مرايا – اختتم مؤتمر “الانتخابات النيابية وآفاق المرحلة القادمة”، الذي عقد (عن بُعد) خلال الفترة ما بين 3-6 ديسمبر/ كانون الثاني 2020، بالتعاون بين معهد السياسة والمجتمع للدراسات والأبحاث ومركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية ومؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، لمناقشة الدلالات والمؤشرات المتعلقة بالانتخابات النيابية الأخيرة على صعيد دور مجلس النواب وتركيبته وموازين القوى الداخلية عموماً، والاتجاهات والأولويات المرتبطة بالمرحلة القادمة،
الانتخابات النيابية قراءة في المؤشرات والدلالات
شهد اليوم الأول من المؤتمر جلسة نقاشية تناولت قراءة في المعطيات والأرقام المتعلقة بالانتخابات، مع التركيز على مشاركة المرأة والشباب والأحزاب ومقارنة التفاعل الانتخابي بين المركز والمحافظات وأهم الدروس المستفادة من التجربة الانتخابية التي اختبرت للمرة الثانية فاعلية قانون الانتخاب الذي أجمع المشاركون على أهمية تعديله وتطويره في صالح تعزيز العمل السياسي خصوصًا لدى المكونات الثلاثة؛ الأحزاب والشباب والمرأة.
الجلسة التي أدارها د. محمد أبو رمان، وزير الثقافة والشباب الأسبق؛ استضافت كل من معالي الدكتورة أسمى خضر من معهد تضامن النساء الأردني، والدكتورة عبلة عماوي الأمينة العامة للمجلس الأعلى للسكان، والدكتور عامر بني عامر رئيس مركز راصد، الناشط الشبابي والسياسي يزن شديفات.
افتتح الدكتور محمد أبو رمان الجلسة بتساؤل يدور في الوسط السياسي البرلماني حول مستقبل المجلس الجديد، في ضوء الشبح الذي يلاحقه قبل أن يبدأ بأنّه “ليس ابن عيشة”؟ وطرح مدير الجلسة عدداً من التساؤلات عن أسباب انخفاض نسبة التصويت بشكل عام ومدى تأثير انتشار كورونا على المشاركة في العملية الانتخابية؟
أجاب الدكتور عامر بني عامر، المتخصص برصد الانتخابات والسلوك البرلماني، بأنَّ عدة عوامل تساهم في تصدير عنصر التشاؤم حول البرلمان الجديد؛ في مقدمتها التغيير الكبير في الوجوه وتقاطع المصالح مع غير المستفيدين من الانتخابات، خصوصًأ الذين لم يتمكنوا من حجز مقعد في البرلمان، بالإضافة إلى الذين تتقاطع أجندتهم مع أجندة عقد الانتخابات، كما أشار بني عامر تأثير كمية الطعون والشكاوي والقضايا حول نزاهة الانتخابات.
أكَّد بني عامر على جدية المحاولة الحزبية التي نتج عنها تفاعل في التصويت للحزبيين وصل إلى 300 ألف صوت – بحسب استطلاع مركز راصد – الأمر الذي يعتبره تقدما كبيرا مقارنة بالضروف التي أحاطت بالعملية الانتخابية وتوقيتها
وفي سؤال مشاركة المرأة؛ ركَّزت الدكتورة عبلة عماوي على أهمية موضوع المرأة في القطاعات العامة والخاصة كافّة؛ سياسيًا وقتصاديًا، والاجتماعيًا وثقافيًا، وأشارت الدكتورة عماوي إلى عوامل ساهمت في تراجع المشاركة في الانتخابات، لكنّها في المقابل طالبت بالنظر إلى موضوع الانتخابت النيابية من خلال منظور مجتمعي- اقتصادي أوسع يتمّثل في وضع المرأة نفسه في نسبة البطالة والقوى العاملة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية لها. كما نوهت إلى وجود خلل على مستوى عميق فيما يتعلق بمشاركة المرأة بالشأن العام.
من جهةٍ أخرى دافعت الدكتورة أسمى خضر عن المنظمات النسوية في ضعف الدور المطلوب في مساندة المرأة في الانتخابات، تحديدًا في صياغة خطابات سياسية فاعلة ومؤثرة، بإحالة السبب إلى قانون الجمعيات الذي لا يسمح للمنظمات النسائية بتنظيم النساء في المجال السياسي. وفي السياق ذاته تساءلت الدكتورة خضر عن فعالية الحزبيين ونسبة السياسيين الفاعلين من نسبة البرلمانيين، وأكدت على أن الانتخابات دائمًا ما تكشف تردي الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمرأة.
