مفتي المملكة: المنافسات لا تمنح اللاعب رخصة للافطار
الكسب المالي من رهان الجمهور على نتائج المباريات حرام وتناول اللاعب للمنشطات محرم عليه

لا يجوز لممارس الرياضة أن يجلب الضرر على نفسه بممارستها رغم إصابته

اعتبر سماحة الشيخ عبدالكريم الخصاونة مفتي المملكة الرياضي قدوة، ووفق ذلك مطلوب منه الالتزام اكثر من غيره، جاء ذلك في حديثه لـجريدة “الرأي” مع حلول شهر رمضان المبارك، شهر التقوى والعبادة.

وزاد: الرياضة إن قصد بها التقوّى على طاعة الله أصبحت من القرب المندوبة، والقرآن عماد الدعوة الى الاخلاق، ولا يجوز لممارس الرياضة أن يجلب الضرر على نفسه بممارستها رغم إصابته.

وبين سماحته ان المنافسات لا تمنح اللاعب رخصة للافطار، وان تناول الرياضيين للمنشطات محرماً عليهم، وان الكسب المالي من رهان الجمهور على نتائج المباريات حرام.

وتابع الشيخ عبدالكريم الخصاونة مكافآت اللاعبين إذا بلغت النصاب لوحدها او مع ما يملكونه فتحب فيها الزكاة، وان الجوائز المالية التي توزعها البنوك التجارية عطية منها للاعبين يجوز الانتفاع بها، وتالياً نص الحديث الذي اجرته الرأي مع سماحة مفتي المملكة.

ما حكم زكاة المكافآت التي يحصل عليها اللاعبون؟

– الأصل الشرعي أن كل مال يكسبه المسلم لا تجب فيه الزكاة إلا إذا بلغ المال المدخر النصاب، وحال عليه الحول من وقت بلوغه النصاب، والحول المعتمد هو الحول الهجري فتجب فيه الزكاة، والنصاب هو قيمة 85 غراماً من الذهب الصافي عيار 24.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ–يعني فِي الذَّهَبِ–حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ، فَبِحِسَابِ ذَلِكَ) رواه أبو داود، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ) رواه ابن ماجه.

وعليه؛ فإذا كانت المكافأة التي يحصل عليها اللاعبون قد بلغت النصاب لوحدها أو مع ما يملكه اللاعب من مبالغ أخرى وحال عليها الحول، فتجب فيها الزكاة بنسبة (2.5%)، وأما إذا لم تبلغ المكافأة النصاب أو بلغته ولكن لم يحل عليها حول كامل في ملكه بل أنفقها في حاجاته، فلا زكاة فيها. والله تعالى أعلم.

ما حكم الرهان المادي على نتيجة الطرفين المتنافسين في المسابقات الرياضية؟

– الرهان: هو أن يُخرج كل واحد من المتسابقين شيئاً، وغالباً ما يكون مبلغاً من المال؛ ليفوز السابق بالرهانات إذا تمّت له الغلبة.

ومن معانيه: أن يتراهن شخصان أو مجموعتان على شيء يمكن حصوله ويمكن عدم حصوله، كأن يقولا مثلاً: «إن لم تمطر السماء غداً فلك عليَّ كذا من المال، وإلا فلي عليك مثله من المال».

وهذه الصورة الأخيرة صورة السؤال المطروح، فالرهان بهذا المعنى حرام باتفاق الفقهاء؛ لأن كلاًّ من المتسابقين متردّد بين أن يغنم أو يغرم، وهو صورة من صور الميسر المحرم.

جاء في حاشية البجيرمي (4/313): «وهو صورة القمار المحرَّم –بكسر القاف- وهو المسمّى عندهم بالمراهنة، كما قاله البرماوي، وهو كل شيءٍ ترتّب عليه غُنمٌ أو غُرمٌ».

فالكسب المادي من رهان الجمهور على نتائج المباريات حرام؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة: 90، والميسر: القمار الذي كانوا يتقامرون به في الجاهلية. والله تعالى أعلم.

في حال سفر وفود المنتخبات الوطنية إلى دول غير إسلامية، ما هي كيفية ضبط وقت الإمساك والإفطار؟.

