قال تقرير للمرصد العمالي الأردني، إنه منذ بدء تصنيف القطاعات الأكثر تضررا من جائحة كورونا في أيار عام 2020 تستمر منشآت المقاهي والمطاعم على القائمة ذاتها باستثناء شهر آب، ذلك بسبب استمرار منع تقديم الأراجيل منذ تشرين الثاني الماضي، وساهم بذلك استمرار بدء الحظر الجزئي في السابعة مساءً خلال شهر رمضان.

وتعتمد المطاعم والمقاهي بشكل خاص على تقديم الأراجيل والخدمات في صالاتها، خاصة وأنّ المشروبات كالقهوة والشاي لا تساعد كثيرا في تحقيق الكلف التشغيلية، ما أدى إلى إغلاق ما يقارب 4000 مطعم ومقهى في مختلف مناطق المملكة خسر نحو 50 ألف عامل وعاملة وظائفهم بذلك، بحسب نقابة أصحاب المطاعم ومحلات الحلويات.

وتستمر المطالبات من قبل عاملين وأصحاب مطاعم ومقاهي بالسماح لهم باستمرار العمل حتى الساعة الحادية عشرة مساءً على الأقل خاصة وأنّ شهر رمضان المبارك يعد موسماً لهم ومبيعاته تكون أفضل من مبيعات الأيام العادية بسبب جلسات السمر والأجواء الدافئة بعد الإفطار التي تجمع الأصدقاء والعائلات، في وقت بات الإغلاق في السادسة مساءً يحقق مبيعات صفرية لكافة المقاهي وفق أصحاب منشآت قابلهم “المرصد العمالي”.

أمّا المطاعم الشعبية في الأسواق والقرى، فلم تكن في منأى عن هذه المطالبات خاصة وأنّ الاعتماد الكبير على مبيعاتها يتحقق من خلال تقديم وجبة السحور الواقعة حالياً خلال ساعات حظر التجوال، فضلاً عن ذلك فإنّها كأسعار ووجبات شعبية لا تجدي خدمات التوصيل معها بتحقيق ربح كافِ بحسب صاحب مطعم شعبي.

لم يظنّ محمد الهيلات أحد أصحاب المقاهي في إربد، أنّ إجراءات حظر التجوال الجزئي ومنع تقديم الأراجيل ستطول إلى هذا الحد من الإغلاق والذي تجاوز العام، حيث لا يعتبر اقتصار العمل بتقديم المشروبات فقط خدمة تستحق العناء فهي “ما بتجيب مصاريف المحل”
كان محل الهيلات في شارع الجامعة بإربد يفتح يوماً ويغلق عشرة أيام خلال الجائحة، حتى اشتهر بإعلان محل للبيع بلافتة مكتوب عليها “لا أريد أن أصبح متعثراً” ذلك بسبب الأوضاع السيئة وانخفاض الطلب على المشروبات، خاصة وأنّ معظم مرتادي المقاهي الشعبية يأتونها لشرب الأرجيلة، حيث كانت تتجاوز المبيعات 90% من إجمالي الواردات المالية للمقاهي.

في الوقت ذاته، فإنّ خدمة التوصيل لا تخدم أصلاً فئة المقاهي لكون الخدمة المقدمة، قد تكون متاحة في المنازل، أمّا خلال شهر رمضان فمن المعتاد أن يبدأ عملهم في الأيام العادية بعد أذان المغرب، الّا أن حظر التجوال يمنع فتح هذه المنشآت.

يقول إبراهيم قاسمية صاحب أحد المطاعم الشعبية في إربد، إنّ مكان محله الواقع في وسط المدينة والسوق، كان يعطيه فرصة لقدوم الزبائن لشراء وجبات السحور أو تناولها داخل المطعم القديم، بشكل يحقق مبيعات مربحة ويزيد أعداد العاملين بالمياومة، بأجور تقدر 10 دنانير للعامل الواحد.

