نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لوزير الخارجية الأردني الأسبق ونائب رئيس الدراسات في وقفية كارنيغي للسلام العالمي الدكتور مروان المعشر، قال فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وفي تعاقب سريع، تفاوضت في الأشهر الأخيرة من ولايتها على اتفاقيات لإقامة علاقات دبلوماسية بين الكيان والإمارات والبحرين والسودان وأخيرا، المغرب.
وأشار إلى الطريقة التي تمت فيها تسويق اتفاقيات إبراهيم، بأنها خطوات تاريخية نحو إنهاء الصراع الصهيوني – الفلسطيني، مع أنه تم التوصل إليها دون أي مشاركة فلسطينية. مضيفا أنها شرّعت بتركيزها على تأخير خطط الكيان لضم الأراضي الفلسطينية، احتلال الكيان المتوسع للضفة الغربية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
ولفت إلى مذكرة داخلية لوزارة الخارجية الأمريكية نشرتها لأول مرة صحيفة “ذا ناشيونال”، وهي صحيفة يومية مقرها أبو ظبي، في 17 آذار، تقول إن إدارة الرئيس جو بايدن تضع خططا لإعادة بناء علاقة واشنطن بالسلطة الفلسطينية وإحياء المفاوضات نحو حل الدولتين. وطرح مشروع المذكرة “إعادة ضبط العلاقات الأمريكية الفلسطينية والطريق إلى الأمام”، جهودا لتوفير 15 مليون دولار كمساعدات للفلسطينيين لمواجهة وباء كورونا، ولاتخاذ موقف أكثر حزما ضد الأنشطة الاستيطانية الصهيونية.
واتخذت إدارة بايدن في 7 نيسان، خطوات مثل إعادة مئات الملايين من الدولارات من المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، والمخصصة لدعم مجموعة متنوعة من مشاريع التنمية الاقتصادية، والبرامج الإنسانية، وجهود بناء السلام. وفي نفس اليوم، وفي مكالمة مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أكد بايدن صراحة “أن أمريكا تدعم حل الدولتين للصراع الصهيوني- الفلسطيني”.
ويعلق المعشر في مقاله على أن جهود الإدارة الجديدة لإصلاح العلاقات الأمريكية- الفلسطينية تظل موضع ترحيب، إلا أن اللحظة الحالية تتطلب من بايدن وفريقه تجاوز الحيّز المريح الخاص بهم في تصور حل للصراع الصهيوني- الفلسطيني. فلم يعد النهج القديم للدفاع عن حل الدولتين، ودعم مفاوضات لا نهاية لها على ما يبدو، يتناسب مع الواقع على الأرض. وفي الوقت الذي ترغب فيه إدارة بايدن وببساطة محو إرث ترامب وإحياء اتفاقيات أوسلو المحتضرة، إلا أن الحقائق على الأرض قد تغيرت.
وذكر بتقرير أعده هو وزملاؤه في وقفية كارنيغي بعنوان “كسر الوضع الراهن بين الكيان وفلسطين”. وكشف التقرير أن اللحظة الحالية لا تتطلب مثالية، بل تفكيرا جريئا، وصنع سياسات على أساس فهم واضح للواقع الديموغرافي والسياسي الحالي.
وبين أن الوقت قد حان لأن يواجه المجتمع الدولي حقيقة صارخة مفادها أن غالبية الفلسطينيين، كما تظهر استطلاعات الرأي باتوا يدركون الآن أن حل الدولتين لم يعد ممكنا. فقد وصل الصراع إلى نقطة تحول، والمسار إلى الأمام يتطلب نموذجا جديدا لصنع السلام، لا يركّز على الفصل بين المجتمعين الصهيوني والفلسطيني، بل على المساواة والحرية والعدالة لكلا الشعبين داخل دولة ديمقراطية واحدة.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن إدارة بايدن تجري وراء الخيار الآمن المتمثل في الالتزام بإطار عمل للمفاوضات يهدف إلى حل الدولتين، كما فعل جون كيري عندما كان وزيرا للخارجية الأمريكية. ومن المرجح أن يرحب الكثير في المجتمع الدولي بمثل هذا الجهد. وسيكون من الحكمة لو تذكروا تحذير كيري أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي من أن نافذة الفرصة لإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة ستغلق في غضون عامين، وكان يتحدث في عام 2013، أي قبل نحو ثماني سنوات. والآن، لم تعد هناك فرص لنجاح الدبلوماسية الأمريكية التقليدية في إعادة فتح تلك النافذة.
