مرايا – يصادفنا عيد الحب للمرة الثانية وقد غيّر الوباء عاداتنا وقيّد حركتنا، وقلب حياتنا رأسا على عقب، فهل ينجح حتى في تغيير مشاعرنا وأحاسيسنا؟
لم تعد جائحة “كوفيد-19” مجرد محنة وبائية عالمية، بل تحولت إلى نمط حياة تجد البشرية نفسها مضطرة للتكيف معه لفترة طويلا، كما يؤكد ذلك علماء وأرباب شأن وحتى سياسيون..
في خضم هذه التجربة المريرة المتواصلة منذ ما يزيد عن العام، يبدو الحديث عن الحب للوهلة الأولى بمثابة ترف، والبشرية تقف في مواجهة خطر داهم، وُصف في أكثر من مناسبة بالشيطان.
ولا يبدو في هذا الوصف أي مبالغة، إذ أن الفيروس التاجي المستجد والسريع التحور، قضى حتى الآن على ما يقرب من مليوني ونصف المليون شخص، وأصاب بالعدوى أكثر من مئة مليون آخرين.
لا يمكن أن يفقد الحب مكانه ويتحول إلى نوع من الترف في أي ظرف بما في ذلك الذي نمر به الآن، لأنه ضروري وخاصة في أوقات المحن وفي أحلك الظروف.
في ذروة المحنة يصادفنا عيد المحبين المعروف بفلنتاين، نسبة إلى أكثر من قديس بنفس الاسم في حقب متباينة، ربما من أجل أن ننظر إلى أنفسنا وإلى بعضنا بطريقة مختلفة، كي تستمر الحياة وينتصر الحب وكل المعاني الوضيئة المشابهة على نقائضها.
ولا يجب أن ننسى أن البشرية في تاريخها مرت بأمراض وأوبئة قاتلة مثل الطاعون والكوليرا والحصبة والملاريا والانفلونزا الإسبانية والإيدز، وصمدت بالإرادة وبالعلم وبالإيمان والتصميم، وكل منها يستمد قوته وعنفوانه من حب عميق، سام ومقدس.
في هذا اليوم وكل يوم، يمكننا أن نتبادل المودة ونتحدث بلغة الورود، وفي نفس الوقت نقاوم الوباء ونحتفظ بمسافة تباعد مع الآخرين. مسافة تباعد لن تمنعنا من تبادل أنقى المشاعر والأحاسيس لأنها بببساطة تعبير عن إنسانيتنا ذاتها.
ولهذا يمكن القول إن كوفيد لن يستطيع أن يصيب البشرية في مقتل، طالما احتفظت برباطة جأشها وتماسكها وتواصلها، وكل ذلك لا يتأتى من دون سند من مشاعر وأحاسيس نضمنا بدفء غامر.
ولعل الفيروس التاجي، رغم الأوضاع القاسية التي فرضها على العالم يسدي خدمة كبرى للبشرية، دافعا إياها بقوة إلى تجاوز تناقضاتها ومشكلاتها الظرفية، وتغيير أنماط تفكيرها لتتفرغ لمواجهة أخطار خفية تتهدد الجميع، مثل الأوبئة الغامضة، والتغير المناخي والحروب وأسلحة الدمار الشامل وما شابهها.