خبراء: المشروع يضيق من المشاركة الشعبية ولا يعمل على توسيعها
 

  انتقد خبراء في الشأن البلدي والقانوني بنود مسودة مشروع قانون الإدارة المحلية لكونها “تعزز مفاهيم المركزية المخففة، وتعيد للواجهة مسألة التضارب في الصلاحيات، والمرجعيات بين عمل مجالس المحافظات والبلدية، والخدمات المشتركة”.
ورأوا، في تصاريح منفصلة   أن “بنود المشروع تُضيق من المشاركة الشعبية، ولا تعمل على توسيعها، كما أنها تخدم مصالح جهات محددة لا ترغب في التنازل عن جزء من صلاحياتها المتعلقة بتقديم الخدمات، والتنمية والاستثمار”.
ودعا هؤلاء الخبراء، مجلس النواب لعقد حوارات حول مشروع القانون، وتقييم التجربة الماضية من ناحية عملية، قبل الشروع بمناقشته، ليتمكن من عكس تلك المخرجات على نصوصه النهائية.
إلى ذلك، أكد أستاذ القانون الدستوري والإداري في جامعة آل البيت الدكتور فرحان المساعيد أن المشروع المقترح يعزز مفاهيم المركزية، ليكون أشبه إلى ما يسمى بـ”المركزية المخففة”.
وشدد على أن “دمج اللامركزية والبلديات في قانون واحد، والذي تتيح بنوده تعيين أغلبية أعضاء مجالس المحافظات، التي تتبع للمحافظ، تتنافى مع فكرة اللامركزية، لان هذه التبعية تكون رئاسية”.
ولفت المساعيد إلى أن “ربط المجالس المنتخبة بالمحافظ يتنافى مع مسألة الاستقلال المالي والإداري، التي يجب أن تتمتع بها، لكونه يتبع إلى وزارة الداخلية وليس الإدارة المحلية”.
وأشار إلى أن “اللامركزية تتطلب استقلالا إداريا، أي قدرة البلدية على إدارة جميع شؤون المجتمع المحلي، بحيث تمنح صلاحيات حقيقية”.
بالإضافة إلى ذلك “فإن الاستقلال المالي أمر في غاية الأهمية لتحقيق اللامركزية، والذي يقضي بربط ميزانيتها بمجلس النواب مباشرة، وهذا غير محقق على أرض الواقع في الوقت الحالي”، وفق المساعيد.
وتنص المادة الـ16، الفقرة (أ) من مسودة مشروع القانون على أن “المحافظ رئيس الإدارة العامة في المحافظة، وأعلى سلطة تنفيذية فيها، ويتقدم على جميع موظفي الدولة في المحافظة، وهو الذي يمثلها لدى الغير، ويرتبط بالوزير فيما يتعلق بللامركزية”.
بدوره، بين مدير عام مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني “راصد” الدكتور عامر بني عامر أن “التحدي المتعلق بالاقتطاعات من الرسوم، والضرائب، والبدلات المستوفاة عن المشتقات النفطية المستوردة، أو المنتجة في المملكة، يكمن في عدم إرسال النسبة المخصصة لصالح البلديات كاملة، بل يتم تخصيص جزء منها لمجالس الخدمات المشتركة، ما تسبب بوجود مساحات من الإنفاق غير المضبوط”.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، من وجهة نظره، بل أن “هذا الإنفاق كان يحرم كثيرا من البلديات الحصول على مخصصاتها من هذه الرسوم، لذلك كان يفترض بالمشروع الجديد أن يوضح الأسس المعتمدة بالتوزيع، ضمن بنوده، وليس بناء على نظام، أو اجتهادات أو غيره”.
وأكد أنه “يجب تحويل المخصصات للبلديات بشكل مباشر، بحيث تحمي بنود القانون الجديد هذه الأموال لتكون لصالحها فقط، ودون أن تترك الصلاحيات لوزير الإدارة المحلية بمنح أي جزء منها لمجالس الخدمات المشتركة، أو لغيرها”.
وشدد بني عامر على “ضرورة الزام الحكومة بالإفصاح بشفافية، ووضوح عن حجم الأموال التي يتم تحصيلها كرسوم وضرائب وبدلات عن المشتقات النفطية، على أن تصرف كاملة للبلديات، باعتبار أنها ليست مساعدات تمنح لها، بل لأنها تحصل كضريبة تدفع من جيب المواطن لتقديم الخدمات له من خلال البلدية”.
وتنص المادة 34 من المسودة على أنه “رغم مما ورد في أي تشريع آخر، يقتطع للبلديات، ومجالس الخدمات المشتركة والمحافظات، ولغايات المشاريع الرأسمالية وأعمال الصيانة ما نسبته 50 %، من الرسوم والضرائب، والبدلات المستوفاة عن المشتقات النفطية المستوردة، أو المنتجة في المملكة، ويتم تحويل هذه النسبة عند تحصيلها”.
وبموجب الفقرة (ب) من ذات المادة “يوزع مقدار النسبة المشار اليها سابقا بنسبة 60 % منها لمنفعة البلديات، و10 % لمنفعة مجالس الخدمات المشتركة، و30 % لمنفعة المحافظات، على أن توزع حصيلتها بالنسب التي يقررها مجلس الوزراء، بناء على تنسيب الوزير وفق الأسس التالية: عدد السكان، المساحة المأهولة، معدل الفقر والبطالة في المحافظة، مدى حاجة المحافظة لمشاريع تنموية، الطبيعة الطبوغرافية للمحافظة، الميزات النسبية والتنافسية للمحافظة، تميزها في إنجاز المشاريع التي تخلق فرص عمل”.
