مرايا – بلغته وفاة الصحفي الأردني تيسير النجار الذي قضى في سجون الإمارات أربع سنوات من 2015 إلى 2019، فكتب عنه ورثاه.
إنه الكاتب العُماني معاوية الرواحي الذي نال نصيبه هو الآخر في سجون الإمارات، والتقى بالمعتقل النجار في سجن الوثبة.
يقول الرواحي إنه التقى بالنجار في نهاية رحلته في سجن الوثبة، حيث وصل تيسير لعنبر 9 زائغ العينين خارجا من الانفرادي الذي ملأ فؤاده بالشوق إلى أُنسِ الإنس حتى لو كان ذلك في السجن، طارت الأخبار، ثمة صحفي في العنبر.
ويضيف في سلسلة تغريدات: “لم نأخذ وقتا طويلا لنصبح أصدقاء، واحتفت العقول القارئة بتيسير وانضم إلى عائلة المظلومين وإلى جلسات النقاش اليومية التي تحدث في أي مكان نحل به، طاف المكان حاملا قلمَه حيثما ذهب، معه دفتر صغير وعقله الحاد لا يتوقف عن التساؤل والنقاش، ماذا حدث؟ ولماذا حدث ما حدث؟”.
وتوفي الصحفي الأردني تيسير النجار، الجمعة، إثر وعكة صحية ألمت به. وكتب على صفحته بموقع “فيسبوك” قبل وفاته بثلاثة أيام: “يا لطيف ألطف بحالي (..)، مريض جدا (..)، مؤسف أن يكون بقلبي كل هذا الوجع (..)”.
يصف الرواحي النجار بأنه كان “يبكي كالطفل، يذكر عائلته دائما، يتهم نفسه بأنه خذلهم، جُرح الأب والزوجِ الذي حمله معه إلى النهاية، يعتذر لهم في كل اتصال، واللوعة لم تفارقه”، ويضيف متحسرا: “إيه يا صديقي وقد ظننتُ أنك ذهبت للحياة أقل ندما، غادرتها يا صديقي وبقي ظالموك، ألا لعنة الله على الظالمين!”.
والرواحي كاتب ومدون عماني اعتقل في الإمارات في شباط/ فبراير 2015، ووجهت إليه تهمة الإساءة إلى رموز الدولة، وبث أخبار وشائعات كاذبة عن الإمارات، وإهانة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بحسب ما أفادت صحف محلية.
وعن ظروف تعرفه على النجار وعما تعرض له في السجن قال الرواحي: “في أشد أزمات العنبر اشتدادا يصل تيسير ليكتشف حقيقة أخرى من حقائق المكان المرَّة، منع الكتب، والجرائد، والتوقف عن الوجبات، والعقوبات المفضلة لسجّاني الوثبة”.
ويضيف: “أسوأ الظروف تلك كانت أفضلها، نعم، من منظور سجين قضى شهورا في الحبس الانفرادي شكّل العنبر له كما شكل لنا أجمعين مساحة حريةٍ أكبر من القبر الانفرادي، يبكي كالطفل مع كل ربع ساعة ينال فيها حق الاتصال بعائلته، مرة كل أسبوع، مرتين بالكثير، ويلوم نفسه كل ثانية تمضي، لماذا حدث ما حدث؟”.
“أية صاعقة حدثت له؟ عرض عملٍ يصله من بلاد الأحلام، لم يكن يحسب حسابات لمنشور عابر في الفيسبوك، لم يكن يعلم أنها مكيدة، إنه عرض عَمل قبله وهو يفكر في عائلته أولا وأخيرا، العائلة التي لم تغادر لسانه ووجدانه، لم تغادر عقله وقلبه، ذهب لما ظنه حلما ليبدأ بعده كابوس النهايات المروّعة”.
ويتابع: “عرض وظيفي انتهى بمكيدة، يتصلُ بهلعٍ بكل من يمكنه أن يساعده، لا هواتف ترد عليه، إنه في السجن، وأي سجن؟ سجن أمن الدولة؟ وأي أمن دولة؟ حيث اجتمع المغرد والصحفي والداعشي وسجناء القاعدة مع الإخوان، تهم في تهم، قليل منها واضح وبقيتها في غموض شديد، لقد بدأ جحيم الذاكرة والحياة!”.
“كانت فرحته عارمة عندما كُلِّف بجلب الكتب من مكتبة السجن الشحيحة”.
وكانت السلطات الإماراتية حكمت، عام 2017، على الصحفي النجار الذي كان يقيم بالإمارات آنذاك، بالسجن ثلاث سنوات، بتهمة الجرائم الإلكترونية، ومددت حبسه؛ لعدم قدرته على دفع الغرامة المالية البالغة نصف مليون درهم إماراتي (نحو 136 ألف دولار أمريكي)، وأفرج عنه في شباط/ فبراير 2019.
