مرايا – أظهر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، أن النساء لا يمثلن سوى ثلث الباحثين في العالم، ونسبة شغلهن للمناصب العليا في أرقى الجامعات تقل عن الرجال.
وأضاف التقرير، الذي صدر بمناسبة اليوم الدولي للنساء والفتيات في ميدان العلوم، الذي يصادف 11 شباط/فبراير من كل عام، أن النساء والفتيات يتجنبن المجالات ذات الصلة بالعلوم بسبب التحيّزات والقوالب النمطية القائمة على النوع الاجتماعي منذ أمد بعيد.
وأضاف التقرير الذي يتضمن فصلا قائما بذاته عن المساواة بين الجنسين في مجال العلوم بعنوان “لكي تكون الثورة الرقمية ذكية يتعيّن أن تكون شاملة للجميع”، أن المرأة تمثل 28% من خريجي الهندسة، و40% من خريجي علوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات.
وقالت المديرة العامة ليونسكو، أودري أزولاي: “تُهمّش النساء والفتيات في المجالات المرتبطة بالعلوم بسبب جنسهنّ، حتى في يومنا هذا، في القرن الحادي والعشرين”، مشددة على ضرورة أن تعرف النساء أن بإمكانهنّ التفوّق في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وأنه يحق لهن المشاركة في التقدم العلمي.
“النهوض بالمساواة بين الجنسين”
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى النهوض بالمساواة بين الجنسين في مجال العلم والتكنولوجيا بوصفه أمرا أساسيا لبناء مستقبل أفضل.
وقال في هذه المناسبة: “بدون وجود عدد أكبر من النساء في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات سيظل الرجال هم الذين يشكلون ملامح هذا العالم من أجلهم، وستظل إمكانات الفتيات والنساء غير مستغلة”.
الجائحة تفاقم التفاوتات
موضوع اليوم الدولي للنساء والفتيات في ميدان العلوم العام الحالي هو “العالمات في طليعة جهود التصدي لجائحة كوفيد-19″، حيث أبرزت الجائحة الدور الحاسم للباحثات، وفي الوقت نفسه حملت تأثيرا سلبيا على العالمات.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة إن المرأة التي تمثل 70% من جميع العاملين في مجال الرعاية الصحية من بين أشد الناس تضررا من الجائحة ومن بين أولئك الذين يقودون جهود التعامل معها.
وتابع يقول: “ازدادت حالات عدم المساواة بين الجنسين بشكل كبير العام الماضي، حيث تحمل المرأة وطأة إغلاق المدارس والعمل من المنزل. ويواجه العديد من العالمات مختبرات مغلقة ومسؤوليات أكبر في مجال الرعاية، مما يترك لهن وقتا أقل للعمل البحثي الذي تشتد الحاجة إليه”.
ودعا غوتيريش إلى “العمل معا” على إنهاء التمييز بين الجنسين، وضمان أن تحقق النساء والفتيات كافة إمكاناتهنّ وأن يكنّ جزءا لا يتجزّأ من بناء عالم أفضل للجميع.
نسبة “عالية” في الدول العربية
وأشار “تقرير يونسكو للعلوم: السباق مع الزمن من أجل التنمية بطريقة أفضل” – الذي يصدر بأكمله في نيسان/أبريل المقبل – إلى أن نسبة النساء من خرّيجي الهندسة أقل من المتوسط العالمي للعديد من أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. هذا هو الحال مثلا في أستراليا (23.2%) وكندا (19.7%) وتشيلي (17.7%)، وفرنسا (26.1%) واليابان (14%) وكوريا (20.1%)، وسويسرا (16.1%) والولايات المتحدة الأميركية (20.4%).
لكن، بحسب التقرير، يمكن العثور على بعض أعلى نسب خرّيجات الهندسة في الدول العربية. على سبيل المثال في الجزائر (48.5%)، المغرب (42.2%) وعُمان (43.2%) وسوريا (43.9%) وتونس (44.2%).
ويسلط فصل في التقرير الضوء على واقع عدم استفادة النساء الكاملة من فرص التوظيف للخبراء الحاصلين على تعليم عال، ويتمتعون بمهارات عالية في المجالات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي حيث تبلغ نسبة النساء فيه واحدة لكل خمسة مهنيين (22%) وفقا للدراسة التي أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2018 بشأن “الفجوة القائمة بين الجنسين على الصعيد العالمي”.
تحديات بارزة أمام النساء
بحسب يونسكو، لا تزال النساء اللائي أسسن شركات ناشئة يعانين من أجل الحصول على التمويل، ولا يحظين بالتمثيل الكافي في الشركات التكنولوجية الكبيرة سواء في مواقع القيادة أو في الوظائف التقنية.
ويشير الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن زيادة مشاركة المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيات والهندسة والرياضيات يمكن أن تؤدي إلى سد الفجوة في الأجور بين الجنسين وزيادة دخل المرأة بمقدار 299 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.
وتضيف يونسكو أن النساء معرّضات أكثر من الرجال لترك مجال التكنولوجيا معللات ذلك بضعف الآفاق المهنية كدافع رئيسي لهذا القرار. ولكن مواقف الشركات حيال النساء آخذة في التطور نتيجة ربط الدراسات بين ازدياد ثقة المستثمرين وتحقيق هامش أكبر من الربح من ناحية، وتنوّع القوى العاملة من ناحية أخرى.
وتؤكد يونسكو أن عدم حصول النساء على التمثيل الكافي في مجال البحوث والتطوير يرجّح تجاهل احتياجاتهن وآرائهنّ عند تصميم المنتجات التي تؤثر في حياتنا اليومية مثل تطبيقات الهواتف الذكية.
مسيرة مهنية أقصر للنساء
ولا يزال السقف الزجاجي، الذي يرمز إلى سقف التقدم المتاح للمرأة، عائقا أمام المسيرة المهنية للنساء في الأوساط الأكاديمية، على الرغم من إحراز بعض التقدم في هذا المجال. وتتسع الفجوة بين الجنسين كلما تقدمت النساء في مسيرتهن المهنية الأكاديمية، حيث تقل مشاركتهن كلما تقدمن في السلم الوظيفي بدءا من طالبة الدكتوراة إلى مساعدة الأستاذ ومديرة البحث، وصولا إلى الأستاذة الجامعية.
الوقت حان للاعتراف بأن زيادة التنوع تعزز المزيد من الابتكار — الأمين العام للأمم المتحدة
وتميل المسيرة المهنية للنساء لأن تكون أقصر، وأقل أجرا، وغالبا ما يجري تجاهلهن عند الترقية، وعادة ما تحصل الباحثات على منح ذات قيمة أقل من تلك التي يحصل عليها أقرانهن من الرجال. وعلى الرغم من أن نسبة الباحثات تبلغ 33.3% من مجمل الباحثين، فإن 12% فقط من أعضاء الأكاديميات الوطنية للعلوم هنّ من النساء.
تؤكد المادة 24 من “توصية يونسكو الخاصة بالعلم والمشتغلين بالبحث العلمي” (2017) على ضرورة أن تكفل الدول تمتع المشتغلين بالبحث العلمي بظروف عمل منصفة تشمل توظيفهم وترقيتهم وأجورهم وتقييم أدائهم وتدريبهم، بدون أي تمييز.
وشدد غوتيريش على أن “الوقت قد حان للاعتراف بأن زيادة التنوع تعزز المزيد من الابتكار”.