مرايا – رغم مرور أكثر من عامين على رفع مسودة قانون الطفل الى مجلس الوزراء، لكنه لم يتبنها حتى اللحظة، يرى خبراء أن إقرار القانون ضرورة ماسة نظرا لما يوفره من ضمانات اساسية، كالحصول على مستويات تعليم ورعاية صحية جيدة والحماية من العنف للاطفال.
ورغم تأكيدات الخبراء على المردود الايجابي للقانون من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية على المدى البعيد، باعتباره استثمارا في الطفولة، لكن الهاجس المالي وكلفة القانون على المدى القصير، وبرغم تدني هذه الكلفة مقارنة بمردوده على المدى البعيد، تبقى العائق امام السير قدما بالقانون.
ويقول هؤلاء الخبراء، إن هذه “المماطلة”، ليست سوى مؤشر على عدم اولوية قضايا الفئات الاكثر ضعفا وهشاشة، مذكرين بمسودة اول قانون لحقوق الطفل والتي خرجت في العام 1998 اي قبل 24 عاما، ورغم رفعها الى مجلس النواب في العام 2004 الا انها بقيت في ادراج النواب حتى العام 2008، حين عادت الحكومة وسحبت المسودة.
ويشيرون إلى أنه “ورغم رفع مشروع القانون كان قبل عام من جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19″، لكن البطء في اقراره، يشكل أيضا مؤشرا على الاثر المضاعف للازمات امام المضي قدما في قضايا الطفولة والفئات الهشة بشكل عام”.
إلى ذلك، بين الامين العام للمجلس الوطني لشؤون الاسرة محمد مقدادي، أن “مشروع القانون أعد بنهج تشاركي بين المؤسسات المعنية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وارساله لرئاسة الوزراء قبل اكثر من عامين، في السابع عشر من آذار (مارس) 2019، وللآن لم يتم تبني المشروع لدى الحكومة وتحويله الى مجلس النواب حيث ما يزال في ديوان التشريع والرأي”.
وأوضح ان ديوان التشريع والرأي، درسه مع المجلس والجهات المعنية، ولكن من الواضح ان هناك هاجسا لدى الحكومة بشأن التكاليف المالية لانفاذ القانون، رغم ان دراسة التكلفة المالية لإنفاذ القانون والتي ارسلت للحكومة، تبين بوضوح ان هنالك توفيرا واستثمارا على المديين المتوسط والبعيد وتقليل الكلف.
وشدد مقدادي على اهمية السير قدما بمشروع القانون لإقراره، باعتباره مشروعا تنمويا حقوقيا يسهم بتحسين وتجويد الخدمات، ويسعى لضمان العدالة في توفير تلك الخدمات، بخاصة منها الصحية والتعليمية، مؤكدا ان اقراره حق والاستثمار في اطفالنا وحمايتهم، لا يمكن النظر اليه من منظار التكاليف الماليه الآنية.
وقال إن “التشريعات الوطنية تضمنت أحكاما متعلقة بشؤون الأطفال المحتاجين للحماية والرعاية، وقضايا التعليم والأطفال العاملين والخدمات الصحية للطفل، وتنظيم برامج التأهيل وإعادة الدمج للأطفال ذوي الإعاقات والأطفال في نزاع مع القانون”.
وأضاف مقدادي أنه ومع وجود هذه التشريعات، إلا أن بعض الحقوق المتعلقة بالأطفال والإجراءات، ما تزال ترد ضمن فجوات وثغرات التشريع، ما يعني ان هناك حاجة لإيجاد تشريع وطني يسد تلك الفجوات والثغرات الموضوعية والإجرائية، وهذا ما يوفره مشروع القانون.
وتابع “أظهر التطبيق العملي، غياب آلية تنفيذية وتشريعية للتنسيق بين الجهات المختلفة المسؤولة عن حماية الطفل، وبالتالي هناك ضرورة لإيجاد تشريع ينظم العلاقة بين هذه الجهات لضمان منح الحقوق للأطفال بصورة صحيحة”.
من ناحيتها، اكدت المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الانسان “ميزان” المحامية ايفا ابو حلاوة، أهمية وجود قانون حقوق طفل، باعتباره ضمانة وحماية لحقوق الاطفال في كافة الجوانب سواء التعليم، الصحة، الرعاية الاسرية والحماية من العنف وغيرها.