يؤكد الرواحي: “منشور في الفيسبوك، ثم مكيدة عمل، ثم سجون أمن دولة، هكذا يمكن لحياة إنسان أن تصل لنهايتها في عالمنا العربي، قبح الطغيان الذي يستر عورته بالصمت، حقيقة أخرى من حقائق عالمنا المفزع، ونهاية إنسان بريء ماتَ حاملا دمعته شاكيا لله مرتاعاً من مخلوقاته”.
وبحزن يقول الرواحي: “عانقني مودعا، هذه آخر ذكرى بيننا، وأنا أستعد للعودة لعُمان بعد حكم البراءة، نصحني أن أخفف من تهوري وأن أدرس ما أفعله قبل فعله، غرق في حزنه كثيرا، ومرَّت محاكمته كما مرّ باقي السجناء، بالترقب واللهفة، ومن أجل منشور في الفيسبوك قرر إنسان في حق إنسان أن يقضي ثلاث سنوات في السجن!”.
يؤكد الرواحي أن صحة تيسير تدهورت في السجن ويقول: “تدهورت صحته، ومن الذي لم تتدهور صحته في عنبر الأوبئة والأمراض الجلدية والفيروسية، من الذي ستبقى صحته في عنبر انتظار المستشفى لأسبوع؟ من الذي لم تتدهور صحته في سجنٍ مات فيه سجين وهو مقيد يتوسل الحراس لعلاجه؟ من الذي لم تتدهور صحته في تلك المتاهة الملعونة؟ ألا لعنة الله على الظالمين!”.
ويستمر الرواحي بالكتابة عن تيسير النجار: “عاش تيسير أحداث العنبر الكُبرى، ولم يجد سعادة في تلك الحياة بعد اتصاله بعائلته سوى ما تيسر من كتب المكتبة، وما استطاعه بعد الصلاة والقرآن من حروف يكتبها، عنبر الحزن والغضب، عنبر الحكايات الأليمة، عنبر سجناء الأمن الذين لا حقوق لهم، هُناك عاش تيسير النجار وبقي مسجونا للأبد”.
يضيف: “خرج وحمل السجن معه، كان عقل تيسير النجار قويا ويتحمل الكثير، قلبه خذله، كان الشقاء فوق طاقته وهو الذي قبل بالوظيفة من أجل عائلته يكدح على رزقها، لم يكن يعلم عناد المكائد، ولم يكن يدري إلى أي مدى يتسيد الحقد مدن الصحاري الحارقة والملح الطارئ. بقي سجينا حتى آخر أيامه! أي حتف هذا!”.
وبحسرة يتابع: “ماذا أفعل بنصائحك الآن يا صديقي؟ ماذا عساي أن أقول؟ بأي حزن أعزي عائلتك؟ هل سأكرر جملتي الدائمة [عاقبة الصبر خير] لمن سأقول هذه المرَّة [هانت]، ما الذي سيهون يا صديقي في غيابك؟ ما الذي سيهون وما بقي لنا منك إلا الذكرى؟ ما الذي سيهون يا صديقي المظلوم؟ ما الذي سيهون؟”.
وأردف: “بعد خروجه من السجن، كتبت زوجته خبر إطلاق سراحه، ليتني تواصلت معه أكثر، ليتني استطعت أن أهون عليه، كان حزينا، مثقلا بالهموم، ومحاصرا، ليتني فعلت شيئا، ليتني قلت شيئا، ليتني لم أقصر حياله، ليتني سمعته، ليتني كلمته، ومن عساه سيفهم غيرنا ما الذي مر به، أنا آسف يا صديقي، آسف للنهاية”.
“ومات تيسير النجار! صحفي عنبر 9 مات! حمل غصته إلى الله محتفظا بوجوه ظالميه، مات! هكذا بكل بساطة رحل إلى ربِّه، مظلوما، كسيرا، كظيما، مصادر الحق في أن يشتكي بمن ظلمه، وأن يبوح بحكايات ظالميه وجهنم التي يخبئونها عن العالم، بوفاتك لقد خسر العالم القبيح قلبا جميلا يا صديقي”.
“سجنٌ وغرامة، أي مغرم ثقيل هذا؟ ومن الذي يساعد الذين افترسهم الظلم البشري؟ صرخاتٌ أم عون في الفيسبوك كانت تشهد على هذا الخذلان البشري اللئيم، لقد خذلناك يا تيسير، خذلناك، وعسى أن يقتص الله من جميع من خذلك، لم يكن عقلك ضعيفا يا صديقي، ولكن قلبك الطاهر لم يحتمل، فرحلت!”.
وأفرج عن الرواحي في شباط/ فبراير 2016 لدواعي حالته الطبية وذلك وفقاً لتقرير طبي عرض على المحكمة في فبراير 2016 بعد نحو عام من اعتقاله أكد أن المتهم غير مسؤول عن تصرفاته، بسبب حالته المرضية، مشيرا إلى المراحل التي خضع فيها للعلاج،