مرايا – بين عامي 1633 و1651، كانت جوليا توفانا السبب الرئيسي لإنهاء حياة ما يزيد على 600 رجل، فقد صنعت بعناية ودقة خلطتها الخاصة من السم، وعبأتها بلمسة أنثوية خالصة، ومنحتها للنساء المعنَّفات والمعذَّبات للتخلص من أزواجهن.
وعلى مدى 20 عاما، قُتل الرجال وشرّحت أجسادهم دون العثور على أي أثر أو شبهة جنائية، فصارت “جوليا” قديسة في نظر كثيرات، ومصدر رعب قاتل للرجال حتى بعد موتها.
زيجات مدبرة
خلال عصر النهضة بإيطاليا في القرن الـ17، كانت غالبية الزيجات مدبرة، وكانت في الأساس تسعى لترسيخ التحالف بين العائلات أكثر من البحث عن الحب، ولم يكن للنساء رأي في اختيار الزوج.
لم تترك تلك الزيجات أي احتمال للطلاق، وكان السبيل الوحيد للخروج من الاتحاد غير السعيد هو الموت.
معظم الزوجات كنَّ مراهقات لم يتخطين الـ14 عاما وقت الزواج من رجال في منتصف الثلاثينيات.
وبحسب ما جاء في موقع “ميديوم” (Medium) بمجرد إتمام الزواج، كان للأزواج سيطرة كاملة على زوجاتهم، وغالبا ما كانوا يضربونهن أو يسيئون معاملتهن دون خوف من مواجهة عقاب أو حتى مساءلة.
الخيار الأمثل: أرملة
لم يكن لدى النساء في تلك الفترة أي سلطة مادية أو اجتماعية، وكان أمامهن 3 خيارات فقط: إما الزواج واحتمال قسوة الزوج، أو البقاء عازبات، أو أن يصبحن أرامل يمتلكن حياة ميسرة، وكان هذا الخيار لبعضهن هو الأكثر جاذبية.
في نفس تلك الفترة، ولدت جوليا توفانا، حوالي عام 1620 في مدينة باليرمو عاصمة صقلية، وعندما بلغت من العمر 13 عاما، أعدمت السلطات والدتها “توفانيا دامو” بتهمة قتل زوجها “فرانسيس” والد “جوليا”.
انتقام بالوكالة
بعد مدة من وفاة والدتها، تزوجت “جوليا” وأنجبت فتاة أسمتها “جيرولاما سبارا”، وأصبحت جوليا أرملة، وانتقلت مع ابنتها إلى نابولي ثم إلى روما.
كان في روما في ذلك الوقت عالم موازٍ تحدُث فيه الجرائم بشكل سري ومزدهر في آن واحد، وكان هذا العالم يتألف من كيميائيين وصيادلة وخبراء في السحر الأسود، يعملون على حلّ المشكلات التي كان الأطباء أو الكهنة في ذلك الوقت لا يقبلون أولا يستطيعون القيام بها، مثل إجراء عمليات الإجهاض.
عملت جوليا وابنتها في صنع مستحضرات التجميل وبيعها للنساء، ومن خلال عملها صادقت الكثيرات من زبائنها، ولا سيما نساء الطبقة الدنيا المعنَّفات من أزواجهن.
تعاطفت جوليا مع حكاياتهن، وقررت مساعدتهن على التخلص من أزواجهن باستخدام السم.
كما جندت جوليا أكثر من 200 شخص لمعاونتها. في البداية جمعت عددا قليلا من الثقات ومن بينهنّ ابنتها “جيرولاما”، كما وظّفت القس الروماني الكاثوليكي “الأب جيرولامو” وكان مسؤولا عن إمدادها بالزرنيخ بكميات كبيرة، من خلال شقيقه الصيدلي.
عبقرية الـ”أكوا توفانا”
وزّعت جوليا السم الخاص بها الذي صنعته من مزيج الزرنيخ والرصاص ونبات البيلادونا، بطريقتين: إحداهما في هيئة مساحيق تجميل، والأخرى مخبأ في قوارير صغيرة عليها صور للقديس نيكولاس دي باري، وفي كلتا الطريقتين يمكن أن توضع قارورة السم على منضدة زينة المرأة، ويمتزج بين المستحضرات والعطور، دون أن يثير الريبة.
كان المزيج الذي أطلقت عليه اسم “أكوا توفانا”، عديم اللون والمذاق، وقادرا على القضاء على الرجل بـ6 قطرات فقط، على مدى أيام.
لكن العبقرية الحقيقية هي أنه كان غير قابل للكشف حتى بعد الموت، ولم يترك أي أثر في مجرى الدم أو الجسد عند التشريح، حتى أنه أعطى الزوجة القاتلة فرصة للعب دور الأرملة الحزينة قبل أن تنعم بحريتها.
وكان إعطاء السم بسيطا، يمكن خلطه بسهولة مع أي طعام أو شراب، بسبب طبيعته الخالية من النكهة.
أظهرت الجرعة الأولى أعراضا لا تختلف عن البرد القارس، وتسبب الضعف والإرهاق. وتسببت الجرعة الثانية في ظهور أعراض مثل آلام المعدة والعطش الشديد والقيء والدوسنتاريا.
أخيرا، مع جرعة ثالثة أو رابعة، يموت الزوج ويعتقد الأطباء أنه بسبب المرض، ولا توجد شبهة جنائية في وفاته.
إحسان يواجه بالخيانة
وعلى مدى ما يقرب من 20 عاما، تسببت جوليا في تسميم وموت أكثر من 600 رجل. ورغم أنها ساعدت الكثيرات على الخلاص من قسوة أزواجهن، فإن زوجةً كانت تستعد للتخلص من زوجها أوقعت بها.
في عام 1650، قدمت امرأة لزوجها وعاء من الحساء مع قطرة من “أكوا توفانا”، وقبل أن يتناول زوجها ملعقة منه، تراجعت الزوجة وتوسلت إليه ألا يتذوقه.
أثار ذلك شكوك الرجل وعنّف زوجته حتى اعترفت بتسميم الطعام، فقام على الفور بتسليمها إلى السلطات واعترفت لهم أنها اشترت السم من جوليا توفانا، بحسب موقع “أوول ذاتس إنتريستينغ” (All Thats Interesting) .
عندما علمت جوليا بالأمر هربت إلى كنيسة محلية منحتها ملاذا، لكن بعد فترة قصيرة سرت شائعة بأنها استخدمت “أكوا توفانا” لتسميم إمدادات المياه المحلية، فاقتحمت السلطات الكنيسة بسرعة وتم القبض عليها.
وفي محاكمتها، أكدت جوليا أنها ساعدت في تسميم ما يقرب من 600 رجل، ويعتقد أن زوجها كان أول ضحاياها.
أعدمت هي وابنتها جنبا إلى جنب مع 3 من مساعديها عام 1659.
وعوقبت أكثر من 40 امرأة من الفقيرات اللاتي استفدن من خدماتها بالإعدام أيضا، بينما سجنت بعض النساء من الطبقة العليا.
وأفلتت أخريات من العقاب بتظاهرهن أنهن لم يعرفن أبدا أن “مستحضرات التجميل” كانت في الواقع سموما، وذكرن ما حدث في أسرهن من وفيات كانت من قبيل الصدفة.