لا يعتمد قاسمية، على توصيل منتجاته كالمطاعم الكبرى، ذلك لأنّ التطبيقات العاملة في التوصيل تتقاضى نسبة من ثمن الطلب، خاصة وأنّ المواطن لن يطلب خدمة التوصيل للحصول على طبق حمص أو فول، بتكلفة نصف دينار.

في سياق ذلك، يؤكد نقيب أصحاب المطاعم والحلويات عمر العوّاد، أنّ الفئة الأكثر استفادةً من خدمات التوصيل هي مطاعم الوجبات السريعة، لا الأطباق المنزلية والوجبات العائلية كالمنسف والكبسة والسمك أو الوجبات الشعبية، كالحمص والفول والمسبحة.

ويقول العواد، إنّ خدمات التوصيل أعادت 30% من مبيعات المطاعم في حين بقيت المقاهي الشعبية دون فائدة أو مبيعات في شهر رمضان، حتى أعلن الكثير منها إفلاسه أو إعلانه للبيع.

القوى العاملة

يبين العواد أنّ آلاف العمّال فقدوا وظائفهم بعد إغلاق ما يقارب 4000 مطعم ومقهى، في قطاع يضم 22 ألف منشأة يعمل فيها أكثر من 300 ألف عامل وعاملة.

ويتابع أنّ المطاعم لم تستفد كثيراً من برامج الضمان الاجتماعي واستدامة ذلك لأنّ القطاع يعتمد على أكثر من 150 ألف عامل مهاجر تم استثناؤهم من هذا البرنامج

ويقول عواد إنّ إعتماد المطاعم التي تقدم هذه الخدمات قبل الجائحة في رمضان، كان كبيراً جداً لاستمرارية المئات منها خاصة في السهرات الرمضانية ووجبات الإفطار والسحور والتي كانت تشكل موسماً استثنائياً للقطاع على عكس ما رآه أصحاب المطاعم والعاملون فيها، خاصة في ظل منع تقديم خدمات التوصيل أيام الجمعة خلال الفترة الماضية، الذي كان يشكل العمود الفقري للقطاع.

ويشير إلى أنّ كثيراً من المطاعم والمقاهي باتت معروضة للبيع بسبب الاوضاع الاقتصادية السيئة وانتهاء آمالهم باستمرار عمل الحكومة بإغلاق المنشآت الساعة السادسة مساءً في شهر رمضان، حتى أنها لم تستطع احتواء العمالة بعد عام متعثر بشكل كبير ذلك لأنّ الاعتماد الكبير للمطاعم الكبرى في الأيام العادية هو وجبة العشاء.

أما عن استفادة العمالة الأردنية، يبين أنّ نسبة قليلة منهم من المسجلين في الضمان الاجتماعي ذلك لأنّ العامل المحلي، لا يستمر في غالب الأحيان أكثر من 6 أشهر في هذا القطاع، ما يجعل صاحب العمل في تسجيله في المؤسسة لأنّ نسبة 21% تعتبر قاصمة عليه.

أمّا حسين قاسمية، فإنّ مطعمه يحتوي على 5 عمّال دائمين منهم ثلاثة من الجنسية المصرية، في حين استفاد عامل أردنيّ واحد من برامج الضمان، وساهمت الإجراءات المستمرة في شهر رمضان بخفض عدد العاملين إلى 3 فقط ذلك لعدم تقديم خدمات الصالات، يتراوح أجرهم اليويم بين 9 -11 ديناراً.

ويشير إلى أنّ بعض المطاعم الشعبية المجاورة حاولت العمل في خدمة التوصيل إلّا أنّ الأمر لم يجدي كثيراً ذلك لأنّ التسعيرة الشعبية منخفضة عن المطاعم السياحية بشكل كبير، فضلأً عن بعض التطبيقات العاملة في التوصيل قد تصل نسبتها إلى 23%.

في الوقت ذاته، تمسّك عمّال المقهى الذي يملكه محمد الهيلات بفرص العمل، حتى مع عدم دفع الاجور لهم في بعض الأحيان بسبب عدم وجود مبيعات أصلاً، إلا أنه كان يعينهم ببعض الأحيان، “لما كانوا الديانة يدفعوا كنت اقسمهن بيني وبينهم وهمو ما رضيوا يتركوني ويقعدوا معي بالمحل حتى لو ما كان في شغل وتفهموا الوضع”.