وحول ربط المحافظ فيما يتعلق باللامركزية بوزير الإدارة المحلية، أكد بني عامر أن “هذه العلاقة من الناحية القانونية والعملية ستكون غير سليمة، ولن يتم تطبيقها بالشكل المطلوب، بل ستخلق تعددية في المرجعيات، الذي لا حاجة له”.
وأشار إلى أن “الأصل في ذلك الشأن هو تحديد كيفية توضيح صلاحية كل طرف، سواء المتعلقة بالمحافظ، أو المجالس التنفيذية والمحافظات، مما يحد من المشكلات القائمة فيما بينها”.
ولا بد أن “تكون العلاقة ما بين المحافظ ووزير الإدارة المحلية قائمة على أسس تنظيمية، وليست قيادية، لكونه يتبع لوزير الداخلية، والذي يعد أمرا منطقيا باعتبار أنه جرى تعيينه بقرار من مجلس الوزراء”.
واعتبر أن” ربط مسألة إختيار المدير التنفيذي للبلدية، وتجديد عقده أو إنهائه بيد وزير الإدارة المحلية، يعد محاولة لسحب إحدى صلاحيات المجلس البلدي، القادر وحده على إتخاذ القرارات، وتحمل مسؤولياتها أمام منتخبيه”.
وبناء على ذلك، فإن” المرجعية للموظفين المعينين كافة داخل البلديات هو المجلس البلدي، تفاديا للعودة إلى مسألة تعدد المرجعيات وتضارب صلاحيات، والمشكلات الناجمة عنها، والتي تسهم في خلق نزاع وصراع بين الأطراف المعنية”.
وتنص المادة 24، الفقرة (ب)، من مسودة مشروع القانون بأنه “يرشح المجلس البلدي للوزير ثلاثة أشخاص لمنصب المدير التنفيذي للبلدية، ممن تنطبق عليهم الشروط المطلوبة، ويعين الوزير أحدهم مديرا تنفيذيا للبلدية، ويحدد في قرار التعيين راتبه، وعلاوته، وشروط استخدامه، وسائر حقوقه المالية، على أن يتقاضاها من صندوق البلدية بموجب الأنظمة المعمول بها، ويجدد عقده وتنهى خدماته بقرار من الوزير”.
وفيما يتعلق بإعادة توزيع المهام بين المجالس، وخفض بعضها، وإدخال أخرى جديدة، قال بني عامر إن “صلاحيات المجالس المحلية لا بد أن تبقى كما هي، وتمارس من خلال البلدية، ولا يجوز نقل بعضها إلى خارجها، والذي يقع ضمن مسألة تعدد المرجعيات وتضارب الصلاحيات”.
ومن الإيجابيات التي وردت في المسودة، بحسب بني عامر، “رفع نسبة تمثيل المرأة لـ25 % في مجالس المحافظات، لكونه من أحد المطالب التي كانت يتم الدعوة اليها سابقا، لذلك فهذا الأمر يعد خطوة إيجابية وبالاتجاه الصحيح”.
ودعا بني عامر “مجلس النواب إلى أخذ دوره في النظر للقانون ليس من إطار قانوني فقط، بل عقد حوارات حوله مع أعضاء من المجالس المحلية والبلديات السابقين، وتقييم التجربة الماضية من ناحية عملية، قبل الشروع بمناقشته، ليتمكن من عكس تلك المخرجات على نصوصه”.
ولا تلبي المسودة “الطموحات المتعلقة باللامركزية الحقيقة التي تنقل السلطة من الوزارة إلى المحافظة، فالعديد من بنوده تُضيق المشاركة الشعبية، ولا تعمل على توسيعها”، بحسب رئيس مجلس محافظة إربد الدكتور عمر المقابلة.
وفي رأيه فإن “المسودة تخدم مصالح جهات محددة لا ترغب في التنازل عن جزء من صلاحياتها المتعلقة بالخدمات والتنمية والاستثمار”.
وحمل المقابلة “مسؤولية الخلل الذي حدث في تطبيق قانوني اللامركزية والبلديات المعمول بهم حاليا، للحكومة وليس للأشخاص القائمين على التنفيذ”.
و”لو كان هنالك متابعة ومساءلة ومراقبة من قبل الحكومة، لأصبح العمل في القوانين الحالية كافيا، ولا يحتاج للتعديل في المرحلة الحالية”، بحد قوله.
واستغرب المقابلة من “دمج اللامركزية مع البلديات في قانون واحد، وربط المحافظ ومجالس المحافظات بوزير الإدارة المحلية، والتي ستقوم الحكومة فيما بعد بفصلهما مجددا عقب إدراكها المشكلات التي تنجم لاحقاً عند التطبيق”.
ولفت الى أن “مجالس المحافظات يجب أن تعمل تحت مظلة مجلس الوزراء، أو كهيئة مستقلة مالياً وإدارياً دون ربطها بجهة محددة”. وانتقد المقابلة ما أتاحته بنود المشروع “أمام رئيس البلدية ليكون عضوا في مجلس المحافظة، فالتمثيل لن يكون حقيقيا لكافة المناطق وأجزائها، وهو الأمر الذي ينساق ذاته على رؤساء اتحادات الجمعيات الخيرية، الذين جميعهم يمثلون لواء القصبة”.”الغد”