أكد ممثلون لقطاعات تجارية وصناعية وأكاديميون، أن إنشاء مرصد للأسعار، وتفعيل قانون المنافسة وتخفيض كلف الإنتاج الصناعي، أدوات وبدائل ناجعة، تعوض آلية استخدام السقوف السعرية، لكبح الأسعار حال ارتفاعها لمستويات عالية.
وقالوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن الرقابة الفعالة على الأسواق، تمنع أية تجاوزاتٍ ممكنة، موضحين أن فلسفةَ السوق الحر التي تعتمدُ على العرضِ والطلب، هي الأفضل، مع اهمية وجودِ استثناءات لبعضِ السلع بحدها الادنى ووضع سقوفٍ سعرية لها لضبط أسعارها.
وتلجأ وزارة الصناعة والتجارة والتموين، في بعض الأوقات لتحديد سقوف سعرية لبعض المواد والسلع التي ترتفع أسعارها لمستويات عالية، مستندة بذلك على المادة 7 من قانون الصناعة والتجارة 18 لسنة 1998 وتعديلاته، لغايات ضبط السوق والحفاظ على استقرار الأسعار.
وأكد رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، ضرورة وجود مرصد للأسعار، أو قاعدة بيانات، أو جهة حكومية، أو أهلية، لإعطاء المواطن المعلومةَ الحقيقية والموثوقة، حول تكاليف استيراد السلع الغذائيّة، وما يطرأ عليها من تحديثات بالأسواق العالمية.
وقال الحاج توفيق إن نقابة تجار المواد الغذائية التي يرأسها كذلك، طالبت باستحداث مرصدٍ للأسعار، يضمُّ كفاءات مطّلعة على ما يجري في كلّ دول العالم، بعيداً عما وصفه بالفزعة وضعف الخبرة والتخمينات وضغط الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي، يطمئنُ المواطنين، ويؤكدُ لهم بأنه لن يتمّ استغلالهم، ويعطي معلومة للتاجر بأنه في حال تجاوزَت أرباحُه المعدلات المعقولة والطبيعية، فإن الدولة ستتدخل لحماية المستهلك.
وأضاف إن ما جرى في بعض حالات تحديد السّقوف السّعرية، كان استجابة لضغوطات نيابيّة، أو لوسائل التواصل الاجتماعي، ولم تكن مبنية على معلومات علميّة، وهو ما أفضى لوضع سقوف سعريّة لبعض السلع، بأقلّ من تكلفة الاستيراد أو التّصنيع، الامر الذي تسبّب بخسارة مستوردين ومصنّعين ومنتجين لسلع معينة.
وأكّد أن زيادة أسعار السلع في بلد المنشأ، أو ارتفاع تكاليف الطاقة والموادّ الأولية، أمورٌ تحدث في كلّ بلدان العالم، ولكنّ غياب الرّقابة التي تدفع بعض المنتجين لبيع السلع بأسعار أعلى، هو أمر غير مقبول، ويجب محاسبة كل المخالفين، دون مجاملة.
وقال الحاجّ توفيق إنّ الحكومة معنيةٌ بحماية المواطن المستهلك، والمستثمر على حدِّ سواء، دون تفضيل طرف على آخر، لافتاً إلى أنّ تجار التجزئة ظلموا في قرارات السّقوف السعريّة الأخيرة، للدواجن والزيوت النّباتية، إذ إنهم حُرموا من تحقيق هامش ربح عادل.
وبيّن أن وضع سقف سعري لسلعة واحدة، مستوردة من أكثر من منشأ، خطأ فادح، إذ إن كلّ سلعة مستوردة من علامة تجارية محددة، لها تكاليف معينة، تختلف باختلاف بلد المنشأ.
أما بالنسبة للسّقوف السعرية للسلع المحلية، فبيّن أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار، اختلاف تكاليف كل سلعة منتجة من كل مصنّع، وليس بالعموم على الأصناف السلعيّة. ودعا الحاجّ توفيق الحكومة إلى تأسيس “مرصد لمراقبة أسعار السلع والخدمات”، وأن تتشارك مع غرف التّجارة في قراراتها المتعلقة بالتسعير، حمايةً لكلّ الأطراف، في مختلف القطاعات وليس الغذائيّة فقط.
