مرايا – بحضور طلبة من كافة الكليات الطبية في الجامعات الأردنية، عقدت الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة “ذبحتونا” عبر تطبيق الزووم، جلسة حوارية تحت عنوان: “تحديات التعلم عن بعد في الكليات الطبية”.
تحدث الطلبة في الندوة حول حقيقة معاناتهم في فترة التعلم عن بعد والتي قاربت أن تكمل عامًا كاملًا، ومن المفترض أن تستمر في الفصل الدراسي الثاني على أقل تقدير.
واشتملت ملاحظات الطلبة عدة محاور أهمها:
أسلوب وطرق التدريس
الفاقد التعليمي الناتج عن التعلم عن بعد
النزاهة الأكاديمية للامتحانات ونتائجها
ولفت الطلبة الى أن الكليات الطبية عجزت عن تحقيق حد أدنى من سد الفجوة الناجمة عن غياب التعليم الوجاهي، فعلى الرغم من انقضاء ما يقارب العام على تجربة التعلم عن بعد، إلا أن أساليب التدريس وآليات عقد الإمتحانات لم يطرأ عليها أي تطوير ملحوظ، وغابت الخطط المهنجية بشكل شبه تام عن معظم الكليات الطبية في الجامعات الست.
كما لم تقم أي كلية بتقييم تجربتها في التعلم عن بعد، أو إجراء استبيان للطلبة لأخذ التغذية الراجعة للبناء عليها.
وكان ضعف التحصيل العلمي للطلبة الناتج عن آليات تطبيق التعلم عن بعد، وعدم القدرة على ضبط الإمتحانات هما أكثر ما أقلق الطلبة خاصة وأنهما يرتبطان بمستقبلهم الأكاديمي والمهني، كون السواد الأعظم من خريجي الكليات الطبية يتجه نحو التخصص وهو الأمر الذي سيكون أكثر صعوبة في ظل ضعف تحصيلهم العلني وعدم مصداقية نتائجهم.
أولًا: أسلوب التدريس:
في السنوات الأساسية الأولى (سنة أولى وثانية وثالثة)، اعتمدت الجامعات الست التعليم عن بعد لكافة المواد النظرية تنفيذًا لقرارات مجلس التعليم العالي. وقامت هذه الجامعات بتقديم معظم الماحضرات عن طريق تطبيق التيمز، بمحاضرات مباشرة (أونلاين).
وكان لافتًا العدد الكبير للطلبة في الدفعة الواحدة والذي بلغ 1115 طالب وطالبة، في دفعة سنة ثانية في إحدى كليات الطب. فيما كانت نسبة حضور الطلبة لمحاضرات الأونلاين تصل في بعض الأحيان إلى أقل من 10% من مجموع الطلبة. حيث يحضر ما لا يزيد عن 70-80 طالب وطالبة محاضرات الأونلاين من أصل 1000 طالب وأكثر.
وقد أدى هذا الضعف الكبير في الحضور الطلابي لمحاضرات الأونلاين –في ظل غياب تام لتسجيل الحضور والغياب في معظم الكليات الطبية- إلى تغييب التفاعل المباشر بين الطالب وأستاذ المادة ما يجعل من محاضرة الأونلاين، مجرد فيديو يوتيوب لا أكثر ولا أقل.
وكانت المفاجأة باعتماد الكليات الطبية في الجامعات الست التعليم عن بعد للمواد العملية، وذلك على الرغم من قرار التعليم العالي بأن يكون قرار آلية تدريس المختبرات والمواد العملية تابعًا لرؤية الجامعة نفسها.
وكانت المحاضرات العملية متواضعة جدًأ في قدرتها على تعويض الفاقد التعليمي الناتج عن غياب التعليم الوجاهي، وبالتالي قدرة الطلبة على استيعاب المواد. وتقلصت مدة محاضرة المواد العملية من ساعتين لكل محاضرة، إلى نصف ساعة وأحيانًا ربع ساعة.
وفيما يتعلق بانتظام حضورالطلبة، فإن محاضرات الأونلاين العملية لم تتجاوز نسبة الحضور الطلابي فيها حاجز الـ50% في أقصى حالاتها، فيما كانت في غالبها لا تتجاوز ال30% من الطلبة.