– صيام رمضان فرض من الله تعالى على كل من شهد شهر رمضان المبارك، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 183.

ويبدأ الإمساك عن سائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق ودخول وقت صلاة الفجر، ويبدأ وقت الإفطار من غروب الشمس ودخول وقت صلاة المغرب، وهذه مواقيت ثابتة بنصّ القرآن الكريم، حيث بيّن الله تعالى للناس وقت ابتداء الصيام وانتهاءه في محكم تنزيله، قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة: 187.

ويجب على الصائم تبييت النية لكل يوم من أيام رمضان؛ لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة عن صوم اليوم الآخر، ويجب أن تكون النية هذه في الليل قبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يُبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له) رواه النسائي.

ومن سافر إلى بلد أجنبي يطول النهار فيه ويقصر الليل ضمن أربع وعشرين ساعة، فإنه ينبغي له الالتزام بوقت الصيام الشرعي، وأن يتحرى وقت الإمساك، وهو وقت الفجر الصادق بعلامته الدقيقة المنضبطة، وهي: أن يظهر ضوؤه ويبزغ خيطاً دقيقاً معترضاً في الأفق الشرقيّ مختلطاً بظلمة آخر الليل، وأنْ يفطر بتمام غروب الشمس واختفاء قرصها إن علم ذلك، أو أن يتحرى التقويم الفلكي الدقيق والمعتمد لدى الجاليات المسلمة في تلك البلدان.

وأما إن زاد الليل عن أربع وعشرين ساعة أو زاد النهار عن أربع وعشرين ساعة؛ وجب على أهل تلك المنطقة أن يراعوا توقيت أقرب بلد إسلاميّ إليهم في أمر الصلاة والصيام ويعملوا بمقتضاه. والله تعالى أعلم.

تقترن الرياضة دائما بالأخلاق الحميدة، ويحث عليها الدين،ـ فهل هي جزء من مبادئ الدين؟.

– ممارسة الرياضات مباحة من حيث الأصل، بمعنى أنها يجوز فعلها ولا حرج في تركها، ولكن إن قصد بها التقوّي على طاعة الله سبحانه أصبحت من القرب المندوبة، وهذا تدخل فيه سائر المباحات من أكل وشرب ونوم، وذلك تبعاً للنية التي يقصدها الفاعل من فعله.

جاء في كتاب الأشباه والنظائر للإمام السيوطي: «بل يسري ذلك إلى سائر المباحات إذا قصد بها التقوّي على العبادة، أو التوصل إليها، كالأكل والنوم واكتساب المال وغير ذلك، وكذلك النكاح والوطء إذا قصد به إقامة السنة، أو الإعفاف، أو تحصيل الولد الصالح وتكثير الأمة، ويندرج في ذلك ما لا يحصى من المسائل، ومما تدخل فيه من العقود ونحوها كنايات البيع والهبة والوقف والقرض والضمان والإبراء والحوالة والإقالة…».

ولا شكّ أن إقامة النفس على جعل المباحات في طاعة الله سبحانه، ورضا النفس بذلك، هو من الأخلاق الحميدة؛ فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن. رواه مسلم.

والقرآن عماد الدعوة إلى الأخلاق الحميدة، وكل ما يدعو إلى الفضائل والأخلاق الحميدة محمود في الدين. والله تعالى أعلم.

ما حكم إفطار اللاعب في نهار رمضان، وهل يمكن أن يصبح الفطر في نهار رمضان ضرورة؟.

– صوم رمضان فريضة واجبة، كتبها الله علينا وعلى الذين من قبلنا تزكية للقلوب، ورفعة في الدرجات، فالصوم لله سبحانه، وهو يجزي به سبحانه بغير حساب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 183.

وقد أباح الإسلام للمريض الذي يخاف الضرر إن هو صام بسبب مرضه الإفطار، والأخذ بالرخصة، وقضاء ما عليه عند القدرة.