واعتبرت ان التأخير بإقرار القانون، انعكاس لحالة عامة من جعل قضايا الفئات الاكثر تهميشا، وضعفا في آخر سلم الاولويات، وهذا الامر ربما ضاعفت منه ازمة جائحة كورونا، لافتة الى ان القانون حاليا في ديوان التشريع والرأي، وهذا مؤشر ايجابي للدفع به.
بدوره، رأى مقدادي أنه في ظل ازمة كورونا الحالية، فان القانون بات حاجة ماسة، خصوصا وانه يركز بشكل اكبر على جانبي التعليم النوعي والصحة، لافتا الى ما افرزته ازمة كورونا من زيادة في نسب التسرب المدرسي وعمل الاطفال.
وفي مجال الصحة، فإن مسودة مشروع القانون تؤكد توفير الحق بالحصول على الخدمات الصحية الأولية المجانية لكل طفل غير مؤمّن، والخدمات الصحية المجانية للطفل بالحالات الطارئة، وتوفير أفضل مستوى رعاية صحية، بما في ذلك وجود طبيب مختص بطب الأطفال بالمستشفيات والمراكز الصحية الشاملة، واتخاذ التدابير لتطوير الرعاية الصحية الوقائية من الحوادث والأمراض المعدية والخطرة والمزمنة والمخدرات.
اما في الجانب التعليمي، فأكد المشروع الحق بالتعليم المجاني بالمؤسسات التعليمية الحكومية، حتى إتمام مرحلة التعليم الثانوي وبصفة إلزامية من مرحلة رياض الأطفال، إلى مرحلة التعليم الأساسي، وإلزام ولي امر الطفل أو الشخص الموكل برعايته، بإلحاقه بالتعليم الإلزامي، واتخاذ كافة التدابير لمنع تسربه أو انقطاعه عن التعليم، والزام المؤسسات التعليمية بالحفاظ على كرامته وحظر العنف في المدارس.
وحرصت المسودة على منع التمييز ضد الأطفال بوضع نص صريح يمنع الضرب التأديبي للابناء من الوالدين، حيث نص على أنه “لا تشكّل صفة الوالدين او الشخص الموكل برعاية الطفل، عذرا لارتكاب أي فعل من الأفعال الواردة والتي حددتها المادة السابقة بالحالات التي تشكل تهديدا للطفل”، ويقصد بالافعال “تعريض الطفل للعنف وإساءة المعاملة والاستغلال”.
وبحسب ملخص دراسة التكلفة المالية لقانون حقوق الطفل فإن مشروع القانون هذا شامل ويكرس الحقوق والمبادئ الأساسية لاتفاقية حقوق الطفل، والتي كانت حتى الآن مشتتة ومجزأة عبر مجالات مختلفة من القوانين والسياسات.
وفق الدراسة، التي اجرتها مؤسسة أكسفورد بوليسي مانجمنت لدراسة التكاليف لتنفيذ المشروع العام 2019، وحدثت العام 2020، بالتعاون مع “شؤون الأسرة” ومنظمة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فان نتائج دراسة تقدير التكاليف تشير لوجود مُسوغ قوي للاستثمار في المشروع، اذ سيكون مقبولاً من حيث التكلفة، فالاستثمار المتوقع لتحقيق البرامج ذات الأولوية، يشكل أقل من 1 % من إجمالي نفقات الموازنة لعام 2019.
وبينت الدراسة، انه يمكن تمويل البرامج ذات الأولوية، بموجب مشروع القانون هذا عبر جهود إعادة ترتيب الأولويات من جانب الحكومة، وعبر دعم الجهات المانحة.
وفي الوقت الذي ستكون هناك حاجة إلى تخصيص موارد على المدى القصير، لا سيما فيما يتعلق بتوسيع نطاق الوصول للرعاية الصحية، فإن الاستثمار في هذه المجالات سيحقق وفورات ملحوظة وسيعود بالفوائد مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال، إن تكلفة توفير رعاية بديلة للأطفال في الأسر الحاضنة، هي أقل بحوالي 12 مرة من تكلفة إيداعهم في مؤسسات رعاية، لذا فإن التحول من الرعاية المؤسسية إلى رعاية الأسرة الحاضنة سيؤدي إلى تحقيق وفورات كبيرة؛ ويمكن أن يؤدي الاستثمار في نظام الرعاية الصحية الأولية إلى تحقيق وفورات في الموارد ضمن النظام الصحي الثالثي.
ويتوافق مشروع قانون حقوق الطفل، بحسب الدراسة، بشكل وثيق مع الأولويات الحكومية الحالية.“الغد”