عقد ثمان شباب من مرجعيات وخلفيات سياسية مختلفة لقاء مع رئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي عرضوا خلاله رؤيتهم للتحديث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.

وعرض الوفد خلال اللقاء رؤيتهم للدور المناط بلجنة تحديث المنظومة بوصفه فرصة لإنجاز تحول سياسي عميق يعيد صياغة واقع البلاد التي تقف اليوم على مفترق طرق يحمل في طيه العديد من الفرص وكذلك التحديات، انسجاما مع قراءة دقيقة للتطورات الدوالية والإقليمية والعربية والتي تفرض ايقاعها على مجمل قضايا واقاليم العالم.

واعتبر الشباب ان البنية السياسية القائمة لا يمكنها بفعل عجزها الموضوعي عن أحداث اختراق حقيقي يمكن البلاد من توظيف الاهتمام الدولي اليوم في الاردن بوصفه عنوان مركزي لاعادة صياغة الإقليم الذي تعرض خلال العقود الماضية لسلسة من الأزمات والحروب اضافة لاعمق واعادة القضايا وهي القضية الفلسطينية التي تمس قضايا الامن الوطني الأردني في الصميم.

واعتبر الوفد ان الوضع السياسي أضاع عديد الفرص في السنوات العشرين الأخيرة في إنجاز التحول السياسي والاقتصادي المطلوب واللازم للاستعداد للتحديات والاستحقاقات القادمة وتخفيض الكلفة اللازمة لمواجهتها.

وتطرق الشباب إلى أزمة المعلمين باعتبارها أزمة مركبة سياسية واقتصادية واجتماعية فنقابة المعلمين والمعلمون يشكلون قطاعا واسعا ووازنا في المجتمع وهم كونهم منتمين لطبقة واحدة يشكلون رافعة لشكل الصراع الطبقي مع النخبة وهي أزمة سياسية تعكس مأزق الوضع السياسي الذي عبر تعاطيه السلبي مع الأزمة ساهم في التفاف عموم الناس حول النقابة كممثل شرعي في مواجهة محاولات السلطة نزع الغطاء عن النقابة. ومجلسها أولا ومن ثم المعلمين ثانيا وهو الالتفاف الذي ترجمه الناس عبر الاصطفاف التام مع مطالب المعلمين وانجاحهم إضراب عام 2019 في مواجهة كل رسائل التهديد والوعيد الصادرة عن الحكومة. بناءا على ما تقدم من المثير للتندر محاولة اقناع الناس بأمل في التحديث والإصلاح في ظل نأي اللجنة بنفسها عن القضية الأكثر إثارة للجدل على الساحة الوطنية ألا وهي نقابة المعلمين.

وأكدوا على أن الأزمات التي نعيشها اليوم هي نتاج تراكم تاريخي للأخطاء على المستوى الداخلي ونتاج تغييرات إقليمية ودولية لم يستطع الوضع السياسي التعامل معها بالكفاءة اللازمة ولا يمكن التعاطي معها ضمن الصيغة الحالية للوضع السياسي في البلاد. إن هذه الأزمات الإقليمية لا يمكن التعامل معها وفق منهج توظيف الجغرافيا السياسية التقليدي للأردن حيث قام الوضع السياسي وفي بعض الأحيان بتوظيف الجغرافيا الأردنية بما لا يخدم مصالح الدولة والشعب.

كل هذه التحديات تجعلنا وجها لوجه أمام استحقاقات مصيرية وإجبارية لا يمكننا أن نعبر بالأردن نحو مؤيته الثانية بدونها. وليس لنا الخيار بالتراخي أو التأجيل أو التسويف، بل علينا جميعا العمل لأجل إحقاق هذه الاستحقاقات وإلا فإن الفوضى هي الطريق الوحيد الذي سنواجهه أمامنا.

إن الشكل الحالي للوضع السياسي في الأردن لا يرقى إلى المستوى القادر على الخروج بالبلد من هذه الأزمات لذلك علينا أولا تقع مسؤولية تاريخية لانجاز دستور جديد يعيد تعريف الدولة والمجتمع بمنظور حداثي قادر على الدخول في نظام دولي جديد آخذ بالتشكل.
هذا الدستور عليه أن يعيد الاعتبار لسلطة الشعب المباشرة في اختيار ممثليه على أسس برامجية ويقر الفصل الحقيقي بين السلطات ويعيد صياغة دور المؤسسات من جديد بما يخدم أهدافها الحقيقة التي أنشئت لأجلها دون تغول لمؤسسة على أخرى ولا لسلطة على أخرى.

على الدستور الجديد أن يعيد تعريف علاقة الشعب الأردني بنفسه دون اعتبار للمحاصصة والمناطقية والجهوية وتقسيم الشعب لمكونات وأصول ومنابت وهو التقسيم الذي لا يخدم المصالح الوطنية العليا. وعلينا أن نعيد انتاج تعريف للمواطن الأردني يتجاوز الإشكاليات الفرعية المصطنعة لهوية الشعب.

على الدستور الجديد أيضا أن يعيد صياغة علاقة المواطن الأردني بدولته على أساس الشرعية فلا أحد اليوم قادر على تجاوز شرعية الشعب الأردني ومشروعه الوطني المتشكل.

وأكد الشباب على أن ما يجري اليوم من اختلاق للأزمات وتصديرها إلى الشارع إنما هو نتاج مباشر لصراع أطراف السلطة والمؤسسات وهي أطراف لا تمتلك رؤية موحدة وناضجة وواقعية لمواجهة التحديات القائمة.

وتناول الشباب الادعاء الذي يقول إن الأردنيين غير جاهزين للديمقراطية على أنه إدعاء غير حقيقي وغير واقعي بمنطق استعلائي على الشعب وهو ادعاء يسعى للحيلولة دون إعادة صياغة الوضع السياسي في البلاد على أساس الشرعية.

وقدم الشباب رؤية سياسية انطلاقا من الواقع الحالي للنظام الدولي حيث ينتقل العالم من مبدأ مركزية القوة الخشنة كعامل للتغيير إلى مبدأ مركزية إدارة المصالح بين الأطراف الدولية الكبرى وعليه فإن النظام الدولي الآخذ بالتشكل سوف يعتمد التسويات أساسا لحل كافة القضايا العالقة عالميا، وأن القوى الكبرى سوف تمنح غطاءا دوليا لتسوياتها في أقاليم العالم وليس لدول وأنظمة بعينها.

وترتكز رؤية الشباب على أن التسويات هي الأساس الصلب لحل القضايا الدولية والإقليمية العالقة فلا إمكانية لأي طرف أن يدخل إلى هذا المبدأ دون أن يمتلك ركائز أساسية أولها الشرعية التي تعني في إطارها السياسي الديمقراطية طريقا وحيدا لانتاج شرعية الأنظمة السياسية، واللامركزية كشكل من أشكال إنتاج شرعية التنمية، والمؤسساتية سبيلا وحيدا لاشتراك الأفراد والجماعات في مجالي الاقتصاد والسياسة، وامتلاك المنطق العلمي أساسا لقبول المؤسسات والأحزاب والأفراد في عملية الحوار الداخلي والإقليمي والدولي، وهو ما يفرض على الأردن حتى يكون طرفا في التسويات الإقليمية أن ينجز تسويته الداخلية كي يتمكن من حماية مصالحه الوطنية العليا وكي يكون قادرا على تحمل مسؤولياته الوطنية والعربية والأقليمية.