أكد عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الكاتب عريب الرنتاوي، أن “الدق على الصدور” لم يعد مجدياً، مشيرا إلى أن المواطنين بحاجة لمن يتحدث عن الإصلاح بعد حدوثه، وليس قبل ذلك أبداً.
وقال الرنتاوي في مقال له نشرته الدستور اليوم الأحد تحت عنوان “اللجنة في عين العاصفة.. ما العمل؟”، إن من واجب “اللجنة”، رئيساً وأعضاءً، أن تصغي بانتباه، لما يُقال ويُكتب ويُنشر عنها، وأن تبتعد عن السجالات التي لا طائل من فوقها أو تحتها، وأن تتفادى “التهوين” و”التهويل” في قراءتها للمشهد الوطني، فكثير مما يُقال، في موقعه، وصحيح تماماً، وتبديد “عاصفة الانتقادات” يكون بالبرهنة، فعلاً وقولاً، على بطلان النبوءات السوداء والتوقعات الكئيبة.
وتاليا مقال الرنتاوي:
عاصفة النقد والشك والتشكيك والاتهام، التي استُقبِلت بها “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية”، توزعت على أربعة محاور: الأول؛ وينطلق من الفشل المتكرر لتجارب سابقة، والخشية من فشل جديد، في لحظة لا تحتمل الفشل…الثاني؛ ويتعلق برئاسة اللجنة، وقد حظي هذا المحور بالذات، بنصيب الأسد من تعليقات المعلقين…الثالث؛ ويتعلق بتكوين اللجنة وعضويتها، وهنا لم يسلم أحدٌ تقريباً، من سهام النقد والتعليق، بمن فيهم كاتب هذه السطور…والرابع؛ وربما أقلها أهمية، وينحصر فيمن رأوا في أنفسهم، مرشحين محتملين لعضوية اللجنة، بل وأكثر استحقاقاً من كثرة من أعضائهما، إن لم نقل جميع أعضائها.
في الغالب الأعم، نحن أمام “امتحان ثقة جديد” لقياس طبيعة العلاقة بين الدولة ومواطنيها، وإعادة اكتشاف فجوات الثقة القائمة بين الجانبين…هو امتحان، لم نجتزه بعد، وآمل أن نتمكن من اجتيازه في قادمات الأيام، من دون أن يعني ذلك، للحظة واحدة، أن المهمة يسيرة، وأن اجتيازها سيكون أمراً سهلاً، ففقدان الثقة دائماً، أصعب بكثير من استعادتها وترميمها.
أخطر ما يمكن أن يواجه الدولة، وليس “اللجنة” فحسب، أن يُدرج البعض هذه “العاصفة” في سياق “الفولكلور الأردني”، المستمد من لعبة “لعيب أو خريب”، كأن يستهين بطوفان الانتقادات والمشاعر السوداء الكئيبة المجللة باليأس والإحباط، التي تطفح بها صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، سيما إن كان هذا “البعض” من أعضاء اللجنة أو مسؤولي الحكومة والدولة…هذه ليست ظاهرة عابرة، والمعترضون ليسوا “عابرون في كلام عابر”…هذا جرس إنذار إضافي، يستوجب جهداً مكثفاً لاستعادة الثقة وتجسير الفجوات وتسليك قنوات الحوار…بخلاف ذلك، نكون أمام “استعلاء” و”فوقية”، بل وانفصال تام عن مجتمعنا، و”انفصام” يصيب ذواتنا، التي تطرب كما بدا، لعبارات التبريك والثناء، ولا ترى إلا ما يسعد ناظريها من تعليقات المعلقين.
يزداد الأمر خطورة، إن سعى البعض، من الحكم والحكومة و”اللجنة”، لتقزيم مهمتها، أو حصرها في أضيق نطاق “فني”، يقتصر على استدخال تعديلات طفيفة، على قانوني الأحزاب والانتخاب…أعرف البعض ممن هم محتسبين على “التيار الإصلاحي”، لا يريدون أكثر من ذلك…في ظني أن مهمة اللجنة تأسيسية، لجهة اقتراح الإصلاحات الدستورية والتشريعية الناظمة للعمل العام، فضلاً عن السياسات والإجراءات…فأحسن قوانين الانتخاب، لن تنتج إصلاحاً ما لم يكن السياق السياسي للانتخاب، حراً ونزيهاً وشفافاً، وما لم تكن منظومة الحقوق والحريات، مضمونة بالكامل، من دون تعدٍ أو تهديد أو انتقاص…وأحسن قوانين الأحزاب لن ينتج حياة حزبية ونظاماً حزبياً، إن استمرت “ثقافة الخوف” من المساءلة على الممارسة والنشاط الحزبي، وإن وجد حزبيون شباب، أنفسهم يدفعون أثمان إيمانهم، بما نقول عن الحاجة للحزبية وتشجيع الشباب على الانخراط في العمل الحزبي.
في ظني أن من واجب “اللجنة”، رئيساً وأعضاءً، أن تصغي بانتباه، لما يُقال ويُكتب ويُنشر عنها، وأن تبتعد عن السجالات التي لا طائل من فوقها أو تحتها، وأن تتفادى “التهوين” و”التهويل” في قراءتها للمشهد الوطني، فكثير مما يُقال، في موقعه، وصحيح تماماً، وتبديد “عاصفة الانتقادات” يكون بالبرهنة، فعلاً وقولاً، على بطلان النبوءات السوداء والتوقعات الكئيبة…لم يعد “الدق على الصدور” مجدياً، المواطنون بحاجة لمن يتحدث عن الإصلاح بعد حدوثه، وليس قبل ذلك أبداً.
ما حصل قد حصل، واللجنة تشكلت بإرادة ملكية، وبات يتعين عليها مباشرة عملها، لكن دعونا نعترف، أقله في سرائرنا، بأن ثمة عوار أصاب التشكيل والتأليف، وأن التعويض عنه، يكون فقط، بإنجاز “التكليف” أو “التفويض” بكل كفاءة واقتدار وجرأة.