ويرى المعشر أن حل الدولتين كان يمكن تحقيقه، فقد حظيت الفكرة بتأييد ساحق في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سبعينيات القرن الماضي. وعلى مدى السنوات تم تقديم العديد من الخطط. واحتوت في جميعها فيها على نقاط ضعف، إلا أنها قدمت مجموعة متنوعة من الأساليب المنطقية لفصل المجتمعين، وتلبية احتياجاتهما الأكثر أهمية، والتفاوض بشأن قضايا الوضع النهائي. ومع ذلك، منذ عام 1991، في مدريد وأوسلو وكامب ديفيد وطابا وأنابوليس، فشلت الجهود الدبلوماسية المكثفة لحمل الجانبين على التفاوض على نتيجة مقبولة بشكل متكرر.
ويعلق المعشر أن القوى الكبرى والمنظمات متعددة الأطراف في العالم دافعت عن حل الدولتين طوال عقود، لكنها وقفت مكتوفة الأيدي تراقب الكيان وهي تبني حقائق على الأرض تتعارض مباشرة مع المبادئ التي تتظاهر بقبولها.
والنتيجة كما يقول، أننا اليوم أصبحنا أمام مجتمعيْن متشابكين للغاية، لدرجة لم يعد الفصل بينهما غير واقعي إن لم يكن في الحقيقة مستحيلا. فهناك أكثر من 700 ألف مستوطن حاليا في الضفة الغربية والقدس الشرقية، أي ما يقرب من ربع إجمالي سكان المناطق.
وتسارعت عملية بناء المستوطنات في الأشهر الأخيرة، على الرغم من معارضة إدارة بايدن. ويُجبر الفلسطينيون في الضفة الغربية وبشكل متزايد على العيش في جيوب منفصلة تحيط بها جدران يبلغ ارتفاعها 30 قدما وأسلاك شائكة، بينما تتكاثر المستوطنات التي يقطنها اليهود فقط حولهم.
وفي كانون الأول، أفادت وكالة أسوشيتد برس، أن الكيان بدأت مشروعا ضخما لبناء طرق في الضفة الغربية، مصمم، كما يقول ناشطون، لتمكين بناء المستوطنات بشكل أسرع وأكثر كفاءة بشكل أعمق في الأراضي المحتلة.
وظل المجتمع الدولي ميالا ولسنوات لتجنب الاعتراف بأفعال الكيان، ولا شك أنه كان يأمل في أن يتجسد حل الدولتين في الوقت المناسب لمنع المناقشات الصعبة حول القانون الدولي والمسؤوليات. والآن فات الأوان. إن أي احتمال لحل الدولتين غمره واقع الدولة الواحدة مع نظامين قانونيين منفصلين وغير متكافئين، وهذا هو تعريف الأبارتيد.
ومع أن الفلسطينيين لم يختاروا واقع الدولة الواحدة الذي وجدوا أنفسهم فيه الآن، إلا أنهم مضطرون لمحاولة تشكيل هذا الواقع بطريقة تسمح لهم بالعيش بكرامة. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يهتمون أكثر بكثير بالحصول على الحقوق الأساسية والحريات ومستويات معيشية أعلى مما يهتمون به في حلم آبائهم القديم بإقامة دولة، لا سيما إذا كانت هذه الدولة اسمية وغير مستدامة.
ووجدت دراسة أجرتها وقفية كارنيغي للسلام العالمي عام 2017، أن الناشطين الفلسطينيين يركزون بشكل متزايد على تأمين الحماية القانونية عبر أدوات مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ومن غير المرجح أن تأتي هذه الحماية بسهولة، أو حتى بشكل سلمي، فقد لا يتم قبول المساواة الفلسطينية من قبل اليمين الصهيوني المتطرف الذي يصر على النقاء الديني والعرقي للدولة. لكن الحجم الهائل للسكان الفلسطينيين الذين يعيشون داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الكيان يعني أن هذه المطالب بالمساواة والعدالة ستزداد حتما مع مرور الوقت.
ويعيش اليوم أكثر من 7.3 مليون عربي فلسطيني -إما كمواطنين في الكيان أو غير مواطنين في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية- إلى جانب ما يقرب من 6.8 مليون يهودي صهيوني. معدلات الخصوبة لدى العرب الفلسطينيين (4.3 أطفال لكل امرأة في الضفة الغربية و4.5 أطفال لكل امرأة في غزة) تفوق بكثير المعدل اليهودي الصهيوني البالغ 3.1 طفل لكل امرأة.
