مرايا – عبر 14 عامًا يقدِّم عوض أبو عيشة خبزا مجانيا طيلة أيَّام الأسبوع؛ لعائلات محتاجة بطريقتين يومية وأسبوعية، بيد أنَّه لم يكن الوحيد في منطقة الغويرية بمحافظة الزَّرقاء، فهناك عدَّة مخابز وأهل سعة تقدِّم ذلك، تعزيزا للتكافل الاجتماعي، ولتخفيف معاناة من لا يستطيع الحصول على هذه المادة الأساسية.
وعلى مدار شهر كامل، رصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، تَعامُل عدّة مخابز في منطقة الغويرية بمحافظة الزَّرقاء، مع عائلات محتاجة لرغيف الخبز مجانًا، بسبب دخلها المالي الصَّعب، ورافقت أشخاصا يحصلون عليه؛ لمعرفة ظروفهم الفعلية التي تضطرهم للحصول على الخبز مجانًا.
عمر أبو زيد، يحصل على الخبز مجانًا في بعض الأيام، مكثت معه (بترا) يوما كاملا، يعيش في بيت مستأجر بـ 120 دينارا شهريا، متزوج ولديه خمسة أطفال أحدهم مريض ويحتاج لعناية طبية، ويعمل في اليوم نحو 17 ساعة للحصول على يومية قيمتها 15 دينارا، لا تفي بكثير من متطلبات أطفاله وأسرته خاصة الغذائية.
يقول ابو زيد، إنَّ أجرة المنزل لم يدفعها منذ شهرين، وتم فصل خدمة المياه عن منزله قبل أشهر ويشتري الماء بـ “التنكات”، فيما تراكمت فواتير الكهرباء، ويشتري وَقود التدفئة لصوبة “الفوجيكا” بدينار ونصف الى دينارين يوميًا، ويحتاج إلى علبة حليب كل فترة لطفلته التي تبلغ قيمتها نحو 5 دنانير، وعند البحث في الأهم يجد أنَّ لا ثمن لرغيف الخبز معه في نهاية اليوم.
بعد أن انهى أبو زيد عمله الأول في المخبز غادر عند الساعة الثالثة إلى حِسبة الغويرية ورافقته (بترا)، وهناك بدأ أعمال الـ “عتالة” وتنظيف المحلات التجارية، ليحصل في الساعة التاسعة مساء على نحو 5 دنانير تضاف إلى أجرة عمله اليومية في المخبز والبالغة 10 دنانير.
يعود إلى منزله المتواضع والذي تبين لـ “بترا” أنه يفتقد كثيرًا من سُبل الرَّاحة التي يحتاجها خمسة أطفال وزوج وزوجته، اشترى نصف ما يحتاجه منزله، وأمَّن الحليب لطفلته، ووقود التدفئة، ويحاول أن يجد طريقة لتخفيف فاتورة الماء والكهرباء وأجرة السكن المهدد بالرحيل منه كلَّ نهاية شهر.
يقول ابو زيد، إنَّه لا عذر له إذا مرض أو يرتاح قليلا في المنزل، فهذا يعني أن لا دخل له في ذلك اليوم لتلبية مطالب الأطفال والزوجة والأسرة، عدا عن الديون المتراكمة التي لا تنتهي وتحرمه من الشعور بالراحة ولو للحظة، مشيرا الى أنَّه تراكم عليه بسبب زواجه أكثر من 4 آلاف دينار وهو مطلوب بسبب ذلك للتنفيذ القضائي، ولا يعلم كيف سيكون مصير أسرته إذا تمَّ تنفيذ الحبس عليه. في شارع عثمان بن عفان بمنطقة الغويرية في محافظة الزرقاء، يعتبر مخبز عوض أبو عيشة، ملاذًا لكثير من الأسر للحصول على بضع أرغفة من الخبز مجانًا وبشكل يومي، بالإضافة إلى يوم الخميس من كلِّ أسبوع منذ العام 2007 وحتى اليوم.
يقول أبو عيشة إنَّه يقوم بمنح خبز مجانا يوميا بخمسة دنانير ويوم الخميس بـ 15 دينارا لعائلات أصبحت معروفة لديه بحاجتها الماسة لرغيف الخبز، ويساعده كثير من أهل الخير الذين يتبرعون بمال يتم توزيعه خبزا على هذه العائلات.
ويضيف، إنَّه يعطي خبزا بقيمة تصل إلى 160 دينارا شهريا لنحو 80 عائلة كل أسرة وبمعدل ما قيمته نصف دينار لكل أسرة، لا يتحملها وحده بل هناك كثير من أهل الخير الذين يمدونه بقيمة هذا الخبز، والذي يبلغ ثمن الكليو غرام الواحد منه 35 قرشا.
ويلفت إلى أنَّه مستمر على هذا الحال منذ 14 عاما، وبمعدل سنوي يبلغ نحو الفي دينار خبزا مجانيا، بإجمالي نحو 27 ألأف دينار على مدى 14 عاما كاملة، مشيرا الى أهل الخير السَّاعين إلى التكافل الاجتماعي في هذه المسألة، وتيسير الحصول على هذه المادة الأساسية للناس.