ثانيًا: الفاقد التعليمي الناتح عن التعلم عن بعد:
بقرار مجلس التعليم العالي اعتماد التعليم عن بعد للفصل الدراسي الثاني، أصبح هذا النوع من التعليم مستمرًأ للفصل الدراسي الرابع على التوالي، بما صاحبه من ضعف في تقديم المادة العلمية للطلبة، وغياب للتعليم الوجاهي للمختبرات والمواد العملية، وإخفاق في محاضرات الأونلاين، أدى إلى عزوف كبير للطلبة عن حضور هذه المحاضرات، ما ادى إلى عجز التعليم عن بعد عن سد الفجوة الناجمة عن غياب التعليم الوجاهي، وبالتالي كبر حجم الفاقد التعليمي، ودم وجود أية آليات لتعويضه، خاصة ونحن نتحدث عن كليات طبية ستقوم بتخريج أطباء وأطباء أسنان.
ويكبر هذا الفاقد التعليمي عندما يتعلق الأمر بالسنوات السريرية (السنة الرابعة والخامسة لكليات طب الأسنان، والسنوات الرابعة والخامسة والسادسة لكيات الطب)، وذلك على الرغم من تطبيق الدوام الوجاهي لهذه المرحلة في كافة الكليات الطبية وبقرار من مجلس التعليم العالي. فقد تم تسجيل الملاحظات الآتية حول الدوام السريري:
1_ تم اعتماد التعليم المدمج (الإلكتروني والوجاهي) لطلبة السنوات السريرية في كافة الكليات االطبية.
2_ نتيجة للأعداد الكبيرة من الطلبة في الدفعة الواحدة في كافة الكليات الطبية، فقد تم تقسيم طلبة الدفعة الواحدة للسنوات السريرية إلى مجموعات وبالتناوب،
تقسيم الطلبة إلى مجموعات.
3_ النقص في أعداد المرضى في المستشفيات نتيجة الجائحة ما أدى إلى عدم خوض الطلبة تدريبات كما كان سابقا.
4_ فترة الدوام لطلبة الكليات السريرية تشكل 50% مقارنة بفترة دوامهم ما قبل كورونا، وتصل أحيانا في بعض الأقسام إلى 35% ما يقلل فرص الطلبة بالاطلاع على حالات مرضية أكثر.
5_ المتطلبات (requirements) المطلوبة من طلبة كلية طب الأسنان في الجامعة الأردنية أقل بنسبة 50% عما كانت عليه ما قبل جائحة كورونا.
ثالثًا: النزاهة الأكاديمية في الامتحانات، وانعكاسها على نتائج الطلبة:
تعتبر النزاهة الأكاديمية في الامتحانات النقطة الأهم في عملية التعلم عن بعد، لسببين: لكون الامتحانات يفترض أن تقيس مدى استيعاب الطلبة للمساقات التي قاموا بدراستها عن بعد، وتقدم تغذية راجعة لأستاذ المادة والجامعة ووزارة التعليم العالي، لمدى نجاح عملية التعلم عن بعد. وثانيًا، لكون هذه الامتحانات هي الأساس الذي يتم فيه تقييم الطالب وانتقاله إلى المرحلة التالية من الدراسة الجامعية.
وفشلت الجامعات وكليات المجتمع وكافة المؤسسات التعليمية الجامعية الرسمية والخاصة، في تحقيق الحد الأدنى من النزاهة الأكاديمية. وما ارتفاع المعدلات ومتوسط علامات الطلبة إلا دليل واحد من ضمن أدلة لا تحصى. ووجد الطلبة في التعلم عن بعد فرصة لقطع أشواط في دراستهم الجامعية، ولو كان على حساب فهمهم واستيعابهم للمواد. فنسبة كبيرة من الطلبة قاموا بتسجيل 18-21 ساعة تخصص في الفصل، وهو الأمر الذي كان نادرا ما يقوم به الطلبة في الفصول الدراسية ما قبل جائحة الكورونا.
كما وجد أساتذة الجامعات أنفسهم أمام آلية عقد اختبارات عن بعد، لا تسمح لهم بمعرفة من قدم الاختبار وكيف تم تقديمه، بل إن الأستاذ الجامعي كان يُصدم بالعلامات المرتفعة لطلبة يعلم مستواهم الأكاديمي جيدًا، وهو واثق من عدم مصداقية هذه العلامات، إلا أنه لا يملك إلا أن يستسلم لهذه الآلية التي ظلمت العملية التعليمية والطالب والأستاذ على حد سواء.
وتاليًا أهم الملاحظات التي تم تسجيلها في محور النزاهة الأكاديمية:
1_ عقد الامتحانات دون وجود أية شروط للنزاهة الأكاديمية. فالاختبارات عن بعد، لا يوجد فيها أي حد أدنى من آليات الضبط، ولا تشترط أي من الجامعات وجود كاميرات ترصد حركة الطلبة، باستثناء جامعة واحدة تشترط وجود كاميرا واحدة فقط، ولا تلبي الغرض من وجودها بالمطلق.
