سفير عربي في دولة آسيوية يشتري كلية من أردني
عمان- لم تعجز “مافيات” الاتجار بالبشر، في البحث عن أسواق جديدة طالما تدر عليهم أرباحا مالية طائلة، متجولة بين دول أرهقتها الحروب والنزاعات، وبلدان أخرى نخر الفقر والبطالة صفوف مواطنيها، متكئين على جهل ضحاياهم بقوانين الاتجار بالبشر عبر وطنية أساليبهم الإقناعية ونجاعتها بتجنيد سماسرة ينسجون شباكهم حول الضحايا الذين يقعون فريسة لإغراءات مالية مجزية.
تمكنت هذه العصابات الدولية بفضل “عولمة الاتجار بالبشر” بأن توظف الشبكة العنكبوتية في خدمتها لتغذية سوق بيع الكلى الذي يعد الأكثر رواجا بين تجارة الأعضاء البشرية (القرنيات والقلب والكبد)، وأقلها سعرا مقارنة مع أسعار الكبد الذي يصل “جزء منه” إلى 70 ألف دينار، فيما يعد متوسط سعر بيع الكلية الواحدة 35 ألف دينار.
لم تكن تلك العصابات بعيدة عن شباب أردنيين اعتبروهم “خميرة سهلة” لبيع كلاهم “بسرية”، وتحويلهم إلى سماسرة في بلد مثل تركيا التي تعد الحاضنة الأولى عالميا لعصابات الاتجار بالبشر رغم “جهودها للالتزام بالاتفاقيات الدولية والتعاون مع المنظمات المدنية والدولية لمكافحة الاتجار بالبشر”، حسبما أكدته منظمات حقوقية عالمية وعربية.
وجد المتاجرون، أن اختراق وسائل التواصل الاجتماعي بسهولة باستخدام “فيسبوك واتساب بالانستجرام وتويتر” ونشر إعلاناتهم الشفوية عن أشخاص لديهم القدرة على “التبرع بالكلى”، وليس “بيع الكلى” هروبا من أي ملاحقة قانونية عبر الجرائم الإلكترونية، فيما ذهب بعضهم للالتفاف على “كودات البيع” بالإعلان عن “توفير فرص عمل في تركيا برواتب مغرية”.
بدورها جالت في ملفات محاكم أردنية ووثقت عشرات القضايا التي تم تكييفها على أنها جريمة اتجار في البشر ارتكبت خلال العامين الماضيين، فيما نفذ بعضها من قبضة هذا القانون لـ”قصور تشريعي وعدم توفر الأدلة القاطعة”، بحق بعض السماسرة الذين امتهنوا “جلب أشخاص من الأردن” وتسفيرهم إلى تركيا.
وسط ذلك، اكتفى الناطق الرسمي باسم مديرية الأمن العام عامر السرطاوي بالقول إن وحدة مكافحة الاتجار بالبشر “لم توثق أي حالة بيع أعضاء في المملكة منذ 5 أعوام”، مؤكدا “أن الوحدة رصدت العام الماضي 23 قضية اتجار بالبشر جديدة ولم توثق أي جريمة استغلال جنسي ونزع للأعضاء في الأردن بل كان خارجها”.
ووصف السرطاوي هذه الجريمة بـ”الصامتة”، التي يتطلب إثباتها وقتا وجهدا من الأجهزة الأمنية التي تعمل تحت مظلة عده قوانين بالاختصاص ذاته.
أين توزعت كلى 5 شباب؟
أربعة تجار مقيمين في تركيا منذ أعوام عديدة، واحد منهم يحمل الجنسية الصهيونية، بدأت تنشط تجارتهم وتزدهر بسبب إعلانات عبر تطبيقات الشبكة المعلوماتية بحجة التبرع بالكلى ولدى وقوع ضحايا جدد يتم نقلهم إلى تركيا وإيوائهم في فنادق خاصة ليصار إلى نزع كلاهم وبيعها لمرضى بصرف النظر عن جنسية المشتري أو حتى ثمن الصفقة المبرمة بينهما.
وبهذه الطريقة، وقع 5 شباب من الأردن مرة واحدة في شباك المتاجرين، فيما تمكنت الأجهزه الأمنية من إلقاء القبض على شابين في المطار بعد إجراء فحوص في مختبرات “عمانية” شجعهم تاجر أردني للسير قدما في الغوص بالتجربة بسرية بعد أن أبلغهم “أنا بعت كليتي قبلكم والصحة حديد”.