أمّا الشخص الرياضي السليم المقيم المعافى فيجب عليه الصوم، ولا رخصة له في تركه ولا ضرورة في ذلك، ويحرم عليه الإفطار في رمضان بغير عذر من أجل المشاركة في المسابقات والألعاب الرياضة، وقد بين ذلك قرار مجلس الإفتاء الأردني رقم (179)، حيث جاء فيه أنه لا يجوز للرياضيين الإفطار في رمضان من أجل الألعاب الرياضية، فهي ليست من الأمور الضرورية ولا الحاجية التي تبيح الإفطار، وقد قال الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} البقرة: 185، فالصوم ركن من أركان الإسلام الخمس، يجب على المسلم البالغ العاقل، ومن وجب عليه الصوم فإن عليه أن يسعى في تنظيم ظروفه ووقته ليتمكن من أدائه.

ولا يجوز أن تُقدَّم الرياضة على ركن من أركان الدين، خاصة أن بالإمكان تأجيل المباريات لما بعد الإفطار في الدول المسلمة، وبالإمكان التنسيق مع المسؤولين عن الرياضة في الدول غير المسلمة بما يعين الرياضيين المسلمين على المحافظة على حرمة الشهر الفضيل.

فإن صام الرياضي فأصابته مشقة شديدة غير معتادة بسبب حاجته إلى المشاركة؛ فعندها يجوز له الفطر، لكن ذلك لا يعفيه من وجوب نية الصوم ومباشرته أول النهار، فإن عرضت له المشقة الشديدة أفطر حينها فقط، وعليه القضاء.

وأما إذا كان الرياضي مسافراً سفراً طويلاً–يزيد على (81) كم -؛ فإنه يباح له الفطر بالضوابط الشرعية مدة سفره لأجل السفر، ومع ذلك فالصوم في حقه أفضل؛ لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة: 184، فإن أفطر فعليه القضاء في أيام أُخَر؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} البقرة: 184. والله تعالى أعلم.

ما الحكم الشرعي في الجوائز والهدايا التي تقدم للاعبين والفرق من البنوك التجارية؟

– الجوائز التي توزعها البنوك التجارية إذا كانت مقابل فتح حساب بنكي فيها لم يجز الانتفاع بها؛ لأنّ هذا من الإعانة على الإثم والعدوان، والله عز وجل يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} المائدة: 2.

وأما إذا كانت هذه الجوائز والهدايا عطية مقدمة من هذه البنوك التجارية، فيجوز الانتفاع بها ولا إثم في ذلك مع أن الأولى الابتعاد عنها؛ قال العلامة القليوبي الشافعي: «لا يحرم الأكل ولا المعاملة ولا أخذ الصدقة والهدية ممن أكثر ماله حرام، إلا مما علم حرمته، ولا يخفى الورع» «حاشيتا قليوبي وعميرة على كنز الراغبين» (4/ 263)، خاصة أن في ذلك ترويجاً لهذه البنوك.

وعليه؛ فإذا كانت الجوائز والهدايا المقدمة من البنوك التجارية منحة وعطية وليست مقابل فتح حساب لم يحرم الانتفاع بها. والله تعالى أعلم.

* بعض اللاعبين قد يُصاب ويخفي أمر إصابته حتى يُكمل المباراة أو حتى لإكمال البطولة كلها، علماً بأن الاستمرار مع الإصابة يُضر به، فما حكم ذلك؟.

– أمر الإسلام بالحفاظ على النفس والصحة، ونهى عن كل ما يضرّ بهما، فالصحّة هبة من الله تعالى لنا، وهي أمانة لدينا أمرنا بالمحافظة عليها، فالإنسان وما يملك ملك لله سبحانه، ولا يجوز له التصرف بملك الله إلا وفق ما شرع، ومما شرع سبحانه تحريم ما من شأنه إحداث التهلكة أو الضرر على النفس، قال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} البقرة: 195.

وروى أبو سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني.

جاء في شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد: «وأما قوله: «لا ضرر ولا ضرار»، فقال بعضهم: هما لفظان بمعنى واحد تكلم بهما جميعاً على وجه التأكيد، وقال ابن حبيب: الضّرر عند أهل العربية الاسم، والضرار الفعل: فمعنى «لا ضرار» أي لا يدخل أحد على أحد ضرراً لم يدخله على نفسه، ومعنى «لا ضرار» لا يضارّ أحد بأحد، وقال المحسني: الضرر هو الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة، وهذا وجه حسن المعنى».