3 عمّال في المقهى بنظام المياومة بأجر يوميّ يبلغ عشر دنانير، تباطأ بتسجيلهم في الضمان أملاً بالخروج مبكراً من هذه الأزمة.

كذلك فقد اضطر سيف منعم صاحب أحد المقاهي الشعبية في عمّان للاستغناء عن عاملين مصريين مؤقتاً، كان أولهما حين أعلنت الحكومة في تشرين الثاني الماضي وقف تقديم الأراجيل، وثانيهما كان قبل شهر رمضان ذلك لأنّه يحظر على المقاهي تقديم خدماتها خلال ساعات النهار بالشهر الفضيل، فضلا عن ساعات الليل التي تحمل حظر التجوال الجزئي من الساعة السابعة مساءً وحتى صباح اليوم التالي.

لم يستطع العامل المتبقي الاستفادة من برنامج، ذلك لاستثناء العمالة المهاجرة من استدامة مع اتاحة استفادة من تأمين بدل التعطل “مساند 1”.

أما المشكلة الأخرى التي واجهت منعم من برامج الضمان الاجتماعي تمثلت بأنّ الشاشة الرئيسية أظهرت الرد على طلب الاستفادة من استدامة بأنّ منشأته ليست من القطاعات الأكثر تضرراً علماً بأنّ المقاهي الشعبية مصنفة من شهر حزيران الماضي من هذه القائمة.

يوضح الناطق باسم المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي شامان المجالي، أنّ بعض المنشآت تخطئ بالتصنيف عند التسجيل ما ينتج عنها عدم استفادتها من البرنامج، الّا أنّ المشكلة يمكن أن تتدراك من خلال رسالة اعتراض يرفق بها صور لأبرز وثائق المنشأة كرخصة المهن والسجل التجاري.

ويقول المجالي وفق تقرير المرصد العمّالي، إنّ المنشأة يستطيع عمالها الاستفادة من البرنامج بأثر رجعيّ، فمثلاً لو أخطأ في طلبه عن الشهر الماضي وطلب تحديد شهر كانون الثاني، يستطيع الاستفادة منه.

من جهتها تؤكد جمعية المطاعم السياحية التي لا ينتسب لها كافة المطاعم والمقاهي في المملكة، فينضم لها 796 مطعماً ومقهىً سياحياً، أغلق منها بشكل كامل 395 منشأة خسر نتيجة ذلك 6718 عامل وعاملة وظائفهم فيها بحسب آخر إحصائية في تشرين الثاني الماضي.

ووفق إليانا جعنيني، مديرة الجمعية، فإنّ المطاعم السياحية المنتسبة لها، طالبت مراراً بتحفيز القطاع وإعادة إحيائه وتقديم الأراجيل.
وتنوه إلى أنّ هذه الأرقام، شكلت نتائج دراسة ميدانية للجمعية في تشرين الثاني الماضي، استثنت منها 167 منشأة من مطاعم الوجبات السريعة المنتسبة لأنّ لم تشكل أي إغلاقات.

وتؤكد أنّ معظم نشاط المطاعم السياحية يتركز خلال وجبة العشاء، التي تكون ضمن ساعات الحظر ما يمنع الاستفادة منها.

ووفق مؤسسة الضمان الاجتماعيّ، فقد بلغ عدد المستفيدين من برنامج استدامة، 1086 منشأة و19288 عامل وعاملة، بمبالغ 2.3 مليون دينار

أمّا نقابة العاملين في الخدمات العامة تشير إلى أنّ عدد العاملين في المطاعم الشعبية يبلغ 33400 عامل وعاملة في حين يقابلهم 23200 في المطاعم السياحية، منهم أكثر من 40 ألف عامل مهاجر.

ويقول خالد أبو مرجوب رئيس النقابة، إنّ 75% من إجمالي العاملين في القطاع، خسروا وظائفهم أو انخفضت رواتبهم، في ظل مطالبة النقابة الملحة على ضرورة شمول كافة العاملين والعاملات بإشراكهم في الضمان الاجتماعي للاستفادة من برامج الحماية.

