مرايا – أوصى منتدى الاستراتيجيات الأردني بإعادة النظر في الهيكل الإنتاجي للاقتصاد الأردني على المدى الطويل، موضحا أنه لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام وزيادة مستوى التعقيد من خلال الإبقاء على الهيكل الإنتاجي الحالي وبدون تطوير واستقطاب لصناعات جديدة.

وأكد في تقريره الدوري الثالث “فضاء المنتجات الأردني”، على أهمية اجراء مجموعات مركزة واجتماعات خلال الفترة القادمة لتباحث مجموعات المنتجات التي يمكن من خلالها زيادة مستوى تعقيد الاقتصادي الأردني ووضع خطط للبدء في تصنيعها.

ويأتي التقرير، الذي حملت النسخة الثالثة منه عنوان “التعقيد الاقتصادي: أين يقف الأردن وتعزيز التنافسية والصادرات”، استكمالا لجهود يقوم بها المنتدى لتعزيز فهم القطاعات المختلفة وذوي العلاقة لفرص تطور الصادرات الأردنية والصناعات في مختلف القطاعات.

وتناول التقرير مفهوم التعقيد الاقتصادي (Economic complexity) الذي طوره باحثون في جامعة هارفرد كمدخل لأسباب تفاوت النمو الاقتصادي والازدهار بين الدول، حيث يقيس هذا المفهوم الكثافة المعرفية والتكنولوجية لاقتصاد معين من خلال دراسة مستوى الكثافة المعرفية في المنتجات التي تصدرها هذه الدول. بحيث يقوم هذا المؤشر بدراسة القدرات الصناعية والمعرفية للدول من خلال النظر إلى مزيج المنتجات التي تصدرها الدول.

وبين التقرير الصادر عن المنتدى بأن الأدبيات الاقتصادية تشير إلى أن التعقيد الاقتصادي يرتبط ايجابياً بمعدلات النمو الاقتصادي والانتاجية، حيث أنه كلما زاد مستوى التعقيد تحسنت مستويات النمو والإنتاجية، كما يرتبط مستوى التعقيد ايجابياً بمعدلات التوظيف وعدالة الدخل، كما ترتبط زيادة مستويات التعقيد الاقتصادي ايجابياً بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فكلما زاد مستوى التعقيد كلما زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

وأشار التقرير إلى أن مستوى التعقيد الاقتصادي يقاس من خلال دراسة مستوى تعقيد اقتصاد الدولة ومستوى تعقيد المنتجات التي تقوم بتصديرها. ولمزج هذين المفهومين في مفهوم واحد، طور الباحثون ما يعرف بمؤشر التعقيد الاقتصادي، والذي تعتمد منهجيته على النظر إلى جانبين رئيسيين من الاقتصاد؛ الأول هو التنوع في سلة المنتجات والذي يقيس عدد المنتجات التي تصدرها دولة ما بتنافسية عالية او ان تكون هذه المنتجات تتمتع بميزة نسبية عن المنتجات الأخرى. ويعرف هذا المفهوم رقمياً على أن تكون صادرات الدولة من منتج معين كنسبة من إجمالي الصادرات أعلى من الصادرات العالمية للمنتج كنسبة من إجمالي التجارة العالمية. أما المكون الثاني لمؤشر التعقيد الاقتصادي، فهو وفرة منتج معين في سلة المنتجات؛ والذي يشير إلى العدد العالمي للشركات القادرة على تصدير منتج ما بتنافسية عالية.

وبالنسبة لمستوى تعقيد الاقتصاد الأردني وحجم فضاء منتجاته، بين التقرير بأن الأردن يواجه العديد من التحديات الصناعية والتجارية، حيث عانى الأردن من عجز مستمر في ميزانه التجاري لعقود والذي بلغ متوسطه نحو -34.8% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في الفترة (2011-2019)، وهي من الأعلى اقليمياً.

وأشار التقرير إلى أن الصادرات الأردنية تعاني من تركز سلعي كبير؛ إذ أن صادرات صناعات الملابس والمنسوجات لوحدها تشكل نحو 27.6% من مجمل الصادرات، ويضاف إلى ذلك التركز الجغرافي في الصادرات؛ حيث أن الصادرات لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وامريكا الشمالية تشكل نحو 70% من مجمل الدول التي يصدر لها الأردن.

وبين التقرير بأن ترتيب الأردن على مؤشر التعقيد الاقتصادي قد تراجع من من 0.35 في العام 2010 إلى 0.17 في العام 2018، حيث يعود ذلك إلى تراجع قدرة الأردن على تصنيع منتجات جديدة وضعف قدرته على زيادة مستوى تعقيد المنتجات التي يقوم بتصنيعها حالياً.

ويفسر التقرير ذلك بزيادة تركز الصادرات الأردنية في صناعات الملابس والمنسوجات في ظل الزيادة الطفيفة جداً في تصدير المنتجات الأخرى وتراجع تصنيع بعض المنتجات. بالإضافة لانخفاض درجة تعقيد بعض المنتجات التي يصدرها الأردن مثل اسمدة البوتاسيوم والأدوية المعبأة وغير المعبأة والاسمدة المخلوطة وغيرها من المنتجات.

