التشريعات والسياسات الخاصة بالإعلانات في الأردن غير حساسة للنوع الاجتماعي
تساهم بعض الإعلانات الموجهة للرجال في تعزيز ثقافة الأقران الذكورية التي تستبعد النساء أو تهينهن أو تحتقرهن
الإعلانات المسيئة للنساء تحد من استقلالهن ووصولهن الى مواقع صنع القرار
تضامن: إعلان مهين للنساء وللمجتمع يجب إزالته فوراً

مرايا – نشر احد محلات السوبرماركت في عمان على صفحته على الفيسبوك إعلاناً مسيئاً للنساء وبصورة مقززة تحط من كرامة النساء وتكرس الصور الدونية لهن، وتشكل إهانة كبيرة لمشاعرهن لا بل إهانة للمجتمع بأسره، وأظهر الإعلان امرأة فرحة بمعطر تخرج من داخل مرحاض، وتدعو جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” الى إزالة هذا الإعلان فوراً والإعتذار لكل النساء والرجال في الأردن.

وتشير “تضامن” إن هذه الممارسات في الإعلانات ما هي إلا تعزيز للصور النمطية الضارة، وتميل الإعلانات الموجهة للبالغين الى النمطية لإبراز أدوار كل من الذكور والإناث، ففي دراسة حول الإعلانات التلفزيونية بعدة دول تبين بأنه تم تقديم الرجال ضعفي عدد النساء على أنهم مضحكين ومرحين، وقدم الرجال أكثر من النساء بنسبة 62% شخصيات ذكية كشخصيات الأطباء أو العلماء، وقدموا أيضاً أكثر من النساء بنسبة 29% على أنهم يملكون السلطة والقوة، و 28% أكثر من النساء على أنهم أصحاب الإنجازات.

وأصبح الأطفال يميزون وفقاً لذلك ما هي ألعاب “الأولاد” وما هي ألعاب “البنات”، حتى في إختيار الألوان هنالك ألوان لكلا الجنسين، وترتبط بالأولاد الألعاب التي تجسد الأدوار الخيالية كالأبطال مفتولي العضلات، والعدوانية، والأسلحة والسيارات. فيما ترتبط بالبنات صفات مغايرة كوصفهن بالأميرات الصغيرات، والدمى، وأدوات المطبخ والتجميل. وهي في نهاية المطاف عبارة عن إعلانات موجهة للأطفال تكرس الهيمنة الذكورية والإستقلالية والقوة.

وتضيف “تضامن” بأنه عادة ما تظهر النساء في الإعلانات بأدوار داخل المنزل، فيما يظهر الرجال في أدوار خارج المنزل، ولا يتصور أن نجد الرجال في إعلانات خاصة بمنتجات الأطفال، أو أدوات التنظيف أو الغسيل ، وهي إعلانات تستهدف النساء بشكل مباشر وذلك بإستخدام الكلمات المؤنثة في الإعلانات.

هذا وينجم العنف ضد النساء عن عدم المساواة بين الجنسين، وأدوار القوة غير المتكافئة بينهما في المجالين الخاص والعام، وتعود جذوره الى الأنماط الاجتماعية (العادات والتقاليد والأعراف) التي تديمها وتعززها المواقف والممارسات الضارة، والصور النمطية لأدوار كل من النساء والرجال، والأشكال متعددة الجوانب للتمييز بينهم.

وتعمل بعض وسائل الإعلام والمعلنين على ترسيخ الصور النمطية لأدوار كل من الذكور والإناث، كإظهار النساء والفتيات على أنهن في مرتبة أدنى من الرجال والفتيان، أو أن لهن أدواراً محدودة في المجالين الاجتماعي والمهني، وتغُيب مهاراتهن وكفاءاتهن الفعلية، وتكرس أدوارهن الإنجابية بإعتبارها الأدوار الوحيدة لهن في المجتمع دون أي إعتبار لأدوارهن الإنتاجية ومشاركتهن في الحياة العامة. كما تعمد بعض هذه الوسائل على نشر صور تحط من قيمة النساء وتمس كرامتهن بإعتبارهن “أدوات” جنسية خاضعة للرجال، كما تروج لنماذج وصور وسلوكيات من المرجح أن تشجع على العنف ضدهن والتغاضي عنه.

