اتساع رقعة الانتهاكات العمالية، تدني الأجور، ضعف أرضيات الحماية الاجتماعية، وغياب نظم التفتيش والرقابة.. تحديات يعانيها عمال وعاملات الأردن، كشفت عنها وفاقمتها جائحة كورونا، وفق تقارير لمنظمات مجتمع مدني.

اليوم، يحتفل العالم بعيد العمال، فيما ظلال الكآبة تلقي بغلالتها القاتمة على هذه الاحتفالات، خاصة وأن العمال هم الحلقة الأكثر تضررا بتداعيات الجائحة.
بيت العمال للدراسات، قال في تقرير عنوانه “تحديات الخروج من الأزمة”، سلط فيه الضوء على تحديات استمرار أزمة الجائحة، مشيرا إلى أنها ما تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد الوطني وقطاعات العمل بصورة غير مسبوقة، في ظل تداعياتها على الوظائف والإنتاج، في أصعب أزمة محلية وعالمية يواجهها سوق العمل الأردني، سبقها في الأعوام الأخيرة انحسار ملموس في قدرة الاقتصاد على استحداث فرص عمل، لتصل معدلات البطالة إلى مستويات قياسية نهاية العام الماضي لتبلغ 24.9 %، وهي النسبة الأسوأ في تاريخ المملكة.
وبين التقرير أن الأزمة كشفت عن هشاشة سوق العمل، والافتقار لمتطلبات الحماية الاجتماعية للعمال في القطاع غير المنظم ويمثلون 48 % منه.
كما بين التقرير أنه وخلال الأزمة، ظهر حجم تعرض هذه الفئة لخطر فقدان دخلها، في ظل مؤشرات تؤكد أنها توسعت في الجائحة على حساب القطاع المنظم، جراء فقدان الآلاف وظائفهم، ما يتطلب تبني منظومة قواعد، تدعم الفئات الأكثر ضعفا وتحميهم، ووضع سياسات فعالة تنتشلهم من ظروفهم الصعبة، كخطوة نحو انتقالهم من الاقتصاد غير المنظم للمنظم.
وأشار التقرير إلى أن التصدي لهذه الأزمة يستدعي الارتقاء في التعامل مع الآثار المتوقعة للجائحة على سوق العمل، فالسيناريو المتوقع مستقبلا، يشير إلى أن معدل النمو في الناتج المحلي سيبقى منخفضا بعد أن وصل العام الماضي إلى -6.5 % (سالب)، في ظل مؤشرات عدم قدرة العديد من القطاعات على الصمود أمام الأزمة.
وأكد أن الخشية من عدم قدرة السياسات الحكومية على احتوائها في الأشهر الأربعة المقبلة، رغم توجهات الحكومة للوصول إلى صيف آمن، تفتح فيه القطاعات، بخاصة بعد أن تسببت الجائحة العام الماضي بإضافة أكثر من 80 ألف متعطل جديد إلى معدل البطالة الذي كان مرتفعا بصورة غير مسبوقة قبل الجائحة، ليصل مجموع المتعطلين إلى أكثر من 400 ألف متعطل مع نهاية العام الماضي، ناهيك عمن تأثرت دخولهم إما نتيجة انقطاعهم المؤقت عن العمل أو لسماح أوامر الدفاع بتخفيض الأجور على نطاق واسع، ليصل عددهم إلى نحو 500 ألف عامل.
المرصد العمالي الأردني أكد أن الاقتصاد خسر العام الماضي نحو 140 ألف وظيفة، جراء الجائحة، وأنه للعام الثاني على التوالي، خسر العالم عشرات ملايين الوظائف وفقد عشرات الملايين من العاملين سبل كسب عيشهم، ولم يكن الأردن بعيدا عن هذا المسار.
ونوه لارتفاع معدلات البطالة بنسبة 5.7 نقطة في الربع الرابع للعام الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها العام 2019، وكانت نسبتها بين الإناث أعلى منها بين الذكور، وسجلت 24.7 % مقارنة بـ19.3 %، توزعت بين الذكور بنسبة 22.6 % والإناث 32.8 %. هذا الى جانب ارتفاعها بمعدلات غير مسبوقة بين فئة الشباب من غير الجالسين على مقاعد الدراسة، لتبلغ 47.8 %.
وأشار البيان الى أن الأزمة أدت لتراجع سبل كسب العيش لعشرات آلاف العاملين والعاملات غير المنظمين، وأن “سياسات الاستجابة الحكومية للجائحة أدت لانخفاض أجور مئات آلاف العاملين والعاملات في القطاع الخاص، وسمحت بتخفيض أجورهم بنسب متفاوتة استقرت عند 25 % للعاملين في الأنشطة الاقتصادية الأكثر تضررا وفق تصنيف الحكومة، والتي ما يزال ينتاب دقة منهجية التصنيف الكثير من التساؤلات، ما أسهم بتراجع المستويات المعيشية لعشرات آلاف العاملين والعاملات في هذه الأنشطة الاقتصادية”.
ومن المعروف، أن مستويات الأجور في الأردن منخفضة جدا مقارنة بارتفاع تكاليف الحياة المرتفعة جدا في الأردن، ما سيؤدي لاتساع أعداد العمالة الفقيرة، فـ64 % من العاملين المسجلين في المؤسسة العامة للضمان يحصلون على أجور شهرية تبلغ 500 دينار فما دون.
وركز البيان على أن “الأزمة أثبتت أن هنالك قصورا كبيرا في منظومة الحماية الاجتماعية للعاملين، فنحو نصف القوى العاملة غير محمية بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، ما أدى لحرمان مئات آلاف العاملين من الاستفادة من بعض برامج الحماية التي مولتها الحكومة والمؤسسة العامة للضمان للمشتركين في الضمان الاجتماعي فقط”.
وطالب المرصد العمالي الأردني، في بيانه، بضرورة “مراجعة مختلف سياسات الاستجابة الحكومية لمواجهة آثار الجائحة على سوق العمل والعاملين والعاملات، ومراجعة السياسات الاقتصادية بتخفيض الضرائب غير المباشرة ومراجعة سياسات الأجور بزيادتها، لتعزيز الطلب الاستهلاكي المحلي وخلق فرص عمل جديدة”.
أما مرصد الحماية الاجتماعية التابع لجمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، فشدد على زيادة الجولات التفتيشية والتأكد من تطبيق معايير السلامة العامة في أماكن العمل، واعتماد سياسات تسرّع من تجاوز الجائحة ومعالجة آثارها، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتوفير الحماية الاجتماعية.
ودعت ورقة موقف صادرة عن مرصد الحماية الاجتماعية للسماح لغير الأردنيين بالاشتراك الاختياري في الضمان، وتشديد الرقابة على المنشآت والمشاريع التي لا تشمل عمالها به، وتزويد من تقضي طبيعة عمله بالعمل عن بعد، بالتدريبات التقنية والإدارية لإتمام العمل، وتطبيق العمل المرن ضمن أطر واضحة محددة بالقانون.
وبينت أن العمال الأردنيين وغير الأردنيين، تعرضوا لضغوطات اقتصادية ومعيشية صعبة، فبعضهم لا يمتلك قوت يومه، رغم أن الحكومة أقرت برامج لمساعدة العاملين ومنها برامج المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.
ووفقا للورقة، أدت الإجراءات الاحترازية إلى أضرار اقتصادية واجتماعية فادحة، إذ كان الأردن من أكثر الدول تشددا بتطبيق حظر التجول الشامل والجزئي، وتعرضت بعض القطاعات لانهيار كامل بسبب إغلاقها لأكثر من عام كامل.