أعادت حادثة قتل وقعت قبل يومين بالكرك، الجلوة العشائرية الى الواجهة مجددا، مع ما تحمله من معاناة للمواطنين الذين تفرض عليهم الجلوة. فقد اضطرت زهاء 50 عائلة من إحدى بلدات لواء القصر شمالي المحافظة الى مغادرة منازلها على وجه السرعة خوفا من تداعيات وفاة أربعيني، بحادثة قتل أثناء مشاجرة بين أفراد من عائلتين تقطنان البلدة.
ووفقا للتقاليد العشائرية التي لم تستطع كل التوصيات والقرارات الرسمية والشعبية بوقفها أو اقتصارها على عدد قليل من أقارب الجاني، غادر المئات من السكان برفقة كل ما يملكون من مواش وغيرها من الممتلكات، وانتقلوا مؤقتا الى إحدى قرى قضاء الموجب قبل المغادرة نهائيا الى إحدى بلدات محافظة مادبا.
وتعد الحادثة الأخيرة أحدث الجلوات العشائرية منذ أكثر من عامين، بعد أن حاولت محافظة الكرك، بالتعاون مع العديد من الوجهاء بالمحافظة، إنهاء عدد من قضايا الجلوات العشائرية العالقة منذ سنوات طويلة، في حين ما تزال عشرات القضايا العشائرية المرتبطة بالجلوة العشائرية باقية تنتظر الحل من الأجهزة الرسمية ووجهاء المجتمع المحلي.
وكان أربعيني من سكان بلدة الجدعا شمالي الكرك، قد توفي بإطلاق النار في مشاجرة يشتبه بأن أحد المشاركين فيها أطلق النار عليه، في حين أصيب شخص آخر وهو قيد العلاج.
وحدثت المشاجرة إثر خلافات سابقة بين الطرفين، فيما تواجدت قوات من الدرك والشرطة بالبلدة حرصا على عدم حدوث تداعيات، في وقت ما تزال الأجهزة الأمنية تحقق بأسباب الحادثة.
وبحسب الناطق الإعلامي لمديرية الأمن العام العقيد عامر السرطاوي، فإن جريمة قتل وقعت في بلدة الجدعا شمالي محافظة الكرك، مشيرا الى اتخاذ الإجراءات الأمنية كافة من قبل الأجهزة المختصة. وتم وضع قوة أمنية مناسبة في البلدة، في حين أن هناك إجراءات قانونية بحيث يتم تحويل المتهم بالقتل الى القضاء الأردني.
وبين أنه تمت عملية الجلوة من قبل أهالي وذوي المتهم بالقتل، الى إحدى المناطق خارج محافظة الكرك وفقا للأعراف العشائرية.
وأكد أحد الوجهاء بمنطقة لواء القصر وفضل عدم ذكر اسمه، أنه وفور وقوع حادثة القتل، توجه عدد كبير من ذوي المتهم بالقتل الى منطقة مغير، وبعدها تمت الإجراءات الخاصة بالجلوة العشائرية لمحافظة مادبا حرصا على سلامتهم، لافتا الى أنه تم إجلاء أقارب الجاني كافة، بعدد 50 عائلة مع جميع ممتلكاتها وخصوصا المواشي، حرصا على عدم إلحاق الأذى بها، على وجه السرعة الى خارج المحافظة.
وبين أنه كان من المفترض أن تتم عملية الإجلاء داخل محافظة الكرك وفقا للاتفاقات السابقة بين الوجهاء والجهات الرسمية بحيث تتم الجلوة داخل المحافظة، إلا أنه حدثت الجلوة خارج المحافظة لأسباب خاصة بأهالي المتهم بالقتل.
ووفقا للتقاليد العشائرية والجلوة التي تعد حماية من عملية الثأر، فقد هجر السكان منازلهم حتى قبل أن يتم توقيع العطوة الأمنية، التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية من أقارب المغدور لمدة ثلاثة أيام وفقا للأعراف العشائرية، حيث تتم بعدها عملية العد العشائرية.
وما تزال زهاء 15 قضية جلوة عشائرية موجودة بالكرك وتنتظر الحل، من خلال الأجهزة الرسمية ومشاركة وجهاء المحافظة في إيجاد حلول مناسبة لها، حرصا على حياة المواطنين وعدم إبقائهم خارج منازلهم، رغم أن المئات من المواطنين قد أنهوا وجودهم في مناطقهم السابقة وأصبحوا قاطنين نهائيا في مناطقهم الجديدة.
وكانت فاعليات شعبية ورسمية قد عقدت العديد من النشاطات والندوات وورش العمل للوصول الى توافقات على خفض أو حصر الجلوة العشائرية بعدد قليل من المواطنين من أقارب المتهم بحوادث القتل، لتصل الى الأب وأبنائه فقط والأسماء في دفتر العائلة أو على الجد الأول فقط، إلا أن كل تلك المحاولات لم تجد نفعا مع أي حادثة قتل تحدث بالمحافظة.
وكان العديد من وجهاء محافظة الكرك قد طالبوا بإلغاء أو تخفيض أعداد الأشخاص الخاضعين للجلوة تخفيفا عليهم من الظروف الصعبة التي يعيشونها، واقتصارها على أقارب الجاني من الدرجة الأولى، وخصوصا بعد أن شهدت المحافظة خلال العامين الماضيين حالات عفو عشائرية من أقارب عدد من المجني عليهم، وإعادة أقارب للجاني من الجلوة العشائرية الى بلداتهم ومنازلهم وأعمالهم.
ومنذ قرابة عشر سنوات، ما تزال مئات العائلات من مناطق مختلفة في محافظة الكرك تعاني نتيجة ابتعادها “الاضطراري” عن مساكنها وقراها التزاما ومثولا لحكم “الجلوة العشائرية”، ليس لذنب ارتكبته هذه العائلات، بل لذنب ارتكبه أحد أفراد العشيرة، لكن صلة الدم جعلتهم شركاء في العقوبة عشائريا.
وتفرض الجلوة العشائرية على مئات العائلات استجابة للأعراف العشائرية، حيث يتم إجلاء أهالي مرتكب جريمة القتل أو الاغتصاب أو هتك العرض عن مناطق سكنهم، وترك أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم، خاصة عندما تكون قريبة من سكن أهل المجني عليه، وأحيانا تتم الجلوة في حالات يكون مكان سكن الطرفين متباعدا وليس في المنطقة ذاتها.
الغد