هؤلاء “الضحايا” الذين يواجهون صفوف بطالة وفقرا مدقعا وجدوا في هذه الإعلانات باقة أمل لإنعاش أوضاعهم الاقتصادية، وبخاصة أن ثمن الكلية الواحدة يتراوح بين 10 آلاف و30 ألف دولار أميركي. علما أن أعلى مبلغ اتفق عليه أحد التجار مع والدة فتاة من عرب الـ48 تحمل الجنسية الصهيونية وصل نحو 30 ألف دولار، لكن الفتاة توفيت بعد أن حصلت على كلية الشاب (م.ح) ولم يتقاض من المبلغ “الخيالي” سوى 5500 دولار وخسر جزءا من جسده.
أما الشاب الأردني (س. ز) الذي أبدى رغبتة بالتبرع بكليته فتم استقطابه بواسطة تطبيق التواصل الاجتماعي (تويتر) حيث اتصل به شخص من خارج البلاد وطلب منه التواصل معه على تطبيق (ايمو) وعرض عليه الشاب بيع كليته بمبلغ (10 – 12) ألف دولار لفتاة من جنسية خليجية.
وفشلت الصفقة، بعد أن جاءت نتائج الفحوص المخبرية غير مطابقة للمتبرع لها، بحسب ملف القضية، لكن التاجر لم يستسلم وبعد شهر تقريباً وجد شخصا من فلسطين.
وتم ضبط جميع الأطراف في قضية الـ”5 شباب” من قبل إدارة البحث الجنائي – إدارة مكافحة الاتجار بالبشر ووجه لهم “جناية الاتجار بالبشر”، أما الشباب الذين انتزعت كلاهم فتم توجيه تهمة لهم وهي :”جنحة الانتفاع بالأعضاء مقابل نفع مادي” .
سفير عربي يشتري كلية أردني بـ17 ألف دولار
لم يكن يعلم المواطن الأردني أن زوجته ستكشف تفاصيل بيع كليته بمبلغ 17 ألف دولار إلا عندما تقدمت بشكوى رسمية ضده في مركز أمن بيادر وادي السير.
وتفاصيل القصة، أنه في شهر شباط (فبراير) 2020 توجهت المواطنة (س،ز) برفقة زوجها لعلاجه من مرض سرطان بالأمعاء، وعند وصولهما من المطار إلى الفندق، تفاجأت أن زوجها سافر حتى يبيع كليته مقابل مبلغ 17 ألف دولار لسفير عربي مقيم في دولة آسيوية. وتكللت العملية بالنجاح.
ولم تنته فصول القصة عند هذه النقطة، بل كان للزوج مخطط آخر تغفل زوجته عنه، وهو أن ” الزوج أثناء وجودهما في تركيا كان يراسل شخصا عبر حسابه على “فيسبوك” ليخبره بأنه سيقنع زوجته لتبيع كليتها بمبلغ 15 ألف دولار، فقررت أن تشتكي عليه مباشرة”، حسب قول الزوجه أثناء الإدلاء بشهادتها أمام القضاء.
ونصت المادة 10 من قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان بأن يعاقب كل من ارتكب مخالفة نصوصه “بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو بغرامة لا تقل عن عشر آلاف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين”، غير أن الزوجة قامت بإسقاط حقها الشخصي فلجأت المحكمة بقرارها نحو “تخفيض العقوبة بحقه لتصبح الحبس مدة ثلاثة أشهر والرسوم”.
تاجر تونسي يبيع كلى أردنيين لفلسطينيين
تمكنت الجهات الأمنية من إلقاء القبض على شابين في مطار الملكة علياء الدولي قبل توجههما للسفر إلى تركيا، حيث تم ترتيب نزع كليتهما لبيعها لمرضى من جنسيات عربية، كان تاجر يقيم في تركيا يحمل الجنسية التونسية، قد أقنع الشاب العشريني الأردني (م.خ) ببيع كليته وجنده معه ليقنع آخرين مقابل عمولة مالية.
