شكلت الزراعة المائية محور تحول مهما في تحقيق الأمن المائي والغذائي، وداعما أساسيا للاقتصادات المحلية في عدة دول حول العالم؛ منها هولندا والإمارات، في ظل تحديات التغير المناخي والموارد الطبيعية.
وبرغم دخول الزراعة المائية التي تعرف اصطلاحا بـ”الهيدروبونيك” للأردن منذ أعوام عدة، لكنها لم تلق رواجا، لأسباب أبرزها؛ ارتفاع الكلفة التشغيلية وقلة الوعي والإلمام بإدارة مشروع مماثل.
ويأتي ذلك برغم أن وزارة الزراعة، وحسب تقريرها السنوي للعام 2019، تشجع استخدام هذا النوع من الزراعة، عبر مديرية الأراضي والري، وتدرب على إنتاج المحاصيل المائية باستخدام برنامج متخصص يعرف بـ”Aquacorp”.
وتمتاز الزراعة المائية بالكفاءة في ترشيد استخدام المياه في الري، لقلة الفقد بالبخار أو الصرف في التربة من تدوير استخدام المياه، ما يرفع كفاءتها إلى أقصى حد، وهذا ما أكده صاحب مؤسسة بيع تصاميم الزراعة المائية الدكتور ماهر الجوابرة.
وقال الجوابرة إن الزراعة المائية، من أكثر أنظمة الزراعة المكلفة إنشائيا نوعا ما، لكنها الأكثر توفيرا في العمالة وإنتاجية، إذ توفر بين 70 إلى 90 % من المياه المستخدمة مقارنة بالزراعة التقليدية.
ويرجع ذلك إلى الكفاءة العالية لإنتاجية الزراعة بدون تربة، لتوافر الغذاء والماء قرب الجذور، كما تزداد الإنتاجية لوحدة المساحة مع الزراعة العمودية، والكفاءة باستخدام الأسمدة لسهولة ضبط تركيزها، ما يرفع كفاءة التغذية للنباتات، وفق الجوابرة.
وأشار في حديثه لـه إلى أن الكلفة التشغيلية للزراعة المائية، تكاد تلامس الصفر إلى حد ما، وهي لا تحتاج لوجود عمال مقارنة بالزراعات الأخرى، وبالتالي توفر كلفة مالية على صاحب المشروع.
وكان للمدير الفني لمشروع مختص بتطوير الزراعة المائية المهندس ليث الواكد، رأي آخر بأن هذا النظام وحسب اعتقاده ليس خيارا جيدا، ويكمن سبب ذلك في أنه يحتاج إلى تدريب كوادر على آلية العمل به، وقدرات تأهيلية لتشغيله.
واتفق الواكد مع الرواجبة بأن الكلفة الإنشائية لأنظمة الزراعة المائية مكلفة، ما يعزى الى عدم انتشارها على نطاق واسع في الأردن. لكنهما اختلفا حول النسبة التشغيلية، إذ قال الواكد إن “الزراعة المائية تحتاج لأيد عاملة جيدة، وليس كما يقال بأنها لا تحتاج، وكل ذلك يعتمد على المساحة المزروعة”.
وبين اتفاق وخلاف حول سؤال “هل تعتبر الزراعة المائية خيارا أفضل؟”، أجاب المتخصص فيها المهندس أيمن الإدريسي، بأن النظام جيد إلى حد ما ضمن معطيات محددة، لمساهمته الكبيرة بتقليل نسب استهلاك المياه المستخدمة في ري الورقيات، مشيرا إلى أن هناك قسما منه يعاد تدويره مرة أخرى.
واتفق الخبراء الثلاثة على أن الكلفة الانشائية، العامل الرئيس وراء عدم انتشاره بشكل كبير، برغم أن الإنتاجية عبر هذا النظام جيدة أكثر لعدم استخدام المبيدات الكيماوية والتقليل من الأسمدة، وبالتالي الاستفادة أكثر وفق ما ذكره الإدريسي.
وروى مزارعون استخدموا هذا النظام، تجاربهم بينهم “أبو أيهم” الذي استخدم نظام الزراعة المائية قبل ثلاثة أعوام على سطح منزله لأغراض الاكتفاء المنزلي من الورقيات والخضراوات المشكلة كالبندورة والخيار والخس وغيرها الكثير.
وعبر خبرته، وضح أبو أيهم، أنه في بعض المواسم لا يصل بيته إلى الاكتفاء الذاتي، والسبب؛ يرجع للتقلبات المناخية، فبعض المزروعات تحتاج لبيئة معينة لتستمر في إنتاجها بالشكل المطلوب.
وأضاف أنه “في شهر رمضان، تمكن من الوصول للاكتفاء الذاتي”، مبينا أن “التقلبات المناخية تؤثر سلبيا” على هذا النوع من الزراعة، خصوصا عند ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات عالية.
وحسب شرحه، فالمزارع في هذه الحالة، يضطر لإزالة أغطية صناديق الزراعة المائية، ما يتسبب بارتفاع نسبة التبخر، كما أن النباتات الورقية نفسها، تستهلك في هكذا أجواء كميات أكبر من المياه، موضحا أن درجة الحرارة يجب الا تزيد على 25 درجة مئوية.
وينظر الأردن للزراعة المائية باعتبار أنها تسهم بحل شح المياه، إذ تفيد الدراسات بأنه في حال بقي الوضع كما هو، فمن المتوقع وصول حصة الفرد من المياه لأقل من 0.8 % من الحصة العالمية، إذ لا يحصل الفرد على أكثر من 100 م3 سنوياً من المياه، بينما حصص الفرد في الدول المجاورة للأردن تزيد على 1300 م3 سنوياً.
وفي ذلك، أشارت دراسة دولية صادرة عن معهد كارينغي في الشرق الأوسط أعدتها الكساندرا فرانسيس في العام 2015 إلى أن “الأردن ثالث أفقر بلد مائيا في العالم”. وذكرت من أسباب ذلك، تزايد أعداد اللاجئين، وقدم البنية التحتية للمياه.
وبينت أرقام الدراسة أن العام 1946، والذي شهد استقلال الأردن، كان بإمكان كل مواطن من بين سكان الأردن البالغ عددهم آنذاك 538 ألف نسمة الحصولَ على 3600 م3 من المياه العذبة، لكن بحلول العام 2008، قلص النموُ السكاني وعقود من الاستهلاك المفرط إمدادات المياه إلى 145 م3/ شخص، لكن هذا الرقم، ووفقا لتقديرات ما قبل الأزمة السورية، سينخفض إلى 90 م3 العام 2025.
وتخلص الدراسة الى أن الأردن الذي يُواجه طلبا متزايدا على المياه، ليس له من خيار سوى مواصلة استخراج المياه الجوفية، أما المشكلة الصادمة في هذا الخيار، فهي أن هناك ثلاثة أسباب وراء الشح المائي: قدم البنية التحتيةِ للمنشآت المائية، عدم كفاية أعمال الصيانة، السَّرقة.
وبين ان هذه الأسباب، تضافرت برفع نسبة الفاقد إلى 50 %، ما يعادل بحسب مؤسّسة ميرسي كورب، وهي وكالة مساعدات دولية تعمل في الأردن، 76 مليار لتر سنويا، تكفي لو أمكن الحفاظ عليها لخدمة مليوني نسمة لمدة عام.”الغد”