وبالتأكيد ستكون الحقوق المتساوية ضرورة أخلاقية حتى لو كان العرب الفلسطينيون أقلية واضحة. لكن الخصائص الديموغرافية تشير إلى أن الكيان ستجد قريبا أنه من المستحيل تجاهل دعوات الفلسطينيين لحماية الحقوق المدنية.
ومن هنا يجب على القادة الفلسطينيين أن يضعوا المجتمع الدولي أمام خيارين: إما الخروج بخطة معقولة لتحقيق حل الدولتين في إطار زمني واقعي وقصير، أو دعم النضال الفلسطيني من أجل المساواة داخل دولة ديمقراطية واحدة، بقوة. وعلى الرغم من أن حل الدولتين لم يعد واقعيا، إلا أنه سيكون من الحكمة ألا يتخلى عنه القادة الفلسطينيون علنا بشكل تام. فأثناء بحثهم عن بدائل، يجب عليهم الاستمرار في الدعوة إلى حل الدولتين، وتحدي المجتمع الدولي مرة أخيرة، على الرغم من أن عددا متزايدا من الفلسطينيين يفترض أن مثل هذه الدعوة محكوم عليها بالفشل، فلا يمكنهم تحمل اللوم على فشلها النهائي.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن لبايدن وقادة العالم الآخرين أن يسمحوا لحل الدولتين النظري أن يعميهم عن القمع الصهيوني المنهجي للفلسطينيين. إن الاعتراف بهذا الواقع لا يعني التخلي الفوري عن كل الجهود نحو حل الدولتين، ولن يحصل مثل هذا التحول الدراماتيكي في السياسة بين عشية وضحاها. ولكن يتعين على صناع القرار في أمريكا رفض الاحتلال المطلق نهائيا. إذا لم يفعلوا ذلك، فمن المحتمل أن يواجهوا ضغوطا متزايدة من مواطنيهم، فقد أظهر استطلاع أجرته جامعة ميريلاند عام 2018 أنه إذا ثبت استحالة حل الدولتين، فإن 64% من الأمريكيين سيختارون المساواة الكاملة للفلسطينيين على استمرار وجود الكيان كدولة يهودية. ومن المرجح أن يجذب النهج الجديد القائم على الحقوق، والذي يركز على الحقوق المتساوية بدلا، من شكل الحل، انتباه المجتمع الدولي ودعمه بدلا، من الإصرار اسميا على نتيجة أصبحت مستحيلة.
ويتساءل المعشر عن كيفية مساعدة المجتمع الدولي في ضمان نتيجة الدولة الواحدة التي تلبي تطلعات كلا المجتمعين ولا ترسخ الفصل العنصري.
ويجيب أن هناك عددا من التجارب الأكاديمية ودبلوماسية المسار الثاني عن نماذج دولة واحدة، من نموذج ليبرالي فردي وصوت واحد، من المؤكد أن الكيان سترفضه، إلى نموذج اتحادي ثنائي القومية مثل بلجيكا، حيث تتقاسم مجموعات عرقية مختلفة السلطة مع الحفاظ على درجة معينة من الاستقلال السياسي. وفي كلتا الحالتين، يظل العديد من الفلسطينيين قلقين من أن يصبحوا مواطنين صهاينة، خوفا من عدم حصولهم على الحقوق المتساوية داخل الدولة اليهودية. ويرون أن على الكيان التطور لتصبح دولة علمانية تحمي حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن الدين أو الأصل.
ويقول إن أياً من الحلول المقترحة ليس مثاليا. لكن الأمم المتحدة بحاجة ماسة إلى فتح نقاش جاد حول البدائل وتركيز هذا النقاش على المساواة في الحقوق. إن صدور قرار من الجمعية العامة يعترف بالحاجة إلى نهج قائم على الحقوق لحل النزاع من شأنه أن يوفر دعما معنويا كبيرا لدعوات الفلسطينيين إلى الحياة الكريمة. كما أنه سيفتح الباب لمناقشة بدائل حل الدولتين. ويجب على إدارة بايدن أيضا أن توضح أنها لن تقبل الفصل العنصري بحكم الواقع. إذا تمكن بايدن من التخلي عن عقود من السياسة الأمريكية الفاشلة والحكمة التقليدية، فسوف يجبر بقية العالم على الانتباه. يمكن لأمريكا أن تكرر أخطاء الماضي، أو يمكنها أن تأخذ زمام المبادرة في تصور مسارات جديدة للسلام مستوحاة من جيل جديد من الناشطين الفلسطينيين والصهاينة الذين يحاولون تأمين حقوق متساوية للجميع.