وتمتاز الإعلانات بتأثيرها الواسع على الأفراد في المجتمع، فهي موجودة في كل مكان وفي أي وقت، وقد يتساءل البعض عن عدد الإعلانات التي يشاهدها أو يسمعها يومياً، ووفقاً لأحد الأبحاث عام 2007 يصل متوسط الإعلانات التي يشاهدها أو يسمعها شخص يعيش في مدينة قبل 30 عاماً الى 2000 إعلان يومياً، مقارنة مع 5000 آلاف إعلان في عام 2017.

التشريعات والسياسيات الخاصة بالإعلانات في الأردن غير حساسة للنوع الاجتماعي

وعلى الرغم من وجود تشريعات وسياسات في الأردن تنظم الإعلانات، إلا أنها في حقيقة الأمر لا تتضمن بشكل واضح حساسيتها للنوع الاجتماعي، كما أن الجهات المختصة لم تتلق أية شكاوى حول إعلانات مسيئة للنساء. على الرغم من رصد مؤسسات المجتمع المدني ومن بينها جمعية معهد تضامن النساء الأردني إعلانات مسيئة للنساء نجحت في وقف بعضها ولم تنجح في وقف البعض الآخر، علماً بأن هذا الوقف لم يكن قائماً على مخالفات للتشريعات السارية.

كما ويتأثر الأطفال في سن مبكرة بالصور النمطية لكل من الذكور والإناث التي تجسدها الإعلانات، وتسويق ألعاب الأطفال وملابسهم تعكس بشكل صارخ هذه الصور النمطية وتعمل على إستمراريتها وإدامتها، وهي بالتأكيد إنعكاس لما يتبناه المجتمع من تحديد لأدوار كل من الذكور والإناث.

وتظهر النساء في كثير من الأحيان في الإعلانات بملابس مغرية في حين يظهر الرجال بملابسهم الكاملة، وأظهرت دراسة أمريكية للإعلانات في المجلات الشعبية بأن أكثر من نصف النساء صورن على أنهن أدوات وأشياء جنسية، وفي المجلات الخاصة بالرجال صورت ثلاثة أرباع النساء بهذا الشكل.

تساهم بعض الإعلانات الموجهة للرجال في تعزيز ثقافة الأقران الذكورية التي تستبعد النساء أو تهينهن أو تحتقرهن

إن ثقافة الأقران الذكور التي تعزز العداء تجاه المرأة أو عدم إحترامها تعد من الأسباب الكامنة وراء العنف الممارس ضدهن، وتساهم بعض الإعلانات الموجهة للرجال في تعزيز ثقافة الأقران الذكورية التي تستبعد النساء أو تهينهن أو تحتقرهن. وعادة ما تظهر النساء على أنهن تحت سيطرة الرجال، وأن ليس بإستطاعتهن الخروج من محيطهم.

وتستغل بعض الإعلانات إستخدام العنف ضد النساء سعياً وراء إثارة الجدل وجذب الإنتباه، وتقوم هذه الإعلانات بإظهار النساء يتعرضن للعنف، أو أنهن تحت سيطرة الرجال، أو يتعرضن للمراقبة أو التحرش أو الخداع، وتظهرهن على أنهن محبطات وضعيفات ويائسات من الحياة.

كما إنتشر في الأردن في السنوات الأخيرة إعلانات مسيئة للنساء والرجال على حد سواء والعلاقات بينهم، لا بل مسيئة لمنظومتي الزواج والأسرة، وكان بعضها مسيئاً لدرجة أنه تم إلغائها بضغط من مؤسسات المجتمع المدني من جهة والرأي العام من جهة أخرى، خاصة وأن الجهات الرسمية لم تتخذ أي إجراءات لمنع هذه الإعلانات وقد يكون الإطار القانوني الحالي لا يسعفها في ذلك، أو لربما لم تقدم أي شكوى ضد هذه الإعلانات لدى الجهات المعنية.

الإعلانات المسيئة للنساء تحد من استقلالهن ووصولهن الى مواقع صنع القرار

هذا وتؤدي الإعلانات غير الحساسة للنوع الاجتماعي سواء أكانت عن قصد أو بدون قصد الى الحد من إستقلال النساء ووصولهن الى مواقع صنع القرار في المجالين الخاص والعام، وتعزيز الصور والقوالب النمطية عن أدوار كل من الذكور والإناث، والى التسامح والتغاضي عن العلاقات بين الرجال الأقران المتضمنة عنف وعدم إحترام للنساء، وإنكار ظاهرة عدم المساواة بين الجنسين، كما أن لها تأثير سلبي على صحة النساء ورفاههن.