ألقت حالة الجفاف التي تسود مختلف مناطق محافظة الكرك للموسم الحالي، بظلالها الثقيلة، على صناعة الجميد والسمن البلدي بالمحافظة، والتي يعمل ويعتاش منها آلاف الأسر الكركية، لاسيما وأن تردي الموسم المطري للعام الحالي، أدى الى تردي موسم زراعة المحاصيل الحقلية والأعشاب الرعوية التي يعتمد عليها بشكل كبير مربو الماشية في توفير الأعلاف لمواشيهم، ما أدى الى تراجع كميات الحليب المنتجة وصناعة الجميد.
وكانت محافظة الكرك قد شهدت الموسم الحالي تساقط أقل من 150 ملم من الأمطار على مختلف المناطق، وهي كميات تعادل نسبة أقل من النصف لكميات الأمطار في المعدل السنوي للمحافظة، في حين أن موسم العام الماضي بلغت الأمطار زهاء 400 ملم.
وبحسب مدير زراعة الكرك المهندس مصباح الطراونة، فإن الموسم الحالي صعب للغاية بسبب تردي الموسم المطري، مشيرا الى أن مختلف الزراعات الحقلية بحالة سيئة، إضافة الى ضعف الإنبات الرعوي الذي يعتمد عليه مربو الماشية في توفير المادة العلفية خلال فترة الربيع، إضافة الى حاجتهم من الرعي من المحاصيل الحقلية بنهاية موسم الحصاد.
وتبدأ صناعة الجميد مع بداية موسم الربيع، بعد أن يقوم مربو الماشية ببيع المواليد الجديدة من الخراف التي كبرت للاستفادة من حليب أمهاتها لمدة 6 أشهر، وهي مدة إنتاج الحليب من المواشي.
وتوفر صناعة الجميد من خلال المعامل المنزلية الصغيرة أو المعامل الأكبر بالكرك أيضا آلاف فرص العمل الموسمية للفتيات والشبان المتعطلين عن العمل، حيث يحصلون على رواتب شهرية، إضافة إلى مخصصات يومية مما ينتجون.
وتقدر كميات الجميد المنتج في المحافظة سنويا بالمواسم الجيدة كل عام بحوالي 600 طن من الجميد، إضافة الى 250 طنا من السمن البلدي، ما يعني حجم اقتصاد بحوالي 10 ملايين دينار وفقا للعديد من المصادر، والتي تقدر أعداد الأغنام والماعز في المحافظة بحوالي 600 ألف رأس.
ويؤكد رئيس جمعية مربي الماشية بالكرك زعل الكواليت، أن حالة الجفاف العام الحالي تلقي بثقلها على العملية الزراعية كلها وليس على عملية إنتاج الجميد والسمن فقط، لافتا الى أن كلفة الإنتاج ارتفعت كثيرا، ورغم ذلك فإن المنتجين لم يرفعوا الأسعار على الإطلاق.
وبين أن الجفاف أدى الى ارتفاع سعر كيلو الحليب ليصل الى حوالي 85 قرشا وأحيانا إلى دينار واحد، بعد أن كانت الأسعار للموسم الماضي 60 قرشا وأحيانا نصف دينار، مشيرا الى أن هذه الأسعار جاءت بسبب انخفاض الإنتاجية للمواشي لتراجع كميات الأعلاف بالحقول البرية وانعدام المحاصيل الحقلية نهائيا.
وقال الكواليت إنه في الموسم العادي تكون هناك كميات حليب بمعدل 50 الى 60 طنا يوميا من حليب الأغنام لإنتاج الجميد بمختلف المعامل المنزلية والصناعية، لافتا الى أن هذا المعدل انخفض لأقل من النصف في الموسم الحالي، ما يضطر المنتجين الى البحث خارج المحافظة عن كميات حليب لتغطية كلف الإنتاج.
وأضاف أن تردي موسم الرعي والزراعة أسهم أيضا في تراجع الكميات الإنتاجية للمواشي، حيث إن رأس الأغنام التي كانت تنتج كيلوغرامين من الحليب يوميا لا تنتج الآن نصف تلك الكمية، إضافة الى تردي نوعيتها من المادة الدسمة.
وأوضح أن مئات الأسر والسيدات بالكرك ينتجن الجميد والسمن والجبن داخل المنازل، باعتباره عملا ثانويا يسهم في زيادة دخل الأسرة، أو لتوفير حاجاتها من المنتجات الحيوانية من الجميد والسمن، التي تعد ضرورية لكل أسرة كركية، لافتا الى أن عملية صناعة الجميد والسمن البلدي أصبحت إرثا يتم المحافظة عليه بالكرك ونقله من جيل إلى آخر، معتبرا أن هذه الصناعة تتم أحيانا داخل المنازل، وفي السنوات الماضية أصبحت تتم في معامل حديثة بسبب الطلب الكبير على الجميد الكركي.
ووفقا لتقديرات مديرية زراعة الكرك، فإن حوالي 10 آلاف أسرة تعمل في قطاع إنتاج الجميد والسمن بشكل تجاري، منها أكثر من ثلاثة آلاف سيدة تم تدريبهن على مدار سنوات سابقة من قبل مشاريع مديرية زراعة الكرك المختلفة.
ورغم أن صناعة الجميد والسمن البلدي ضرورية للعديد من الأسر الكركية، وخصوصا تلك التي تمتهن تربية المواشي، إلا أن هناك آلاف الأسر ممن لا تملك المواشي، تقوم بشراء الحليب وإنتاج الجميد والسمن بشكل تجاري منه باعتباره مصدرا للدخل لهذه الأسر، إلا أن الموسم الحالي أثر بشكل كبير في تراجع عمليات التصنيع المنزلية وألحق ضررا بمصدر الدخل لآلاف الأسر.
وتقول السيدة أم معتصم من سكان بلدة الثنية، وهي تعمل بتصنيع الجميد والسمن البلدي، إن العام الحالي صعب على الأسر كافة التي كانت تنتج الجميد بالمنزل، مشيرة الى أنها كانت العام الماضي قد أنتجت بمثل هذا الوقت كميات كبيرة من الجميد، إلا أنها ولغاية الآن لم تستطع الحصول على أي كمية من الحليب بسبب انخفاض الكميات المتوفرة بالسوق نتيجة الجفاف الذي ضرب تربية المواشي المنتجة للحليب، إضافة الى ارتفاع سعره ليصل الى دينار للكيلو الواحد والذي كانت تشتريه في الموسم الماضي بنصف دينار.
وأوضحت أن العديد من السيدات توقفن الموسم الحالي عن تصنيع الجميد بسبب ارتفاع سعر الحليب وندرته، ما يجعل عملية التصنيع غير مجدية للأسر.
ويؤكد المزارع ومربي الماشية أحمد المحادين، أن عملية إنتاج الجميد والسمن تدر دخلا جيدا على المربين والمنتجين من غير مربي المواشي، مشيرا إلى أن أسرا كاملة تعتاش بالكرك على عملية إنتاج الجميد والسمن، لافتا الى أن الموسم الحالي صعب على الجميع من المزارعين ومربي الماشية بسبب حالة الجفاف، التي سادت الموسم الحالي وأدت الى تراجع كميات الأعلاف التي تستفيد منها المواشي لإنتاج الأعلاف.
وبين أن هناك انخفاضا كبيرا في كميات الحليب المنتج هذا الموسم، وهو ما ألحق ضررا بالموسم الزراعي كله، وخصوصا مربي الماشية ومزارعي المحاصيل الحقلية، التي كانت توفر جزءا من الأعلاف للماشية كل عام.الغد