من جانبه، اشترط ممثل قطاع الصّناعات الغذائيّة في غرفة صناعة الأردن محمد وليد الجيطان، عدداً من الأساسيات، لتكون آلية تحديد السقوف السعرية، ضابطةً للأسعار، تمثّلت بوضعِ سقوف سعريّة تُوازن بين المستهلك والمنتج، دون مغالاةٍ في حقّ أيّ منهما، مع ضرورة تكثيف الرقابة والتفتيش على تطبيق السّقوف في الأسواق.
وبيّن الجيطان أن الإخلال بهذه الشروط، سيفرض حالة من عدم الإنصاف، ويؤثر على المنتجين المحلييّن، ولاسيما مع وجود تحايلات على السّقوف المحددة للأسعار من قبل البعض.
وقال “وعلى الرغم من ذلك، إلا أن تحديد السّقوف السعريّة، له سلبيات، إذا ما تم تطبيقه على مدى فترة طويلة من الزّمن، دون علاج الأسباب الرئيسيّة وراء ارتفاع أسعار السّلع”، مشيراً إلى أنها قد تتسبب في انهيار المخزون، وفشل الصّناعة وتسريح العمالة، في حال كانت غير واقعية.
وعدّ قرارَ التسعير الأخير الذي اتخذته وزارة الصناعة والتجارة والتموين لسلعة الزيوت النباتية، جائراً، إذ حدّد أسعاراً أقلّ من تكاليف الإنتاج، وفضّلَ المنتجات المستوردة على المحلية.
وأكد انّ أفضل البدائل الممكنة لآلية تحديد السقوف السعرية، تكمن في تخفيض تكاليف الإنتاج الصناعية، من طاقة ونقل وعمالة ورسوم وغيرها، بما ينعكس حتماً على الأسعار النهائيّة للسّلع، ويدعم المستهلك.
ولفت الجيطان الى اهمية دراسة أسعار وتكاليف الإنتاج بالتشارك مع القطاع الخاص، لتحديد أسعار استرشادية للسلع، مع وضع هوامش ربح مناسبة، والعمل على توفير السلع بكميات كبيرة داخل السوق المحلية بما يخلق حالةً من التوازن بين العرض والطلب، ويضبط الأسعار.
من جهته، قال المحامي المتخصص بالقانون التجاريّ، بهاء العرموطي، إن تحديد السّقوف السّعرية تلجأ إليه الحكومة كلما حدثت أزمة سعريّة لسلعة معينة، أدّت لارتفاع أسعارها.
وأوضح العرموطي، أن المادة 7 من قانون الصّناعة والتجارة رقم 18 لسنة 1998 وتعديلاته، تنصُّ على أنه لمجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير أن يحدد أسعار أيّ من الموادّ الأساسية، ويتولّى مراقبو الأسواق في الوزارة، التحققَ من بيع المواد والسلع المتداولة بالأسعار المعلنة أو المحدّدة لها، مع التأكد من مدى صلاحيتها للاستهلاك واتخاذ ما يلزم من إجراءات بهذا الشأن.
وعدّ آلية تحديد السّقوف السعريّة للسلع، لا فائدة منها، على أرض الواقع، إذ إنّ نص المادة 7 يتبع للنظام الاقتصادي الذي كان سائداً قبل الانضمام لمنظمة التّجارة العالميّة، وهي لا تتناسب مع نظام اقتصاد السوق الحر.
وعزا المحامي العرموطي عدم نجاعة هذه الوسيلة، إلى عدم وجود قدرة لمراقبة تطبيق السّقوف السعريّة للسلع في الأسواق كافّة، في كلّ المحافظات.
وتتراوح العقوبة بحسب القانون بين 1000 إلى 3000 دينار لكل من يخالف تطبيق السقوف السعرية، أو الحبس من 3 إلى 6 شهور، وهي ما عدّها العرموطي غير واقعية، إذ يتمّ تخفيضها في المحاكم استنادا لقانون العقوبات بمعدل يتراوح بين 30 إلى 100 دينار.
