابلا لعمله سوى من الله”، وأضاف “أعطتني الدنيا أكثر مما أتمنى وأكثر مما استحق ولايمكن أن اترك أحدا يموت من الألم ناصحا القائمين على البرنامج بتقديم هذه التبرعات للأطفال بلا مأوى، أو الأطفال الأيتام، و المحتاجين.
وكشف الطبيب الراحل في مقابلة ثالثة أنه يبدأ يومه بالاستيقاظ في السابعة والنصف صباحا ثم يتوجه لعيادته، ويظل بها حتى آذان المغرب ثم يعود لمنزله، وبعدها يتوجه للعيادتين الأخريين بقريتين مجاورتين لطنطا لتوقيع الكشف الطبي على أبناء القريتين مشددا على أن سعر الكشف في العيادتين 5 جنيهات فقط.
ساندوتش فول وطعمية
كانت كلمات الطبيب الراحل الأكثر تأثيرا ” نشأت فقيرًا وساندوتش الفول والطعمية يكفيني، ولا أريد ان أرتدي ملابس بالاف الجنيهات أو استقل سيارة طولها 10 متر”.
وعقب اعلان وفاته دشن مغردو مواقع التواصل هاشتاغات عبروا فيها عن حزنهم الشديد وتأثرهم الكبير لرحيل حالة مصرية فريدة ، تخصصت في الإيثار، ومساعدة الغير ، وحب الخير ، واغاثة وخدمة الفقراء ، مؤكدين أن الطبيب الراحل حالة نادرة لا تتكرر كثيرا ، ولايجود بمثلها الزمن إلا نادرا .
شيخ الأزهر
ونعى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الطبيب الراحل، وقال: رحم الله طبيب الغلابة الدكتور محمد مشالي، وأسكنه فسيح جناته، فقد ضرب المثل في الإنسانية، وعلم يقينًا أن الدنيا دار فناء، فآثر مساندة الفقراء والمحتاجين والمرضى حتى في أخر أيام حياته، فاللهم اخلف عليه في دار الحق وأنزله منزلة النبيين والصديقين والشهداء.
يذكر أن الدكتور محمد مشالي، من مواليد البحيرة عام 1944، وقد تخرج في كلية طب القاهرة عام 1967، ونجح في أن يسجل اسمه بحروف من نور في قلوب المصريين بعد أن أفنى حياته في خدمة الفقراء ولفظ أنفاسه الأخيرة صباح اليوم إثر اصابته هبوط حاد في الدورة الدموية عن يناهز 67 عاما .