لا حياة لمن تنادي
طالب المئات من أصحاب هذه المنشآت بضرورة إعادة النظر بالإجراءات المتعلقة بالإغلاق وتقديم الأراجيل خاصة، وأنّ الاعتماد الرئيسي على القطاع يتمثل بالسهرات المسائية خلال الصيف، علماً أنّ إتاحة تقديم الأرجيلة بالمقاهي والمطاعم بين شهري حزيران وتشرين الثاني لم يكن له علاقة بارتفاع أرقام الإصابات بفيروس كورونا.

يقول عودة، إنّ أكثر من 90% من المطاعم كانت ملتزمة بالتباعد الاجتماعي وبنسبة إشغال 50%، لإيمانها بضرورة الإجراءات لغايات استمرارية العمل، الّا أنّ الحكومة في شهر تشرين الثاني صبت غضبها على المطاعم والمقاهي ووضعتها كأولى الإسهامات بارتفاع المنحنى الوبائي بعد إغلاق المدارس.

ويشير عودة إلى أنّ الحكومة حرمت المطاعم من العمل أيام الجمعة سيراً على الأقدام أو حتى بتقديم خدمة التوصيل، رغم أهمية ذلك اليوم على المطاعم لا سيم الشعبية منها، فهو يمثل العمود الفقريّ لها.

ويبين أنّ الوزارات لم تأبه للمطالبات بضرورة إصدار أمر دفاع يحل المشكلة بين المستأجرين والمالكين خاصة وأنّ معظم المنشآت في القطاع لا تستيطع في الوقت الحاضر تسديد الإيجارات بالآلاف.

كما يؤكد على ذلك الهيلات، بأنّ الوضع الحاليّ يمثل أزمة بين المستأجرين والمالكين بهذا الخصوص، ما يحتم على الحكومة إصدار امر دفاع ينظم العملية بينهم مع ضمان حصول المالك على حقه، حيث يدفع إيجاراً سنوية يبلغ 13 ألف دينار، في حين يدفع آخرون منشآتهم أكبر مساحة وأحدث “ديكورات” مبالغ قد تصل 32 ألف دينار.

عدم وجود أي إجراءات تحفيزية حقيقية، جعل الهيلات يحول نشاط محله، من المقهى إلى محل بيع مستلزمات الأراجيل، لينفق على مصروفات المحل، والعمّال، الذي يبين أنّه رفضوا تركه في وقت لم يستطع إعطاءهم أجراً.

وكما أن تعقيدات القروض المقدمة، للقطاع السياحي، كالحصول على 2000 دينار، بفائدة 800 دينار، يراها الهيلات صعبة جداً، ذلك لأنّ استمرار وقف تقديم الأراجيل، لن يغني شيئاً في تسديده، متسائلاً ” ليش نوخذ قرض وإحنا بنقدمش خدمة أصلاً”.

يطالب سيف وعدد من أصحاب المقاهي، بضرورة تخفيض رسوم المقاهي من الترخيص عليهم حيث تأخذ أمانة عمّان عن كل متر مربع من مساحة المنشأة خمسة دنانير.

اليوم بات ضروريا، على الحكومة اتخاذ إجراءات تحفيزية لا تقل عن أهمية فتح القطاعات، وإعطائها فرصة البقاء، وإنما شمول العمالة الوافدة ببرامج الضمان الاجتماعي، مساند واستدامة، فضلأً عن اتخاذ قرارات تتعلق بالقروض والمنح وتخفيض الفوائد على المنشآت، إلى حين الوصول إلى استقرار اقتصادي، فمثلاً لا نجد أنّ القروض الميسرة متاحة بشكل فعال لكافة المنشآت.

كما أنّ الأفضل تكثيف شمول العاملين والعاملات بمختلف المنشآت تحت مظلة الضمان الاجتماعيّ لتمكينهم من الحصول على برامج الحماية، مع ضرورة إشراك العمال الأجانب فيها.