مرايا – بتاريخ 6/12/2020 أيدت محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية القرار الصادر عن محكمة الجنايات الكبرى بتاريخ 26/7/2020، والقاضي بإدانة شخص بجريمة هتك العرض وفقاً لأحكام الفقرة (1) من المادة 296 من قانون العقوبات والحكم عليه بالأشغال لمدة أربع سنوات، ونظراً لكونه مكرراً قررت المحكمة تشديد العقوبة لتصبح خمس سنوات.
وحول تفاصيل الحادثة، أشارت جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” الى أن وقائع القضية تتلخص في قيام المشتكى عليه بالتحرش جسدياً بالمشتكية (وضع يده مرتين على مؤخرتها) في ممر أحد اقسام الطوارئ في مستشفى حكومي حيث كانت تنتظر مع إبنتها لمتابعة حالة إبنها الذي يعاني من مرض القلب ونزيف بالدماغ. وقررت تقديم شكوى مباشرة الى مكتب الشرطة في المستشفى وعليه جرت الملاحقة والمحاكمة وإصدار الحكم.
وتضيف “تضامن” بأن عده عوامل ساهمت في ملاحقة المتحرش وتجريمه وفي مقدمتها عدم صمت الضحية وتقديمها الشكوى، الى جانب وجود إبنتها الشاهدة على الواقعة، كذلك ما ورد لمكتب الشرطة في المستشفى من احد الموظفين بأن هنالك شخص يتحرش بالنساء، حيث تم إحضاره الى المكتب بدلالة الموظف، وبعدها دخلت المشتكية الى المكتب لتقديم شكوى ضده. حيث ذكر أحد أفراد مكتب الشرطة في شهادته بأنه “ورد اخبار من احد الموظفين داخل المستشفى الي والى زميلي الرقيب….بأن هنالك شخص يقوم بالتحرش بالفتيات داخل طوارئ المستشفى، وانا طلبت من زميلي ان يذهب الى الطوارئ من اجل احضار ذلك الشخص، وذهب زميلي الى داخل قسم الطوارئ وضبط ذلك الشخص بدلالة الموظف الذي بلغنا بالمعلومات، وقام زميلي بإحضار ذلك الشخص، واثناء وجوده عندنا حضرت المشتكية الى المفرزة وابلغتنا بان المتهم تحرش بها.”
الفارق بين جريمة هتك العرض وجريمة الفعل المناف للحياء يكمن في الاستطالة على العورات
لقد إستقر إجتهاد القضاء الأردني على أن الفارق ما بين جريمة هتك العرض وجريمة الفعل المناف للحياء، يكمن في جسامة الفعل المادي الذي يقع على المعتدى عليه، فإن إستطال على مواضع يعتبرها المجتمع من العورات التي يحرص سائر الناس على سترها ولا يدخرون وسعاً في صونها، فالجريمة هتك عرض، وإن بقي الفعل بدرجة اللمس والمداعبة من غير المساس بالعورات فالجريمة هي فعل مناف للحياء.
كسر حاجز الصمت ووقوف المجتمع الى جانب الضحايا كفيلان بالحد من التحرش الجنسي
إن الأفراد المعرضين للتحرش يربطون الأسباب العامة للتحرش بإختلالات أصابت منظومة القيم والأخلاق في المجتمع، وهو ربط صحيح ويعبر عن معاناة النساء الناتجة عن سلوك مرتكبي التحرش في ظل حالة الإنكار لهذه الظاهرة، وتسامح المجتمع مع مرتكبيه، وتحميل النساء والفتيات المسؤولية كاملة عن ذلك والتي تدفع أغلبهن الى تقضيل السكوت والصمت خوفاً على السمعة، وعدم التقدم بشكاوى رسمية والتبليغ عن حالات التحرش والتصدي لها بشكل يشكل رادعاً مدفوعاً بمجتمع داعم وقوي يقف في وجه كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات، ولا يقبل أبداً التسامح والتغاضي عن سلوكيات لأفراده مهما كانت مستوياتهم التعليمية أو الوظيفية، أو سلطاتهم الشرعية أو القانونية.
76% نسبة إنتشار التحرش بأشكاله المختلفة بين أفراد عينة دراسة “ظاهرة التحرش في الأردن 2017”
هذا وقد أظهرت دراسة “ظاهرة التحرش في الأردن 2017” والتي أعدتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة بتاريخ 25/11/2018، بأن ثلاثة أفراد من كل أربعة (75.9%) ضمن عينه الدراسة قد تعرضوا لمرة واحدة على الأقل لأحد أشكال التحرش الجنسي، فيما كانت نسبة إنتشار التحرش الإيماني (89%) والتحرش اللفظي (88%) والتحرش الجسدي (68%) والتحرش الالكتروني 80%) والتحرش النفسي (52%). وكانت أكثر أفعال وسلوكيات التحرش الجسدي تكراراً بين أفراد العينة “الإلتصاق والإحتكاك بالجسد”، واكنت أكثر ردود فعل الضحايا على التحرش الجسدي في الأماكن العامة تكراراً هي “الصمت” و “ترك المكان”.
وتشير “تضامن” وهي معنية كمؤسسة مجتمع مدني وبمشاركة كافة الجهات ذات العلاقة، بإيجاد الحلول العملية والواقعية لكافة الظواهر الاجتماعية السلبية والتي تؤثر بشكل خاص على النساء والفتيات والأطفال من الجنسين، وتحرمهم من التمتع بحقوقهم الأساسية، تقترح إنشاء نظام مبكر شامل لظاهرة التحرش الجنسي والجرائم الجنسية الأخرى الأشد خطورة.
ويهدف نظام الإنذار المبكر بإعتباره أحد أدوات مواجهة “الظواهر الاجتماعية السلبية” بما تسببه من إخلال بالأمن الاجتماعي والأسري، الى تزويد صانعي القرار وواضعي الاستراتيجيات والبرامج والتدخلات بالمعلومات والمعطيات التي تنذر بإرتفاع إحتمالية حدوث أو وقوع فعلي لحالات تحرش جنسي أو أي جرائم جنسية أخرى في أماكن معينة و/أو في أوقات معينة، والإجراءات الواجب إتخاذها لمنع حدوثها ومعالجة آثارها.
إن توفير معلومات دقيقة ومفصلة حول الشكاوى الواردة من ضحايا التحرش الجنسي وتحليلها ومتابعتها الى جانب السير بإجراءاتها القانونية، هي من أهم خطوات تأسيس نظام الإنذار المبكر. فبموجب هذه المعلومات يمكن بناء استراتيجيات فعالة وإتخاذ قرارات قائمة على المعرفة وتنفيذ برامج موجهة الى الفئات الأكثر تأثراً بها سواء أكانوا ضحايا أم جناة.
يشار الى أن المعلومات والأرقام المتوفرة حول التحرش الجنسي ضعيفة ومتواضعة لأسباب متعددة ومن أهمها ضعف التوعية القانونية للضحايا المحتملين من الجنسين، وتردد الضحايا في الإبلاغ وتقديم الشكاوى خوفاً على السمعة، وعدم وجود ضابطة عدلية من النساء لإستقبال الشكاوى، والإجراءات القضائية الطويلة والتي تتطلب حضور الضحايا وتكرار الأقوال أمام جهات قانونية وأمنية وقضائية مختلفة، وعدم تشجيع أفراد الأسرة لتقديم هكذا شكاوى، إضافة الى التسامح المجتمعي مع مرتكبي التحرش الجنسي بشكل خاص.