وبدأت القصة في نهاية العام 2018 عندما تعرف المتهم (م.خ) من خلال الشبكة المعلوماتية إلى تاجر تونسي الجنسية يقيم في تركيا حيث أقنعه الأخير ببيع كليته مقابل 13 ألف دولار ليصار إلى بيعها لأشخاص من الضفة الغربية.
لم يكتف التاجر بذلك، بل حوّل نشاط (م.خ) من متبرع إلى سمسار ناشط في الأردن حيث طلب منه “استقطاب أشخاص آخرين للغاية نفسها”، وبالفعل نشط عمله حيث أقنع شابا في منطقته ببيع كليته وتم إرساله بالطريقة ذاتها إلى تركيا حيث تم نزع كليته وباعها بمبلغ 10 آلاف دينار.
كل ما تقاضاه السمسار الجديد عمولة مالية لا تتجاوز 220 دينارا، كانت كفيلة بضبطه من قبل رجال الشرطة.
وتنص المادة 9 من قانون الاتجار بالبشر على: “على الرغم مما ورد في المادة 8 من هذا القانون يعاقب بالأشغال المؤقتة مدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرين ألف دينار”.
وأكدت مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية لندا الكلش أن المركز تعامل في المدة الأخيرة مع عدة قضايا اتجار بالبشر أغلبها نزع أعضاء بشرية لشباب من الأردن، تنزع كليتهم في مستشفيات تركية، بعد أن بات سوق مصر والصين معروفا لدى الجهات الأمنية الأردنية.
وأوضحت أن السمسارة والتجار من جنسيات عربية يصطادون ضحاياهم عبر “انستغرام” و”واتساب” وتطبيق الاتصال (الايمو) لعقد صفقاتهم غير القانونية، مستغلين فقر الشباب وعوزهم وسعيهم لتحسين ظروف حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.
يشار إلى أن مجلس النواب وافق على تعديل مواد من قانون الاتجار بالبشر 2019 ، ومنها المواد المتعلقة بتغليظ العقوبات على مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر، إضافة إلى الموافقة على التعديل الذي ينص على أنه:”يعاقب بالأشغال المؤقتة وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار كل من باع شخصاً أو عرضه للبيع أو اشتراه أو وعد بذلك أو ارتكب إحدى جرائم الاتجار بالبشر المنصوص عليها بالقانون”.
غير أن هذه التعديلات لم تشمل وضع تعريف محدد لمصطلح “الاتجار بالبشر” كباقي قوانين الدول الأخرى، حسب كلش التي أوضحت أن هذا يوجد تشتيتا في تحديد أشكال الاتجار بالبشر التي لم تتطرق لها هذه التعديلات.
وأضافت “كان من المفترض أيضاً التوسع في مفهوم “الإتجار بالبشر العابر للدول” المنصوص عليه في المادة رقم 9 من القانون، وإجراء تعديلات عليه بما يتواءم مع البروتوكول الدولي لمنع الاتجار بالبشر”.
ورأت أن تنازع القوانين والثغرات مع بعضها، أدى الى خلق صعوبة في التعرف إلى ضحايا الاتجار بالبشر، وصعوبة في وصف الجريمة، ما تسبب بضعف حماية الفئات المعرضة للجريمة، وإفلات الجناة من العقاب.
صفحات وهمية لاصطياد الضحايا
ولإثبات إمكانية استقطاب أي شخص يرغب ببيع كليته عبر”فيسبوك” طرحت معدة التحقيق سؤالا عبر إحدى المجموعات الخاصة بمرضى الكلى مفاده “من يرغب بالتبرع بكليته لمريضة تعاني فشلا كلويا؟”، لتتفاجأ بعد نحو ثلاثة أشهر بأن شابا عشرينيا من مصر تواصل عبر الخاص يبدي استعداده لبيع كليته بمبلغ 200 ألف جنية وفي أي بلد يمكن أن يخضع للعملية.
وحول بعض الأساليب التي تستخدمها عصابات الاتجار بالبشر من خلال الشبكة العنكبوتية، كشف الخبير في أمن المعلومات والاتصال الرقمي الدكتور عمران سليمان عن أن مسألة إقناع الضحايا تتم في البداية من خلال تجنيد بعض المتابعين (الوهميين) على الصفحة الرسمية للجهة المحتالة.
