مرايا – قال باحثون وأساتذة علم آثار، إن حقول آثار “الدولمنز” المنتشرة في عدة مناطق بالمملكة تعتبر جزءا أساسيا من تراث الأردن الحضاري، ولها اهمية كبيرة من الناحيتين الأثرية والسياحية، مؤكدين ضرورة حمايتها من الاعتداءات التي تتعرض لها، وحاجتها للاهتمام الحثيث من الجهات المعنية.
استاذ حماية الآثار وإدارتها في جامعة اليرموك الدكتور زياد السعد، قال لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، اليوم الاثنين، إنه بحسب الرأي السائد بين علماء الآثار ومن خلال الدراسات والحفريات الأثرية فإن آثار الدولمنز كانت تستخدم كمدافن عائلية من خلال استدلالهم بوجود الهياكل العظمية وبعض المرافق الجنائزية داخلها، ولانتشارها بين التجمعات السكنية والقرى الزراعية.
وأضاف أن وزن بعض حجارة الدولمنز الصوانية يصل الى عدة أطنان، ويبلغ عمرها 6 آلاف عام، لافتا الى أن إطارها الزمني يمتد من فترة العصر الحجري النحاسي المتأخر مرورا بالعصر البرونزي المبكر ثم العصر البرونزي الوسيط. واشار الدكتور السعد الى أن آثار الدولمنز تنتشر بالمرتفعات الشمالية والغربية من المملكة، وفي مأدبا وحول مدينة اربد، وعلى طول وادي الأردن، مبينا أن حقل داميه وحقل وادي الريان من أشهر حقول الدولمنز في المملكة.
وأكد أهمية أن تكون هناك سياسة واضحة عند الجهات المعنية في كيفية حماية حقول الدولمنز، من خلال اختيار بعض الحقول المهمة واستملاكها وحمايتها لتقديمها كمنتج سياحي، مشيرا الى أن هذه الحقول تعتبر مواقع جذب للسياحة لانتشارها في مناطق طبيعية جميلة بالاردن.
من جهته، اوضح باحث الآثار وصاحب مبادرة حماية اثار الدولمنز عبدالرحيم العرجان، ان آثار الدولمنز تعتبر أول بناء جماعي مخطط للإنسان، وأول بناء له سقف حجري، حيث يوجد منها خمسة طرز وانماط بناء بإحجام مختلفة، وتتكون من جدارين وظهر وسقف وباب يغلق بالصخور، وتوجد على التلال وسفوح الجبال القريبة من مساكن البشر، وبالقرب من مجاري السيول، والمغر والكهوف التي سكنها الانسان في العصر البرونزي. واكد أنه في الوقت الحالي يوجد في الاردن 2400 مدفن من آثار الدولمنز، موزعة على 13 حوضا وهي: “الهيدان، المريغات، الفيحاء، سويمة، داميه، خريسان، جبل المطوق، السخنة، عجلون، قرى طريق البترول في اربد، الجحفية، تل عيسى وشارع الاردن”.
وقال العرجان إنه وبحسب كتاب المسوحات الاثرية للضابط البريطاني كوندار، كان عدد مدافن وقبور الدولمنز الموجودة بالأردن 12 ألف مدفن، ولكن بسبب تعرضها للاعتداءات من المقالع والكسارات، والتوسع بمشاريع الاستصلاح الزراعية، والانتهاكات والعبث من الباحثين عن الذهب والدفائن، انخفض عددها بشكل كبير، مؤكدا أنه على الرغم من انخفاض اعدادها الى أن الأردن ما زال يحتفظ بأعلى نسبة بهذا النوع من الآثار بين دول العالم.
واوضح أن آثار الدولمنز تحظى باهتمام كبير في الدول التي تضم هذا النوع من الآثار كبريطانيا وكوريا، حيث قامت بريطانيا بإدخال آثار “ستون هينج” ضمن عجائب الدنيا السبع، وتعتبر من اهم آثارها، وارثا انسانيا محميا من اليونسكو، واصدرت لها عملة وميداليات ذهبية وفضية افتخارا بها، اما كوريا فقد وضعتها على طوابع البريد اعتزازا بهذه الآثار.
واقترح العرجان إدراج آثار الدولمنز الموجودة في حوض المريغات ضمن الخارطة السياحية، ضمن مسار مأدبا، جبل نيبو ، طريق البانوراما، وذلك لقربها من الطريق الدولي بين مادبا والبحر الميت، لافتا الى أن المسار لا يحتاج الى كثير من التأهيل وسهل، اذ تبلغ مسافته نحو 2 كيلو متر.
وفي ذات السياق، أكد اهمية آثار الدولمنز للمملكة والمجتمعات المحلية، وإمكانية اعتمادها كمنتج سياحي، لا سيما وأنها ستسهم في تشغيل عدد من ابناء القرى المجاورة “قرية ماعين وقرية الحجر المنصوب”، من خلال انشاء المشاريع الصغيرة وتدريبهم على انتاج قطع تذكارية تحاكي العصور القديمة مثل المطرقة الحجرية المكونة من عصا عليها حجر، او انتاج لوحات فنية وحلي وفخاريات.
واشار الى انه ولحماية هذه الآثار وتعريف الناس بها، تم اطلاق مبادرة حماية اثار الدولمنز عام 2010، حيث استطاعت تعريف المجتمع المحلي والعالم بأهمية هذا النوع من الآثار ، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وضرورة المحافظة عليه، وحمل شعار “الدولمنز في الاردن” خلال تسلق قمة انابورنا، ومن خلال انتاج الافلام الوثائقية.
من جانبه، قال مدير الدائرة الفنية في متحف الأردن الدكتور يوشع العمري، إن المتحف قام بنقل نصبين حجريين من موقع حقول ” الدولمنز” الواقع في داميه الأغوار الوسطى، إلى ساحة متحف الأردن بين عامي 2010 و 2011، لانقاذها من التدمير والجرف الذي تتعرض له نتيجة أعمال البحث عن الدفائن وأعمال المحاجر والكسارات في الموقع.
واضاف “تعتبر حقول الدولمنز في داميه من أهم الحقول في الأردن وفي المنطقة، لإحتوائها على أكبر تجمّع للأنصاب الحجرية في مكان واحد”، مؤكدا أن دراسة هذه الأنصاب الحجرية وتوثيقها والحفاظ عليها يعتبر أمرا ضروريا ومن الأولويات التي ينبغي اعطاؤها الاهتمام الكبير.
وبشأن عملية نقل النصب الحجرية الى المتحف، اوضح الدكتور العمري أن فريقا من دائرة الاثار العامة ومتحف الأردن قاما باختيار اثنان من اكثر الانصاب الحجرية تعرضاً لخطر الإزالة وبدأوا بأعمال الحفر والتنقيب والنقل، مشيرا الى أن النصبان يقعان في المنطقة الجنوبية من موقع المتحف، حيث سمي النصب الأول الشمالي والنصب الثاني الجنوبي. واشار الى أن النصب المنقولة تتكون من ثلاثة جوانب حجرية يقوم فوقها السقف الذي يتكوّن من شريحة حجرية ضخمة تبرز عن مستوى حدود النصب الداخلية، مع وجود بوابة حجرية تغلق النصب من الأمام، وعادة ما يكون محفور بها طاقة مربعة الشكل بقياس 60 × 60 سنتمترا.