تجد الدكتورة خضر في العدد الكبير للمترشحات في الانتخابات مؤشرا إيجابيا من حيث المسؤولية والثقة بالنفس والاهتمام بالشأن العام مع تأكيدها المستمر على الحاجة للتنمية السياسية والقدرة على الانخراط بالعمل السياسي وأهمية خلق التحالفات بين أصحاب المصالح في إشارة منها للشباب والمرأة مع أهمية مراجعة وتعديل قانون الانتخاب الحالي الذي بدأ يشكل حاجز أمام حضور المرأة السياسي، وتبديله بنظام التمثيل التبادلي الذي يسمح للمرأة بأن تكون حاضرة في القوائم مناصفة مع الرجل. كما دعت إلى ضرورة تشكيل تحالفات من المهمّشين في العملية السياسية لتحسين شروطها، كالنساء والشباب وغيرهم من فئات لا تخدم التشريعات والقواعد الحالية تنمية مشاركتهم السياسية.
فيما يتعلق بمشاركة الشباب في الانتخابات، تحدث يزن شديفات عن أهم العوامل التي أدت إلى إخفاق الشباب في الوصول الفاعل إلى البرلمان، والتي تتلخص في قانون الانتخاب من جهة، وفي إشكالية الاتصال السياسي وضعف الخطاب السياسي من جهة أخرى، مع تأكيده على أهمية مراجعة الدستور فيما يتعلق بتخفيض سن الترشح حتى يتمكن أكبر عدد من الشباب من الاندماج في العمل السياسي. كما أشار شديفات إلى ضرورة تحسين بيئة العمل السياسي الشبابي وعدم التردد في إدماج الشباب في العمل العام، وتطوير الآليات والطرق التي تعزز من تمثيلهم في مؤسسات الدولة، سواء في مجلس النواب أو حتى السلطة التنفيذية.
المجلس القادم التركيبة الداخلية والأولويات
خصص اليوم الثاني من المؤتمر للحديث عن أولويات العمل البرلماني القادم وتركيبة الداخلية للمجلس وصورة العمل التشريعي الرقابي مقابل الوظيفة الخدماتية وكيفية مد جسور الثقة للمواطن والاهتمام بالتجديد خصوصًا في ظل تواجد عدد كبير من الوجوه الجديدة بما فيهم الشباب
الجلسة التي أدارها أحمد القضاة مدير الاتصال في معهد السياسة والمجتمع، استضافت كل من النواب الجدد: زيد العتوم، دينا البشير، ينال فريحات، بالإضافة للنائب السابق وفاء بني مصطفى الخبيرة في العمل البرلماني، التي دخلت إلى مجلس النواب في سن الشباب واستطاعت الوصول إلى المجلس عن طريق التنافس وليس الكوتا النسائية.
افتتحت الأستاذة وفاء بني مصطفى الجلسة من خلال إجابة على سؤال أحمد القضاة حول توقعاتها لشكل المجلس وتركيبته في ظل الوجوه الجديدة والظروف التي أحاطت بعملية الانتخابات وتوقيتها، الأمر الذي قابلته بني مصطفى بإيجابية رغم انخفاض نسبة وصول النساء للبرلمان، بسبب انخفاض متوسط عمر النواب مقابل ارتفاع مستوى التحصيل الأكاديمي، مما يؤشر على وجود فرص للتجديد وتنوع الخبرات، مع تأكيدها إلى أهمية التكتلات مع إشارتها لتجربتها في “كتلة المبادرة” التي وصفتها بالتجربة الناجحة من خلال “الاشتباك الإيجابي”، مستندة إلى الأرقام في تقارير الرصد التي ينفذها المجتمع المدني كتقرير “راصد”.