وأكد التقرير على أن زيادة درجة التعقيد الاقتصادي في الأردن وزيادة تنافسية الصادرات الأردنية يعتبر مصدراً هاماً لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وهذا يتطلب جذب المزيد من الاستثمارات للصناعات المختلفة حيث لا يمكن للأردن ان يستمر بالبقاء على نفس هيكل الصناعات القائمة حالياً.

وللمضي قدماً، أوضح التقرير بأنه على الأردن استخدام قاعدة انتاجه الحالية والاستفادة من أي فرص متاحة لتنويع إنتاجه وصادراته، حيث يحتاج الأردن إلى الانتقال تدريجيًا إلى “مجموعة دائمة التوسع” من المنتجات الجديدة والأكثر تعقيدًا.

وبناءً على ذلك، نشر المنتدى في تقريره قائمة بمجموعة من السلع والمنتجات التي يمتلك الأردن قدرة عالية على البدء بتصنيعها والتي يمكن أن تزيد مستوى التعقيد الاقتصادي للأردن بالإضافة لتمتع هذه المنتجات بسوق عالمي كبير. وتم تصنيف هذه المنتجات على مؤشر من صفر إلى خمسة، حيث تكون قدرة الأردن على الدخول في منتج جديد “عالية جدًا” إذا كان المنتج الجديد يتطلب قدرات ذات صلة بالمنتجات الحالية (درجة 5). وإن حصول منتج ما على درجة 0 تشير إلى أن الأردن أقل قدرة على تصنيع هذا المنتج نظراً لبعده عن المنتجات التي يتم تصنيعها حالياً في الأردن.

وأشار التقرير إلى أنه وعلى مقياس من صفر إلى خمسة، يستطيع الأردن زيادة درجته على مؤشر التعقيد الاقتصادي إذا كان الاقتصاد يصدر منتجات قريبة من درجة 5 حيث تتطلب هذه المنتجات تنوعًا عاليًا في المعرفة لإنتاجها.

وطرح المنتدى في تقريره مثالاً على ذلك، مبيناً أن منتجات الأثاث مثلاً تتمتع بدرجة قرب (مسافة) تعادل 4.5 مما يعني قدرة الأردن على تصنيع منتجات الأثاث ومثيلاتها، بالإضافة لتمتعها بدرجة تعقيد تعادل 3 مما يعني مساهمتها ايجاباً في درجة الأردن على مؤشر التعقيد الاقتصادي، وأخيراً تتمتع هذه المنتجات بسوق عالمية كبيرة يقدر حجمها بــ 86.2 مليار دولار.

ويقيس مؤشر التعقيد الاقتصادي مستويين من التعقيد وهما تعقيد المنتج وتعقيد اقتصادات الدول حيث تعتبر المنتجات المعقدة هي المنتجات التي تتطلب مستوى معرفي كبير لإنتاجها، فيما يعبر مؤشر التعقيد الاقتصادي للدول عن درجة خاصة لكل دولة تهدف إلى قياس معدل تعقيد ما تصدره هذه الدولة من منتجات، حيث أن الدول ذات الدرجة العالية في هذا المؤشر تعد دولاً ذات تنوع تصديري متقدم لمنتجات ذات درجة متقدمة في “مؤشر تعقيد المنتج”. وهذا يعني أن الدول الأكثر مراكمة للمعارف والأكثر تنوعاً في سلة صادراتها تتمتع بمستويات تعقيد أكبر.

وبناءً على ذلك، طور الباحثون في جامعة هارفرد ما أسموه “فضاء المنتجات” وذلك باستخدام بيانات التجارة الخارجية لنحو 133 دولة. ويمثل فضاء المنتجات “تصويراً للترابط بين المنتجات استناداً إلى أوجه التشابه بين المعارف الفنية المطلوبة لإنتاج هذه المنتجات. وهو تصور للمسارات التي تستطيع البلدان أن تسلكها لتنويع منتجاتها، بحيث ترتبط المنتجات بقربها من بعضها البعض، استناداً إلى احتمال التصدير المشترك لكلا المنتجين”، حيث أن استخدام بيانات التصدير الحقيقية يساعد في تصوير فضاء المنتجات وصولاً إلى فهم كيفية تنويع الصادرات والإنتاج في الممارسة العملية: فالبلدان تنتقل من السلع التي تكون قادرة على تصنيعها، إلى السلع القريبة منها أو المرتبطة بها، أو ما تسميه بالممكن المجاور”.

وأشار التقرير إلى مجموعة من الأدوات التي يمكن توظيفها لزيادة مستوى التعقيد الاقتصادي مثل جذب الاستثمارات والتي تساهم بدورها في زيادة رأس المال المتوفر ضمن الاقتصادات، كما تحسن الاستثمارات العامة والخاصة في مشاريع البنية التحتية (أي التعليم والطاقة والمطارات، وما إلى ذلك) في تحسين التنوع الاقتصادي. بالإضافة للاستثمار في رأس المال البشري والذي يزيد من معارف الموارد البشرية وقدراتهم الإنتاجية.

وأشار التقرير إلى أهمية تحسين البيئة المؤسسية في زيادة التنافسية ورفع مستوى تعقيد الاقتصاد حيث أن تحسين الجودة المؤسسية يشجع على تنمية القطاعين العام والخاص، ويعزز من ازدهار شركات القطاع الخاص وخفض كلفة ممارسة الأعمال التجارية ومخاطر الاستثمار.