وعليه؛ فلا يجوز لممارس الرياضة أن يجلب الضرر على نفسه بممارسة الرياضة رغم إصابته؛ فهذا مما لا يسوغ؛ فالرياضة وسيلة لتقوية البدن، وليست غاية تستهلك الصحة لأجلها. والله تعالى أعلم.

بعض اللاعبين يريد تنزيل وزنه ليشارك في فئة وزن أقل من وزنه، لكن الأطباء لا ينصحونه بذلك، ويصمم على إنزال وزنه، فهل يأثم بذلك؟.

– أمر الإسلام بالمحافظة على النفس وصونها مما يلحق بها الضرر، وكذلك أمر بالاعتناء بالصحة والجسم عموماً، وشرع من الأحكام ما يكفل ذلك، بل وحث على تقوية الأجسام، وممارسة الرياضة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ) رواه مسلم.

ونهى الإسلام عن كل فعل يسبب الضرر للجسد، وبناء على ذلك يكون حكم تنزيل الوزن متوقف على رأي الأطباء المختصين في معرفة نوع ومقدار الضرر على اللاعب في حال تنزيل وزنه، فإن كان الضرر بسيطاً، فلا حرج في إنزال الوزن في هذه الحالة، أما إن كان الضرر كبيراً يؤدي في الغالب إلى الموت أو تلف عضو أو تضرره، فلا يجوز لللاعب أن يؤذي نفسه ويأثم بذلك، يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء: 29، ويقول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة: 195. والله تعالى أعلم.

يوجد بين اللاعبين من يصوم لأجل تنزيل وزنه حتى يتسنى له المشاركة في فئة وزن أقل من وزنه، ويشرّك في النية بحيث ينوي العبادة أيضاً مع إنزال الوزن، ما رأي الشرع في ذلك؟.

– من نوى مع العبادة أمراً يحصل بها دون قصد ولا يفتقر لنية في أصله، كنية التبرد مع الوضوء أو تخفيف الوزن مع الصيام، أجزأته هذه النية على المعتمد؛ لأنّ هذا الأمر واقع سواء قصده المكلف أم لا، وذهب آخرون من الأئمة كالغزالي إلى أن المعتبر في إجزاء النية التي داخلها أمر دنيوي هو غلبة الباعث الأخروي في العبادة؛ فإن غلب الباعث الأخروي على الدنيوي أجزأت النية وصحّت العبادة، وذهب آخرون إلى عدم إجزاء نية العبادة إن داخلها أمر دنيوي، سواء غلب الباعث الأخروي أم لا.

جاء في مغني المحتاج من كتب السادة الشافعية: «ومن نوى بوضوئه تبرّداً أو شيئاً يحصل بدون قصد، كتنظيف ولو في أثناء وضوئه مع نية معتبرة، أي مستحضراً عند نية التبرد أو نحوه نية الوضوء جاز، أي أجزأه ذلك على الصحيح لحصول ذلك من غير نية، كمصلٍّ نوى الصلاة ودفع الغريم فإنها تجزئه؛ لأن اشتغاله عن الغريم لا يفتقر إلى نية. والثاني: يضرّ لما في ذلك من التشريك بين قربة وغيرها، فإن فقد النية المعتبرة، كأن نوى التبرد أو نحوه وقد غفل عنها لم يصحّ غسل ما غسله بنية التبرد ونحوه ويلزمه إعادته دون استئناف الطهارة. قال الزركشي: وهذا الخلاف في الصحة، أما الثواب فالظاهر عدم حصوله، وقد اختار الغزالي–فيما إذا شرك في العبادة غيرها من أمر دنيوي–اعتبار الباعث على العمل، فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، وإن كان القصد الديني أغلب فله بقدره وإن تساويا تساقطا، واختار ابن عبد السلام أنه لا أجر فيه مطلقاً، سواء أتساوى القصدان أم اختلفا».