وفي سؤال الأولويات، أوصت بني مصطفى إلى أهمية معالجة تبعات انتشار وباء كورونا اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ومراجعة قوانين الدفاع خصوصًا، مع تأكيدها على الأثر السلبي لغياب مجلس النواب عن التشريع والرقابة خلال الفترة الماضية
بدوره أكد النائب زيد العتوم على أهمية التحالفات والتكتلات داخل المجلس، مؤكدًا على أهمية التكتل في خلق تيارات وأحزاب جديدة، وأهمية العمل الحزبي البرامجي في مساندة البرلمان في التوازن بين الدور الخدماتي الذي سيبقى يرافق عمل البرلمان الجديد، وبين الدور الرقابي التشريعي للنائب
أمّا النائب دينا البشير فقد أكّدت على أهمية الوجوه الجديدة في إحداث تغيير خصوصًا مع وجود تحالفات وتكتلات جديدة تساعد في مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع الأردني، في مقدمتها إشكالية ارتفاع نسبة البطالة والفقر وأهمية الاستثمار والموارد الطبيعية والزراعة، وفي سؤال الأولية في العمل الخدماتي مقابل التشريعي الرقابي؛ أكدت البشير إلى أهمية العمل الحزبي ومراجعة وتطوير تجربة مجال المحافظات “اللامركزية” التي بالضرورة ستساعد النائب أكثر في التركيز بالعمل التشريعي والرقابي.
و يعزو النائب ينال فريحات تراجع وصول النواب الحزبيين والسياسيين إلى قانون الانتخاب الذي يساهم في فرز نواب العشائر على حساب الحزبيين، وفيما يتعلق بأولويات عمل الكتلة التي ينتمي لها، أكدت فريحات على أولوية مراجعة قانون الانتخاب ومعالجة التحديات الاقتصادية بالطرق غير التقليدية، بالإضافة إلى مواجهة التحديات الإقليمية وفي مقدمتها ما يسمى “صفقة القرن”، وأهمية تعزيز دور العمل النيابي في السياسة الخارجية الأردنية.
واتفق العتوم والفريحات والبشير على أنّ المرحلة الأولى من عمل المجلس ستكون مهمة جداً وحسّاسة، لأنّها ستعطي مؤشراً فيما إذا كان قادراً على تحسين صورة مجلس النواب، التي تدهورت وفقاً لاستطلاعات الرأي، أم أنّه سيكون نسخة مكررة من المجالس السابقة، وبالتالي يقع في فخّ انهيار صورته في منظور الرأي العام الأردني، وسيمضي ما تبقى من وقت من عمره في الدفاع عن نفسه أمام المواطنين.
واتفق النواب الجدد، كذلك، على ضرورة التعامل بذكاء وبحكمة مع جدلية الأدوار الخدماتية والسياسية للنواب، فبينما لا يستطيع النائب أن يتحلل تماماً من مسؤوليته الخدماتية مع أبناء محافظته، في ضوء الأوضاع الاقتصادية المتردية، وفي ضوء معطيات قانون الانتخاب كذلك، التي تجعل أحد أبرز معايير التصويت إيصال نائب الخدمات، لكن في المقابل أكّد النواب الجدد على أهمية بناء توازن معقول بين السياسي والخدماتي، وضرورة قيامهم بمسؤولياتهم التشريعية.
اليوم التالي للانتخابات والآفاق السياسية القادمة
وفي اليوم الثالث والأخير، حاولت الجلسة النقاشية استشراف آفاق المرحلة القادمة مع قراءة في المعطيات التي رافقت النظام الانتخابي وأهم الدروس الرئيسية من الانتخابات ومساحات الإخفاق والنجاح، حيث استضافت الجلسة التي أدارها د. محمد أبو رمان كل من وزير الإعلام الأسبق والمحلل السياسي، سميح المعايطة، والعين صخر دودين، د. آمال الجبور، الناطق باسم الجمعية الفلسفية الأردنية، والناشطة في المجتمع المدني، ديمة خرابشة.
بدأت الجلسة بالصوت الشبابي ديمة خرابشة التي وصفت خيبة الأمل التي لازمت الشباب خلال المشاهد التي رافقت الانتخابات، بداية من الانتخابات الداخلية للعشائر التي وصفتها بالممارسة الإقصائية لكل من الشباب والشابات والمرأة، والتي سمحت بها الحكومة وتهاونت فيها، وأكدت على أن هنالك اتساعاً في الفجوة ما بين الشباب والمؤسسة العامة الأمر الذي يتطلب تدخل ومبادرة من الشباب أنفسهم من خلال المشاركة الفاعلة، خصوصًا في الحكم المحلي والانطلاق من القواعد الاجتماعية عبر التفاعل الشبابي مع مجالس المحافظات “اللامركزية” والمجالس البلدية، مع أهمية خلق التيارات السياسية الجديدة الغير تقليدية في ظل عجز التيارات والقوى التقليدية، كما أكدت الخرابشة على أهمية وجود قرارات استراتيجية تتعلق بالشباب وتلتزم بها الحكومات.
