مرايا – قال رئيس ديوان التشريع والرأي السابق الوزير الاسبق الدكتور نوفان العجارمة، إنه في كل موسم انتخابي يردد البعض أو يكيّف الانتخاب بأنه (حق) للفرد مكفول بموجب الدستور، في حين هناك من يرى بأن الانتخاب هو (واجب) باعتباره الوسيلة الأساسية لإسناد السلطة في الديمقراطيات المعاصرة، وأن من واجب الفرد المشاركة في الحياة السياسية لانتخاب أعضاء مجلس النواب.
وأكد العجارمة، في ادراج عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الانتخاب لا يكون معبراً عن روح الديمقراطية إلاّ بمشاركة أكبر عدد ممكن من المواطنين في العملية الانتخابية.
وتاليا ما نشره العجارمة:
الانتخاب: بين الحق والواجب-وجهة نظر قانونية
في كل موسم انتخابي يردد البعض أو يكيّف الانتخاب بأنه (حق) للفرد مكفول بموجب الدستور، في حين هناك من يرى بأن الانتخاب هو (واجب) باعتباره الوسيلة الأساسية لإسناد السلطة في الديمقراطيات المعاصرة، وأن من واجب الفرد المشاركة في الحياة السياسية لانتخاب أعضاء مجلس النواب، فالانتخاب لا يكون معبراً عن روح الديمقراطية إلاّ بمشاركة أكبر عدد ممكن من المواطنين في العملية الانتخابية.
وعلى أي حال، وأيا كان الأمر فقد اختلف فقهاء القانون العام في تكييف الطبيعة القانونية للانتخاب إلى اتجاهات التالية:
الاتجاه الأول: يرى بأن الانتخاب حق شخصي : يتمتّع به كل مواطن وعلى أساس المساواة بين المواطنين، باعتبار الانتخاب من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز حرمان أحد منه. وإن أغلب الدساتير-ومنها الدستور الأردني -اخذت بمبدأ الاقتراع العام الذي يقضي بثبوت حق الانتخاب لجميع المواطنين ضمن ما يعرف بمبدأ عمومية الانتخاب، والذي لا يفرض قيوداً معينة على الحق في الانتخاب
وبالتالي فإن الانتخاب حق لكل فرد في المجتمع تطبيقاً لمبدأ المساواة بين المواطنين.
ويرتب على هذا القول -بأن الانتخاب حق شخصي -عدم إلزام الفرد بأي التزام تجاه هذا الحق. فهو حر في أن يمارس هذا الحق ويشترك في العملية الانتخابية، أو أن يمتنع عن ذلك، فلا يجوز فرض عقوبة أو جزاء نظرا للامتناع عن التصويت. ولم يفرض المشرع الأردني في قانون الانتخاب أي عقوبة على الفرد الذي لم يشارك في العملية الانتخابية.
لكن بالمقابل، لو سلمنا بأن الانتخاب حق، نجد بأن هذا الحق لا يتمتع بما تتمتع به باقي الحقوق من خصائص، فالحقوق قابلة للتصرف ويمكن التنازل عنها او التفويض او التوكيل فيها، وهذا غير متصور في قانون الانتخاب وغير جائز قانوناٍ.
الاتجاه الثاني: يرى بأن الانتخاب وظيفة او واجب وطني: ولا يعتبر الانتخاب حقاً بل مجرد وظيفة يؤديها المواطن نتيجة لانتمائه إلى الأمة صاحبة السيادة. أي أن سلطة الانتخاب لا تمنح للأفراد لأنهم أصحاب سيادة، ولكن بصفتهم ملزمين باختيار ممثلين عن الأمة ليعبروا عن سيادتها، وهم إذ يمارسون عملية الاختيار هذه لا يمارسون حقاً شخصياً لهم، وإنما يمارسون وظيفة وبالتالي لا تعطى هذه الوظيفة إلا للأجدر والأكثر كفاءة وينحصر ذلك في فئات قليلة من الناس وفقا لأحكام القانون.
وعليه، وطالما أن هذه العملية هي واجب وطني فإن باستطاعة تلك القوانين أن تجعل من عملية التصويت هذه إلزامية وكذلك يمكن فرض عقوبات إذا اقتضت الحاجة عند عدم التقيد بهذه العملية او حرمان الشخص من بعض المزايا نتيجة لتقصيره او اهماله بعدم ممارسة لهذا الواجب.
الاتجاه الثالث: الانتخاب حق ووظيفة: وقف أنصار هذا الاتجاه موقفا وسطاً بين الاتجاهين السابقين، حيث يرى أنصار هذا الاتجاه بأن الانتخاب حق ووظيفة على أساس تكييف الانتخاب بأن له صفتين، صفة الحق وصفة الوظيفة معاً، فالانتخاب – عندهم-حق فردي، ولكنه يعتبر وظيفة واجبة الأداء في نفس الوقت.
فالانتخاب-عند أنصار هذا الاتجاه-حق سياسي «منظم دستورياً وقانونياً» وفي ذات الوقت واجب وطني، باعتباره حقاً يخوّل صاحبه اللجوء إلى القضاء لدفع أي اعتداء على هذا الحق يحول دون ممارسته. ودليل ذلك أن بعض الأنظمة اعتبرت عدم المشاركة في الانتخابات تخلّفاً عن واجب وطني عام، وأفردت له عقوبات تتمثل في الحبس أو الغرامة أو عدم تلقي بعض الخدمات العامة أو المنع من تولي بعض الوظائف الحكومية أو المنع من الترشح للمناصب المختلفة. ومن الدول التي فرضت بعض من هذه العقوبات؛ أستراليا وبلجيكا والبرازيل وسنغافورة وتايلند.
في حقيقة الامر، لا يمكن الجمع بين هاتين الصفتين المتعارضين في لحظة واحدة؟
الاتجاه الرابع: الانتخاب سلطة قانونية: اشاطر أنصار هذا الاتجاه الراي بان الانتخاب لا يعتبر حقاً شخصياً كما لا يُعد وظيفية اجتماعية، بل هو سلطة قانونية يؤسسها وينظم قواعدها الدستور ويوضح القانون شروطها ويبين آليات تطبيقها لأجل أن يشترك المواطن في اختيار ممثليه في البرلمان. والمركز القانوني للناخب هو مركز تنظيمي عام بعيد كل البعد عن المركز القانوني الفردي.