وعليه؛ فلا حرج أن ينوي الصائم تخفيف وزنه؛ لأنّ تخفيف الوزن حاصل بالصيام دون افتقار لقصد أو نية، وننصح السائل بأن ينوي بصيامه العبادة وحدها خروجاً من الخلاف، وحتى لا يفقد الثواب. والله تعالى أعلم.

ما حكم الشرع في تناول المنشطات الرياضية؟.

– حثّ الإسلام المسلمين على ممارسة الرياضة، وبخاصة تلك الأنشطة ذات القيمة العالية في إكساب جسم الإنسان اللياقة البدنية والمهارة والصحة من خلال التغذية الصحية السليمة والمباحة، وحرم كل ما من شأنه الإضرار بالجسد، كتعاطي الهرمونات أو المنشطات التي يأخذها الرياضيون من أجل إظهار اللياقة العالية في البطولات، والتي تبين خطرها والمآلات الخطرة التي تعقب أخذها، وهذا ما بينه قرار مجلس الإفتاء الأردني رقم (136):

تؤكد النصوص العامة في الشريعة الإسلامية على حفظ الضروريات الخمس: الدين والنفس، والمال، والعقل، والنسل، وبذلك يكون حكم استعمال المنشطات البدنية التي يستخدمها الرياضيون محرماً للأدلة الآتية:

أولاً: المعنى الأسمى للرياضة هو تقويم الجسم، ودفع الضرر عن النفس والبدن، وإظهار جوانب القوة والنشاط، وحتى لو كانت الرياضة للترفيه عن النفس فهي جائزة، بشرط الانضباط بضوابط الشرع، وقد ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد سابق زوجته عائشة رضي الله عنها، وصارع ركانة، وسابق على الخيل والإبل.

ثانياً: عند النظر إلى المصالح والمآلات في استخدام المنشطات، نجد أنها لا تحقق للإنسان المتعاطي أي نفع على الإطلاق، بل تؤدي إلى ضرر محض يؤثر على الجسم والعقل، والأصل في الجسم أن يكون قوياً ونشيطا في حالته الاعتيادية الطبيعية، وعندما تدخله هذه المواد فإنها تقلب المنافع إلى مضار، وبالتالي يتعارض استخدام تلك المنشطات مع القواعد العامة في الشريعة الإسلامية التي تنص على دفع الضرر.

ثالثاً: إنّ من قواعد الشرع أن ما ثبت ضرره ثبتت حرمته، وقد ثبت ضرر هذه المنشطات طبياً فثبتت حرمتها شرعاً، فالنصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية الشريفة جاءت صريحة بتحريم بعض المواد المضرّة على الجسم والدين والمجتمع كالخمر، والبعض الآخر من المواد جاءت الحرمة فيها باعتبار النظر إلى المآلات السلبية الناتجة عن الاستخدام.

رابعاً: المنشطات الرياضية اعتداء على الفطرة الربانية التي فطر الله الناس عليها، وفيها تدمير لصحة الإنسان، وتغيير لطبيعة الجسد، قال الله تعالى على لسان إبليس: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} النساء: ١١٩، وتغيير خلق الله هو كلّ تصرف يؤدي إلى تغيير صورة الإنسان.

خامساً: إنّ استخدام المنشطات الرياضية يؤدي إلى كثير من الأمراض المزمنة والمستعصية والقاتلة، بل قد يؤدي استخدام المنشطات في بعض الأحيان إلى الموت، والله عز وجل نهى الإنسان أن يقتل نفسه، حيث قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء: 29، وقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة: 195.

سادساً: إن استخدام المنشطات الرياضية يورث الكذب والغش، ويقلب الحقائق، ويجعل جسم الرياضي يظهر نشيطًا وقويًا وهو في الحقيقة غير ذلك، وهذا غش وقلب للحقائق، والله تعالى أمرنا بالصدق، حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة: 119، وقال صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم، وقال عليه الصلاة السلام: (الخديعة في النار) علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم.

سابعاً: هذا الحكم الشرعي توافقه التنظيمات والقوانين الدولية التي تمنع استخدام هذه المنشطات. والله تعالى أعلم.