مرايا – يفقد البحر الميت حياته رويدا رويدا، تتلاشى أمواجه وتتبخر قطرات مائه مخلفة أرتالا من الملح، حتى بات وحيدا يواجه مصيره المحتوم، دون محاولات حقيقية وجادة، لإنقاذه من حالة الانحسار التي يتعرض لها، بينما تسارع أشعة الشمس الحارة بتبخره، وصولا في يوم من الأيام إلى إعلان وفاته إن لم يتم تداركه.
وعلى مر القرون والسنوات الغابرة، شكّل البحر الميت ظاهرة فريدة من نوعها على مستوى العالم، وذلك لموقعه الجغرافي بوصفه أخفض بقعة على وجه الأرض، ولطبيعة منطقته الجغرافية الممتدة لحفرة الانهدام، ولكثافة ملوحة مياهه التي تشكل الأعلى على مستوى بحار العالم، مما شكل عائقا أمام ظهور الحياة البحرية في مياهه.
وشكّل البحر الميت للأردن أهمية تاريخية وسياحية ودينية وعلاجية، فعلى شواطئه أقيمت عشرات الاستثمارات بملايين الدنانير، السياحية منها والعلاجية، وذلك بقصد العلاج في مياهه وطينته المعروفة بمعالجة مشاكل البشرة والجلد والمفاصل وغيرها، وزاره خلال العام الماضي نحو 450 ألف زائر، منهم 240 ألف سائح من خارج الأردن، والبقية من داخله.
حرارة وجفاف
تتمثل مشكلة البحر الميت الكبرى بزيادة معدل التبخر في مياهه، وذلك نتيجة التغيرات المناخية، وارتفاع درجات الحرارة في منطقة الأغوار الجنوبية التي يقع فيها البحر الميت جنوب غرب العاصمة عمّان، وتصل فيها معدل درجات الحرارة صيفا بين 35-40 درجة مئوية، مع سماء مشمسة على مدار السنة، وشحّ في تساقط الأمطار.
يضاف إلى ذلك مشكلات أخرى -وفق خبراء ومختصين- أهمها، انخفاض كميات المياه المغذية للبحر الميت من نهر الأردن، وإقامة سدود مائية على الأودية المحيطة بالبحر الميت لغايات الشرب والزراعة، وذلك على ضفتيه الشرقية في الأردن، والغربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة لما تستهلكه الصناعات التعدينية خاصة البوتاس والأملاح، وعلى ضفتي البحر شرقا وغربا.
وأدت الزيادة المطردة بانحسار مياه البحر الميت لزيادة اتساع الشاطئ من متر إلى 1.5 متر سنويا، ونقصان أعماقه بمعدل من 70-80 سنتيمترا كل عام، حتى تراجعت مساحة مسطح البحر المائية إلى 650 كيلومترا للعام الماضي 2019، بعدما كانت 950 كيلومترا في عام 2000، وانخفض مستوى البحر نحو 22 مترا خلال الـ20 سنة الماضية، وذلك مؤشر خطير، وفق خبراء.
انحسار وفقدان للحلول
حالة الانحسار وفقدان الحلول دفعت بالخبير المائي رئيس جمعية أصدقاء البحر الميت سعد أبو حمور إلى إطلاق نداء استغاثة لإنقاذ البحر الميت من حالة الانحسار التي يعاني منها، وحماية أكثر نظام بيئي ندرة في العالم من الزوال.
ووصف أبو حمور الوضع الحالي للبحر الميت في حديثه للجزيرة نت بـ”المؤلم والصعب”، مضيفا نحن نفقد هذا المكان النادر عالميا يوما بعد يوم، وإذا لم يتم تنفيذ مشروع ناقل البحرين الواصل بين البحر الميت والبحر الأحمر جنوبا، فلن يتم تأمين كميات المياه الضخمة التي يحتاجها البحر الميت لاستمرار حياته.
ويؤكد أبو حمور أن كميات المياه التي ستصل للبحر الميت في المرحلة الأولى من تنفيذه نحو 235 مليون متر مكعب، مما سيوقف 50% من نسبة الانحسار الحاصلة بالبحر، أما المرحلة الثانية فسيصل 700 مليون متر مكعب، مما يمنح الحياة للبحر الميت ويعيد له الأمل بالبقاء.
علاج وسياحة
وعلى شواطئه البيضاء الملحية الممتدة التقت الجزيرة نت زوارا جاؤوا للبحر الميت بقصد العلاج والسياحة، الشاب يوسف البطوش يعاني من مرض الصدفية، يسبح في مياه البحر الميت ويدهن جسمه بطينته الغنية بالمعادن طمعا بعلاج ناجع لمرضه.
وعلى مصب نهر من المياه الكبريتية المعدنية الساخنة القادمة من جبال ماعين المطلة على البحر، جلست الستينية أم سالم العدوان تبحث عن علاج لمفاصلها التي داهمها المرض بعد طول عناء.
حفر خسفية وانهدامية
ويقول رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب نقيب الجيولوجيين الأردنيين صخر النسور للجزيرة نت، إن الاعتداءات المتكررة من الاحتلال الإسرائيلي على مصبات المياه المغذية للبحر الميت وأهمها نهر الأردن، سبب رئيسي في مشكلة انحسار مياه البحر، فنهر الأردن كان يزود البحر الميت بـ1.5 مليار متر مكعب سنويا، أما اليوم فما يصل للبحر أقل من 200 مليون متر مكعب.
وبيّن أبو حمور أن مشكلة الانحسار تسببت بمشاكل معقدة، أخطرها “الحفر الخسفية أو الانهدامية” بأقطار وأعماق متفاوتة تصل لـ20 مترا، مما يفاقم هشاشة التراكيب الجيولوجية في المنطقة، ويؤدي لانهيارات بالاستثمارات القائمة والبنية التحتية للمنطقة.
مشكلة انحسار البحر الميت وفقدانه قد لا يتمكن الأردن من مواجهتها منفردا، مما يتطلب جهدا دوليا من حكومات دول العالم والمنظمات الدولية والأممية المهتمة باستمرار هذا الإرث التاريخي، للمساهمة في الحفاظ عليه بشتى الطرق.
المصدر: الجزيرة