خلفت جائحة كورونا “ندوبا” في العلاقات الزوجية والأسرية بسبب ما أفرزته من ضغوطات نفسية كبيرة ومخاوف وقلق وتوتر، غالبا ما يدفع ثمنها الأطفال داخل المنزل.

أجواء من السلبية تسود البيوت ويتأثر فيها الأبناء سلبا، نتيجة الظروف الحالية ابتداء من ساعات الإغلاق والحظر الشامل، وما رافق ذلك من أعباء اقتصادية ونفسية نتيجة العمل والتعليم عن بعد.
خسارة الأبوين أو أحدهما لمصدر دخلهما أو فقدان جزء من الدخل كان له دور كبير في التأثير على علاقة الأزواج وما يسود ذلك من أجواء مشحونة ومناكفات وخلافات يراقبها الأطفال طوال اليوم ما يبقيهم تحت خوف وقلق كبيرين.
التربوي الدكتور عايش نوايسة يشير إلى أن الضغوط النفسية الواقعة على الزوجين منذ بداية الجائحة يختلف شكلها، فسابقا كانت معظم المشاكل تتعلق بتأمين متطلبات الحياة وبعض المنغصات التي تعكر صفو الحياة، غير أن تلك الخلافات تصاعدت حدتها مع الوباء.
ونظرا لتغير طبيعة عمل الآباء وظروف حياتهم، وزيادة حدة الخوف على أنفسهم وأسرهم بسبب خطورة الوباء، أخذت الضغوط نفسية قالبا جديدا. وهذا الوضع، وفق النوايسة يتطلب توافقا أسريا كبيرا، وعلى الأبناء مراعاة ظروف الآباء خاصة في متطلبات الحياة اليومية.
إلى ذلك، فقد أضاف التعلم عن بعد ضغوطات والتزامات مادية جديدة على الآباء والأمهات كتوفير الإنترنت والأجهزة اللوحية وهذا كله يشكل عامل ضغط اقتصادي.
ويبين النوايسة أن جائحة كورونا أوجدت نوعا جديدا من الضغوطات النفسية تتعلق بالقلق والتوتر والخوف الكبير على مستقبل الأبناء وتأمين لقمة العيش والخوف أيضا من الإصابة بالوباء، لافتا إلى أن ساعات الحظر الطويلة التي يقضيها أفراد الأسرة معا قد تخلق مشاحنات كبيرة وبالتالي تؤدي لمشاكل عائلية يذهب ضحيتها في كثير من الأحيان الأبناء.
وينوه النوايسة إلى الدور الكبير الذي يترتب على وسائل الإعلام ودور العبادة والمؤسسات التربوية بأن تكون رسائلها باتجاه توعوي لجميع أفراد الأسرة وفي كيفية التعامل مع متطلبات الحياة وظروفها ومواجهة تداعيات الجائحة.
الظروف التي أوجدتها جائحة كورونا منذ بدايتها ابتداء من الظروف الاقتصادية الصعبة والإغلاقات والحظر الشامل وحتى العمل من داخل المنزل، كان ضاغطا ويفرض شروطا على الأطفال سواء الطلب منهم الابتعاد عن الازعاج والضجيج وعدم الاقتراب من الوالدين طوال فترة عملهما عن بعد، ما يزيد من حدة توترهم وإرباكهم طوال اليوم، وفق اختصاصية الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة سعاد غيث.
من جهة أخرى، فان الاجتماعات الطويلة التي يضطر الوالدان الانضمام إليها من المنزل ولساعات طويلة فإنها تشكل ضغطا كبيرا على الأبناء وشعورا بالعزلة، وفق غيث التي تشير إلى مشاهدة الأطفال للمشاحنات بين ذويهم يؤثر بهم تبعا لأعمارهم، وقد يفسرونها بطريقة مغلوطة وخاطئة، فمنهم من يعتقد أنه هو السبب لأنه قصر مثلا بدراسته، أو لأنه يصدر ضجيجا أو ربما بسبب خلافه مع أشقائه، وبالتالي لوم نفسه.
وتضيف غيث “كثير من الأبناء يعتبرون أحيانا أن مشاكل آبائهم هم السبب فيها”، مشددة على ضرورة إعلان الوالدين سبب الخلاف وأنه أمر طبيعي كأي خلاف بسيط، إلا أن الحب يبقى موجودا والمودة والاحترام كذلك.
وتلفت غيث إلى ضرورة أن يقوم الأهل بتبسيط خلافاتهم أمام أبنائهم ووصفها بأنها أمر طبيعي، ولكن هذا لا يعني أن يتمادى الوالدان بخلافاتهما ومشاحناتهما، وإنما عليهما ضبطها ومراقبة نفسيهما وكلماتهما ومستوى الصوت والكلام المتبادل أمام الأطفال.
على الأهل أيضا، تعلم إدارة ضغوطاتهم النفسية والاقتصادية ومحاولة تجاوز المحنة التي تمر بها الأسرة والأزمة المشتركة بين جميع الناس بالتكاتف والتعاون ومحاولة ممارسة نشاطات مع الأبناء والأصدقاء المقربين.
محدودية العلاقات الاجتماعية التي فرضتها جائحة كورونا بحسب غيث، أجبرت الأزواج أيضا على إدارة حياتهم على نطاق ضيق جيد، وبالتالي قللت فرص الإلتقاء بالناس وأجبرتهم على البقاء لفترات طويلة في المنزل.
وتنصح غيث بضرورة ان يلتفت الأهل بأن الخلافات تؤثر على المستوى الدراسي للأبناء، كذلك تعلمهم سوء إدارة العلاقات في المستقبل، وقد يصبح الطفل هجوميا وعدائيا وعدوانيا ويعمم سلوكه على الآخرين.
وتتابع غيث “هذه الأجواء التي يعيشها الطفل تؤثر على قدرته بالتركيز والانتباه”، فالأطفال يتأثرون بشكل مباشر وعلى المدى البعيد ويخزنون هذه المشاكل في ذاكرتهم وينقلون تلك الخبرات ويمارسونها مع أبنائهم في المستقبل.
يذكر أن عدد حالات العنف ضد النساء والفتيات وصل في النصف الأول من العام الماضي وتعاملت معها إدارة حماية الأسرة إلى 4678، غالبيتها حالات عنف جسدي.
وبحسب احصائية  سجلت 2398 حالة عنف ضد بالغات دون الـ60 من العمر، في حين سجلت 32 ضد مسنات، و2243 ضد الطفلات.
في مقابل هذه الارقام، تعاملت مكاتب الخدمة الاجتماعية بوزارة التنمية الاجتماعية في الأشهر التسعة الأولى العام الماضي مع 7988 حالة عنف أسري ضد النساء والأطفال، بينما دخلت في الفترة ذاتها 67 منتفعة الى دار آمنة لحماية النساء المعرضات للخطر وخرجت منها 69 امرأة، اما دارا وفاق عمان وإربد، فسجلت الأولى دخول 160 امرأة لقسم الطوارئ و39 طفلا، والثانية دخلها 106 نساء و30 طفلا.“الغد”