عادة متأصلة ما تزال تتمسك بها العائلات، على أمل إبقاء حبل المودة والتآلف ما بين أفراد الأسر الممتدة، وعبر “تفقد الأرحام بهدايا عينية غذائية أو مالية” تحت ما يسمّى “الرمضانية”، إذ تزداد هذه العادة في الأسبوع الأول من الشهر الفضيل.
“الرمضانية”؛ هي هدية تختلف بحسب ما يرغب الشخص أن يقدمه للطرف الآخر سواء للشقيقة أو العمات والخالات أو حتى الجدات، وتمثل نوعا من أشكال المساعدة والدعم للأرحام حتى وَإنْ كنّ لسْنَ من ذوي العازة، ولكن تقبل نسبة كبيرة من الناس عليها لدلالتها الإنسانية وتعبيرها عن التكافل والتقارب بين العائلة.
وفي ظل ما يواجهه الكثير من العائلات من تأثير سلبي على وضعها المعيشي بسبب تبعات جائحة كورونا التي فرضت على المجتمع، تنامت ظاهرة التكافل المجتمعي، ليجد بعض الأشخاص من “الرمضانية” طريقة لمساعدة الأرحام مع بداية الشهر الكريم من خلال مضاعفة القيمة المعتادة، فيما آثر آخرون إخراج زكاة أموالهم بالتزامن مع بداية الشهر الفضيل لتكون مساعدة للمحتاجين وللأرحام من باب “الأقربون أولى بالمعروف”.
الاستشاري الاجتماعي والأسري رئيس جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان يتحدث عن رمضان شهر الخير والبركة والغفران، فيه يتقرب الإنسان إلى ربه بالعبادات والطاعات، وعمل الخير بأشكاله المتعددة، وتنقية النفس من الأحقاد والضغائن والتسامح والصفح والكرم والجود.
لذلك، وفي شهر رمضان تتجلى صور التكافل الاجتماعي، وهو ما يميز المجتمع المسلم، حيث شعور الغني مع الفقير، وفيه يفرح الجميع الفقراء والأغنياء على السواء، الغني يفرح لأن رمضان شهر يتضاعف فيه الأجر والثواب على عمل الخير، والفقير يفرح لأنه في هذا الشهر يجد مزيداً من إقبال الأغنياء على تقديم العون والمساعدة، فيشعر بالفخر والاعتزاز للارتباط بهذا الدين العظيم.
وفي رمضان على وجه التحديد، يرى سرحان أن العلاقات الاجتماعية تزداد قوة ومتانة، سواء بين الأقارب والأرحام أو بين الجيران والأصدقاء وفي المجتمع عامة، وإن كانت صلة الرحم مطلوبة في جميع الأوقات، فهي في رمضان أكثر حاجة، وهي خلق إسلامي رفيع، ومن أهم العلاقات الاجتماعية التي أوصى بها الله تعالى، وهي أكثر أجرا من غيرها من الصدقات، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الصدقة على المسكين صدقة وإنها على ذي الرحم اثنتان، صدقة وصلة”.
وعلى الرغم من أنها كانت تعمل لسنوات في إحدى المدارس الخاصة، إلا أن ترك (نهاد) للعمل بسبب جائحة كورونا، أدى إلى “تدهور” وضعها المعيشي وحاجتها بين الحين والآخر إلى المساعدة، وطلب العون من عائلتها، كونها أما لطفلين وعمل زوجها غير كافٍ لمصروف البيت.
لذلك كانت ناهد سعيدة جدا بما قدمه لها إخوتها الأربعة منذ أسبوع تقريبا قبيل رمضان، من “مونة” تكفيها لأيام هي وعائلتها مما قدمه إخوتها من رمضانية جيدة ما بين مواد تموينية شاملة ونقود.
وفي ذلك يؤكد سرحان أنه من الواجب تفقد الأرحام في رمضان خصوصاً مع هذه الظروف الصعبة التي نعيشها، مع استمرار انتشار وباء كورونا وآثاره على مختلف القطاعات، وتراجع الدخل لدى الكثير من الأسر وتوقف عمل آخرين، وهي تعتبر مسؤولية أخلاقية واجتماعية، وباب واسع من أبواب الأجر والثواب.
ويوضح سرحان أن تفقد أحوال الأرحام له صور متعددة، مع التأكيد في مثل هذه الظروف على الالتزام بالإجراءات الوقائية، وخصوصاً عند التعامل مع كبار السن، والحرص على عدم نقل الوباء للآخرين.
ووفق سرحان؛ الأصل أن يبقى الإنسان على تواصل دائم مع أرحامه وأقاربه ويعرف ظروفهم واحتياجاتهم، ولكون إقامة الإفطارات الجماعية للأرحام يعتبر شكلا من أشكال الرمضانية، فإن الظروف الاجتماعية الوقائية لغاية الآن لا تسمح بإقامة التجمعات بمختلف أشكالها، ويتم استبدال ذلك بأشكال متعددة من تقديم العون والمساعدة، ومنها “تقديم ثمن وليمة الإفطار، أو حاجيات الطعام والحلوى، لتتناول الأسرة الإفطار في منزلها دون تجمعات”.
وتفطير الصائم له أجر عظيم حتى لو لم يكن فقيراً، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من فطر صائماً فله مثل أجره”، وهنا من الضروري أن لا يشعر الآخرين بأنه يقدم مساعدة لهم حتى وإن كانوا فقراء ومحتاجين، بل أن يكون هدفه كسب الأجر والثواب في مثل هذا الشهر.
ومن الصور الأخرى لمساعدة الأرحام في هذا الشهر أيضاً تقديم زكاة المال والصدقة أو المساهمة في تقديم كسوة العيد، خصوصاً للأطفال، ومن أبواب الخير الأخرى كفالة طالب علم من الأرحام غير المقتدرين على اتمام الدراسة، أو المساهمة في معالجة مريض أو كفالة يتيم مما يعزز أواصر الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة الكبيرة.
وفي بعض الأسر يتعاون الإخوة في تقديم المساعدة للمحتاجين للأقارب بطريقة تمكنهم من تقديمها ضمن امكانياتهم المادية والمساهمة كل بقدر استطاعته، مع مراعاة مشاعر المستفيدين، باعتبار أن ما يقومون به هو واجب، ومن باب هدية شهر رمضان أو هدية العيد التي اعتادت عليها العائلة منذ سنوات.
وينوه سرحان إلى أنه من المهم أن يحرص المسلم على صلة رحمه، وأن يكون هو المبادر حتى لو كانوا لا يبادلونه الصلة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها”.