بعد أيَّام من رصد المشهد في مخبز أبو عيشة، التقت “بترا” بأم علاء، والتي تأتي كل خميس وقد قاربت الستين من العمر تسير خطوات قليلة ثم تجلس لتستريح بسبب وضعها الصحي وتقدم العمر، مشيرة الى أنَّ الدَّخل لا يكفي، وتقاعد زوجها المتوفى لم يعد يغطي كل تكاليف البيت المستأجر والماء والكهرباء.
وأضافت أم علاء، إنَّها تلجأ للحصول على الخبز مجانًا، وتقبل كل ما يمنحه لها أهل الخير من خضراوات ومتطلبات غذائية يومية للمنزل الذي تعيش به هي وابنتها التي تعمل لكن بشكل متقطع.
مخبزان آخران يقدِّمان الخبز يوميا وبشكل مجاني لأسر ضاقت عليها ظروف الحياة، الاول في حي رمزي بالزرقاء والذي أكد انَّه يعطي بشكل يومي بقيمة خمسة دنانير وفي بعض الأيام بخمسة عشر دينارا، اما الثَّاني فهو في منطقة الغويرية، يقول صاحبه إنَّ كثيرا من العائلات تأتي بكوبونات من لجان المساجد او جمعيات او جهات داعمة ويصرفون لهم الخبز بالمجان، بالإضافة إلى ما يمنحونه هم من تلقاء أنفسهم.
وتُشير أرقام دائرة الاحصاءات العامة إلى أنَّ النتائج الرئيسية لمؤشرات الفقر في الأردن لعام 2017 – 2018، والتي استندت إلى مسح نفقات ودخل الأسرة، بينت أن نسبة الفقر بين الأردنيين بلغت 7ر15 بالمئة أي أنَّ مليونا و69 ألف أردني فقراء.
ولفتت إلى أنَّ نسبة فقر الجوع في الاردن بلغت 0.12 بالمئة أي ما يعادل 7 آلاف و 993 فردا، ووصلت فجوة الفقر إلى 3 ونصف بالمئة، وسجلت نسبة شدة الفقر 1.2 بالمئة.
وأوقفت الحكومة برنامج صرف دعم الخبز والذي بدأ في العام 2018، اعتبارا من نهاية العام الماضي 2020، بعدأن وصل إلى نحو مليون أسرة، بعدد أفراد بلغ نحو 4 ملايين ونصف مليون حسب أرقام رسمية.
وقرَّرت الحكومة تطوير نظام الاستهداف للدَّعم مكون من57 مؤشرا، وكل مؤشر له حدود يجب أن تتجاوزها الأسرة كي تستحق الدعم، على أن لا يتجاوز دخل الأسرة ألف دينار، وطرأ تعديل وتحسين على معايير أخرى متعلقة بالبرنامج للوصول لأكثر الأسر استحقاقا لدعم الخبز.
وبلغ دعم الخبز نحو 120 مليون دينار تمَّ رصدها في الموازنة العامة لعام 2020، ويشمل الطبقة الفقيرة والهشة وذوي الدخل المحدود.
ويقدِّم صندوق المعونة الوطنية الذي تأسس قبل 35 عاما، عدّة برامج تستهدف الأسر المحتاجة وتمكينها وإدماجها في المجتمع، من بينها، برنامج معونات شهرية وطارئة وتأهيل جسماني ومعونات الشتاء.
وأطلق الصندوق برنامج الدّعم التكميلي والذي يعمل على تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية والرعاية الموجهة للأسر الفقيرة والمحتاجة في المملكة، من خلال تطوير برامج وآليات استهداف اجتماعي شاملة وأكثر فعالية لتحديد الفقراء الأكثر احتياجا وتحديد الخدمات الخاصة بهم.
الصندوق يسعى إلى تخفيض نسبة الفقر على مستوى المملكة بـ 2.6 درجة تقريبا خلال ثلاث سنوات، وتخفيض شدَّة الفقر بنسبة 35 بالمئة تقريبا، وتمَّ رصد المخصصات اللازمة لبرنامج الدَّعم التكميلي في مشروع موازنة الصندوق للأعوام 2019-2021، بمبلغ وصل الى 175 مليون دينار موزعة على ثلاث سنوات، بلغت 30 مليون دينار خلال العام 2019، و 45 مليون دينار خلال العام 2020، و 100 مليون دينار خلال العام الحالي 2021.
خلال العام 2019 استهدفت الحكومة 76 ألفا و368 أسرة تضم 157 ألفا و 969 فردا، بمعونات شهرية متكررة تراوحت قيمتها بين 200-50 دينارا، وبكلفة مالية شهرية قاربت 7 ملايين دينار شهريا، حيث ثبت بالدراسة الدقيقة لأحوال هذه الأسر أنَّها تمر بظروف صعبة لها صفة الديمومة والاستمرارية في مختلف مناطق المملكة.
(بترا) بركات الزِّيود