ووفقًا لهذه الآلية فيمكن لأي شخص أن يقدم الاختبار عوضأ عن الطالب. كما يمكن للطالب أن يحصل على المساعدة من أي جهة كانت وبأي طريقة كانت. ومن هذه الطرق: قيام الطلبة لعمل مجموعات مشتركة داخل منزل أحدهم أو في مقهى أو مكان عام، ومساعدة بعضهم البعض في إجابة الأسئلة. ومن الطرق الأخرى، عمل مجموعات على التيليغرام وتبادل حل الأسئلة.
2_ انتشار ظاهرة “سوق” الإجابة عن الامتحانات، حيث يتفق الطالب مع أحد المختصين، ويقوم بتصوير الأسئلة وإرسالها مقابل أجر مالي والحصول على الإجابات أولا بأول.
كما وصل الأمر إلى التنسيق مع أشخاص من خارج الأردن لحل أسئلة الامتحانات مقابل مبلغ مالي، فيما تتسابق بعض المراكز في الأردن على تقديم “خدماتها” مقابل مبالغ مالية.
3_ أدت قناعة الأستاذ الجامعي بحجم المأساة الناتجة عن آلية عقد الامتحانات إلى محاولتهم تعويض القضية بزيادة صعوبة الأسئلة في محاولة فاشلة لتعويض حجم الغش. إلا أن هذا الأمر لم يؤثر على من يقوم بالغش، كونه يستعين بمختصين في مجالهم، ولكنه زاد من التأثير على الطلبة المتفوقين الذين وجدوا أنفسهم أمام خيارين: التراجع في العلامات أو استخدام آليات للغش للتعاطي مع صعوبة الأسئلة.
4_ نتيجة لهذه الآلية وما أوردناه من سهولة الغش، فقد أدى ذلك إلى تضخم كبير في نسب النجاح، بل يمكننا القول أن السمة العامة لنتائج الكليات الطبية هي النجاح لكافة الطلبة، ومن يرسب يكون قد رسب “برغبته” الشخصية. ويكفي الإشارة إلى أن نسبة الرسوب في سنة أولى في الكليات الطبية في غالبية الجامعات كانت حوالي الـ 20% سنويًا ما قبل الكورونا، إلا أنها أصبحت في فترةالتعلم عن بعد لا تتعدى الـ 3-4%.
وسيؤدي هذا الكم الكبير من معدلات النجاح، إلى زيادة الضغط على المستشفيات في السنوات القادمة، نتيجة وجود أعداد كبيرة من الطلبة في السنوات السريرية دون وجود بنية تحتية وكوادر قادرة على استيعاب هذه الأعداد. إضافة إلى ما ستلعبه هذه الأرقام من تراجع في تصنيف الكليات الطبية عالميًا.
5_ معدلات الطلبة المرتفعة جدا والتي وصلت حد حصول جميع الطلبة في مساق معين على درجة A.
6_ تجاوز الطلبة لعامين متتاليين عبر امتحانات أونلاين دون معرفة من قام بحل الأسئلة تضع علامة استفهام كبيرة على حقيقة وضع الطلبة وقدرتهم على حمل مسمى طبيب .
التوصيات:
خرج المجتمعون إلى جملة من التوصيات تاليًا أهمها:
1_ عقد الامتحانات داخل الحرم الجامعي
2_ دوام المختبرات داخل الحرم الجامعي
3_ زيادة عدد ساعات الدوام لطلبة الطب وطب الأسنان للسنوات السريرية
4_ وقف احتساب ناجح/ راسب لكافة المراحل كون الامتحانات ستعقد داخل الحرم الجامعي
5_ تطوير المنصات بما يسمح بحضور كافة الطلبة واعتماد إلزامية الحضور للمحاضرات
6_ عدم عقد المحاضرات في أوقات خارج الدوام االجامعي
7_ في حال قرر التعليم العالي تغيير طبيعة الامتحان ( اونلاين أو أي تعديل آخر)، أن يتحمل التعليم العالي مسؤولياته في عدم حرمان الطلبة من أي حق من حقوقهم الطبيعية وأهمها حق احتساب العلامة وذلك عطفاً على ما تم تفصيله بهذا الخصوص في الملاحظات المتعلقة بالسنة الماضية لطلبة السنوات السريرية، وما نتج وسينتج عن ذلك في حال قرر التعليم العالي تكرار ذات الخطأ.