بدورها استعرضت الدكتورة آمال الجبور تجربتها في المشاركة بالانتخابات النيابية الأخيرة والإشكالية في صورة المرشحة الخدماتية مقابل المرشحة المثقفة، حيث يقدم المواطنون الدور الخدماتي الذي تتولاه الناشطة الاجتماعية والمعلمة مقابل الدور الثقافي الفكري للمرأة. ومن خلال التجربة، تؤكد الجبور على أهمية التمسك بالأمل وجدوى التغيير فيما يتعلق بالإصلاح السياسي الذي يندرج منه إصلاحات اقتصادية واجتماعية، مع أهمية التنمية السياسية وتفعيل دور الأحزاب ودعمها، كما أوصت الجيل الشاب إلى أهمية العمل الشبكي والتقنيات الجديدة ودورها الفاعل في العمل العام
بدوره أكد سميح المعايطة على أن مخرجات الانتخابات الحالية لا تختلف سياسيًا وجوهريًا عن الانتخابات السابقة، وبالرغم من تغير الوجوه المتوقع وغياب وجوه رافقت المجلس لفترات طويلة إلا أن البنية السياسية لمجلس النواب هي انعكاس للبنية السياسية للمجتمع، مع تغيير بسيط في نظرة المواطنين للانتخابات التي أصبحت أكثر قسوة
كما أجاب المعايطة على سؤال الحياة السياسية إلى أين؟ من خلال التركيز على أهمية الأوراق النقاشية التي تشكل خارطة إصلاح تساهم في تجديد النخب السياسية وطريقة تفكيرها وأدواتها، وفي الإجابة على سؤال المسار السياسي مقابل الأزمات؛ أكد المعايطة على أهمية وجود مسار سياسي داخلي دافع بموازاة الانشغال بالأزمات، حيث يحتاج التفكير السياسي إلى “عقل بارد” ومناخ هادىء للتعامل مع التحديات الداخلية والمحيطة بالأردن.
ورأى المعايطة أهمية العمل على تجديد النخبة السياسية، ليس فقط باستبدال الوجوه القديمة بجديدة، بل من خلال حكومة سياسيين ميدانيين قادرين على ردم الفجوة بين الشارع والدولة ومواجهة التحديات الكبرى. ودعا المعايطة إلى أهمية العمل على تنشيط الحياة السياسية الداخلية، والتفكير منذ اليوم بالانتخابات القادمة لرفع نسبة المشاركة الشعبية، وقال إن العمل اليوم لا بد أن يكون على المواطن والناخب لتوفير البيئة المناسبة له للمشاركة في الحياة السياسية.
بدوره فسَّر سعادة العين صخر دودين تراجع مستوى الحياة السياسية إلى تردي جودة النظام التعليمي، كما أشار إلى أهمية بناء قدرات البرلمانيين الجدد وتهيئتهم للعمل البرلماني، كما نوّه إلى التعقيد الموجود في قانون الانتخاب والذي يحتاج إلى تبسيط وتعديل يتلائم مع خصوصية المجتمع الأردني
بالإجابة على سؤال ضعف اهتمام السكان في العاصمة والزرقاء بالانتخابات النيابية؛ يؤكد دودين على فكرة أن هذا النوع من الحراكات مرتبط بالقطاع العام أكثر من ارتباطه بالقطاع الخاص، ولأن المجلس يأخذ صفة العمل الخدماتي أكثر من العمل التشريعي الرقابي؛ فإن الأوليات تختلف في هذه المناطق عن مناطق المحافظات والأطراف، مع تأكيده على أهمية التمكين السياسية وتبني نهج المكاشفة والتشاركية.
من بين التوصيات التي تقدّم بها المشاركون خلال الأيام الثلاثة للمؤتمر: ضرورة إعادة النظر ومراجعة قانون الانتخاب بما يسمح بإدماج الشباب والقوى السياسية والاجتماعية أكثر في الحياة السياسية، والدعوة إلى خفض سن الترشّح للشباب إلى 25 عاماً في انتخابات مجلس النواب (الأمر الذي يتطلب تعديلاً دستورياً)، وإعادة النظر في منظومة الكوتات؛ بالعمل على تطوير قانون الانتخاب بصورة تدمج الجميع في بنية القوائم، بدلاً من تخصيص كوتات محددة لهم، وبأهمية العمل على الثقافة السياسية الوطنية وبناء خطوط حوار عميقة حول الهوية الوطنية والمشاركة السياسية والعلاقة بين المجتمع والدولة.