وبعد ذلك، يتم تكثيف العشرات من التعليقات على صفحاتهم مثل ” شكرا لجهدكم ، الحمد لله انتقلت للعمل في المكان الفلاني وبراتب رائع” ، وتعليق آخر ” للاحترافية في العمل ، سعدت بإيجاد فرصة العمل من خلالكم” وتمت العملية بكل احترافية ضمن معايير صحية السلامة واستقبالنا بالمطار وجلست في فندق فاخر…إلخ” .
وبمجرد أن تقع الضحية يرسل المحتالون طلب الموافقة مع الإجراءات التي يجب اتباعها لإتمام الأمر بشكل سري وموثوق به، بحسب سليمان الذي قال “غير أن استنكاف بعض الضحايا عن ملاحقة المجرمين أو التبليغ عنهم، وعدم رغبة الضحية باطلاع الآخرين على حالة الفشل التي مر بها ساهمت بازدهار هذه التجارة”.
واقترح سليمان نشر الوعي بهذه الطرق والممارسات اللاخلاقية من أجل الكسب غير المشروع من خلال التغرير بالناس واستغلال حاجتهم.
وبخط متواز، يتوجب رفع مستوى التعاون بين الدول أمنيا لكبح جماح هذه العصابات التي تعمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتخفي خلف بعض التطبيقات المخصصة لإخفاء الهوية الرقمية.
وأيد فكرة وجود منصات متخصصة للتبليغ عن هذه الحالات وبشكل سري لضمان إقبال الضحايا لتقديم الطلبات لها، ما يساعد في عملية المتابعة والملاحقة المبكرة لهذه المجموعات قبل وقوع المزيد من الضحايا، من أجل التعرف إلى طرائق عملها وتقديمها للمحاكم.
وأشارت المادة 10 من قانون الاتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009 إلى “أنه يعاقب بالحبس لمدة ستة أشهر كل من عمل لوجود مخطط ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 9 من هذا القانون (متضمنة نزع الأعضاء) أو علم بوقوع إحدى تلك الجرائم ولم يقم بتبليغ الجهات الرسمية”.
تعديل اسم القانون “الاتجار بالبشر”
تعد “الجريمة ذات طابع عبر وطني إذا ارتكبت في أكثر من دولة. او إذا ارتكبت في دولة وتم التحضير أو الإعداد أو التخطيط لها أو الإشراف عليها في دولة أخرى، إذا ارتكبت في أي دولة عن طريق جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية في أكثر من دولة”.
وعليه، طالبت منظمات المجتمع المدني تعديل اسم القانون بحيث يضم “مكافحة” وليس “منع” جريمة الاتجار بالبشر فقط، بيد أن مواد القانون تضمنت إشارات تؤكد سيره تجاه مكافحة الجريمة، إذ يعد مفهوم المكافحة أشمل وأعم وينطوي تحته مفهوم المنع.
ورأى “المجتمع المدني” أن استخدام مصطلح المكافحة يتواءم أكثر مع الاتفاقيات التي صادق عليها الأردن في هذا المجال مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجریمة عبر الوطنية لعام 2000، وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الأتجار بالأشخاص، وبروتوكول مكافحة تهریب المهاجرین عن طریق البر والبحر والجو المكملة لها.
وتحتل جريمة الاتجار بالبشر، وتجارة الأعضاء البشرية، المرتبة الثالثة في الانتشار بعد تجارة الأسلحة والمخدرات، لذلك تصدى المجتمع الدولي لهذه الجريمة من خلال بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000، وفق المحامي وأستاذ القانون الدولي العام وحقوق الإنسان الدكتور أيمن هلسة.
ولاحظ محامون أن تطبيقات القانون تبقى محصورة في قضايا محددة بعينها، رغم شمولية التعريف القانوني “للاتجار بالبشر”. وهذا القصور، يعزوه عاملون في منظمات حقوقية، إلى غياب الثقافة أو الدراية القضائية في هذا المجال، حسب هلسة الذي أشار إلى “أن بعض المدعين العامين أيضا يفتقرون للمعرفة بأبعاد هذه الجريمة العابرة للوطنية”.
الشاب العشريني محمد واحد من عشرات الشباب الذين تراجعوا عن فكرة بيع كليته بنحو 12 ألف دينار، وعاد إلى الأردن لتقديم شكوى إلى الأجهزة الأمنية بطوعه واختياره دون أي ضغط أو إكراه.
تحقيق: حنان الكسواني – الغد