وحول البدائل، اكد العرموطي أنّها موجودةٌ في قانون المنافسة، المخصص لحماية المستهلك من ارتفاع الأسعار، حيث أنّ الزيادة في الأسعار العالميّة، لا تشكّل نسبة كبيرة من الزيادات الموجودة بالأسواق، عازياً إياها إلى ما وصفه بالانفلات، وانعدام وجود الضّوابط الحقيقية للأسعار.
وأوضح أن المادة 5 من قانون المنافسة، تمنع أيّ اتفاقات أو ممارسات أو تحالفات ضمنيّة أو صريحة، بين مزودي السلع، بهدف تحديد أسعارها وغيرها من الأمور، داعيا إلى تطبيق القانون على من يشكّل اتفاقات لتوحيد أو تحديد الأسعار، بما يمنع المنافسة، ولا يضع خيارات أمام المستهلك.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي المهندس موسى السّاكت، أن تحديد السّقوف السعرية آليةٌ مهمة لضبط الأسعار، ولكنّه يحتاجُ إلى متخصصين، وتعاون ما بين وزارة الصناعة والتجارة والتموين وغرف الصناعة والتجارة، ولاسيما عند ارتفاع أسعار بعض السّلع بنحوٍ طارئ، كما حدث لأسعار الزّيوت النباتيّة في الآونة الأخيرة، وعامةً لبعض السّلع التي من الممكن أن يحتكرها التجار.
وأشار الساكت إلى ضرورة وجود آلية لتحديد السّلع التي تحتاج لسقوف سعرية، مع مراقبة هذه السّقوف من قبل كوادر وفرق وزارة الصناعة والتجارة، وفرض عقوبات رادعة، ومحاسبة كل من يُخالف.
وبيّن أن فلسفة السّوق الحرة التي تعتمدُ على العرض والطّلب، هي الأفضل، ولكن لا بد من وجود استثناءات لبعض السلع في حالات معينة بالحدّ الأدنى منها، ووضع سقوف سعرية لها، لافتاً إلى أن الإقبال على شراء السّلع المحلية، يعود بالفائدة على الصناعة، وبالتالي الاقتصاد ككل.
بدوره، قال عميد البحث العلمي والدراسات العليا في جامعة اليرموك الدكتور قاسم الحموري إن وضع سقوف سعريّة للسلع، يحدث أضراراً كثيرة، إذ إنّ الحكومة لا يمكن أن تعرف سعر التوازن الواجب فرضُه، فتظهرُ ما تُعرف بالسوق السوداء، حيث يعرض التجار السّلع ذات الجودة المنخفضة للبيع، ويبيعون السلع الجيدة بأسعار أعلى من السعر المفروض رسمياً.
وأوضح الحموري أن هذه الآلية، من الصعب أن تعطي نتائج إيجابية، ويعد التحكّم بعرض السّلع هو البديل الأنسب لفرض سقوف سعرية عليها، مبينا أنه يمكن للحكومة مثلاً، أن تستورد الدّواجن بسعر التّكلفة، وتبيعها من خلال المؤسسات العسكرية والمدنية، ما يخفّض الأسعار، ويسيطر على السوق بفعالية أكبر.
إلى ذلك، قال أستاذ التسويق في جامعة اليرموك الدكتور محمود الكيلاني، في السّوق الرأسمالية المفتوحة، لا يُحبّذ أن تتدخّل الحكومة في الأسواق، بما يخص تحديد الأسعار، ويجب أن يتركّ هذا الأمر إلى آلية العرض والطلب، وديناميكيّة السّوق، لافتاً إلى أنّ وجهة النظر التسويقيّة والاستثماريّة، لا تحبّذ كذلك الدخولَ في أيّ استثمار يكون للدولة يدٌ في تحديدِ سعره.
وبين الكيلاني أنه “كلّما زاد الطّلب على سلعة أو خدمة معينة، تحرّك السعر إلى الارتفاع، وعند تحديد السّعر من قبل الحكومة ووضع سقف له، فإنه في كثير من الأحيان، يكون هذا السعر أعلى من سعر التكلفة”، مبينا أن تحديد السّقوف السعرية، لا يراعي التكلفة، ولا ديناميكيّة السوق.-(بترا)